الفيلم الفلسطيني “لا أرض أخرى”: رحلة توثيق للمعاناة يصل إلى الأوسكار
في إنجاز جديد للسينما الفلسطينية، تمكن الفيلم الوثائقي “لا أرض أخرى” من الوصول إلى القائمة القصيرة لترشيحات جوائز الأوسكار ضمن فئة “أفضل فيلم وثائقي طويل” ، في النسخة السابعة والتسعين من الجائزة العالمية التي تحظى بمتابعة واسعة النطاق.
هذا الإنجاز يضع الفيلم في دائرة الاهتمام كونه الممثل الوحيد للسينما العربية في المنافسة، وسط ترقب واسع لحفل توزيع الجوائز المقرر إقامته في الثالث من مارس المقبل.
يذكر أن إعلان أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة عن القائمة القصيرة للأفلام المرشحة جاء بعد عدة تأجيلات بسبب الحرائق التي اجتاحت لوس أنجلوس مؤخرًا، مما أدى إلى تمديد فترة التصويت ومنح الأعضاء فرصة إضافية لاختيار الأعمال الأكثر جدارة، كما تم إلغاء حفل الغداء السنوي التقليدي للمرشحين الذي كان مقرراً في العاشر من فبراير، و في ظل هذه الظروف، برز في الساحة الفنية الفيلم الفلسطيني كأحد الأعمال القليلة التي تمكنت من تجاوز كل العقبات والوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة، بعد استبعاد عدد من المشاريع العربية الأخرى، من بينها فيلم “المسافة صفر” للمخرج رشيد مشهراوي وفيلم “برتقالة من يافا” لمحمد المغني.
الفيلم، الذي يحمل توقيع إنتاج فلسطيني نرويجي، عُرض للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي ضمن برنامج “بانوراما”، حيث لفت الأنظار بقصته المؤثرة التي تسلط الضوء على معاناة أهالي قرى “مسافر يطا” في الضفة الغربية، كما يوثق العمل رحلة الناشط الفلسطيني باسل عدرا وزميله الإسرائيلي يوفال أبراهام، اللذان يسعيان إلى كشف الضغوط التي يتعرض لها سكان المنطقة نتيجة للسياسات الإسرائيلية التي تستهدف تهجيرهم لصالح توسيع الاستيطان.
و على مدار خمس سنوات من العمل المتواصل، استطاع صُنّاع الفيلم جمع لقطات وثائقية تعكس واقعًا مريرًا تعيشه هذه القرى الفلسطينية، إذ يوثق الفيلم بمدة تصل إلى خمسة وتسعين دقيقة، ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف الفلسطينيين عبر تهجيرهم القسري، هدم منازلهم، وملاحقتهم المستمرة، في مقابل الدعم الذي يحظى به المستوطنون. ولا تقتصر الانتهاكات التي يُبرزها العمل على التشريد فقط، بل تشمل أيضاً المواجهات القانونية التي خاضها السكان لمحاولة البقاء في أراضيهم، والتي انتهت بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية باعتبار المنطقة مخصصة للتدريبات العسكرية، ما منح الغطاء القانوني لمواصلة التهجير.
هذا و يُقدّم الفيلم توثيقًا عميقًا لأحداث مأساوية، من بينها حادثة مقتل أحد الفلسطينيين على يد مستوطن إسرائيلي، في ظل حماية قوات الاحتلال، فضلاً عن مشاهد السلب والنهب التي تعرضت لها ممتلكات الفلسطينيين دون أي مساءلة قانونية، مما يعكس عمق الأزمة الإنسانية التي يعيشها السكان تحت الاحتلال.
تجدر الإشارة أن العمل تميز باستخدامه لمواد أرشيفية تمتد لأكثر من عقدين، ما يضيف بعدًا تاريخيًا للأحداث، ويمنح المشاهدين فهماً أعمق لطبيعة الصراع في المنطقة.
وقد حصد الفيلم عدة جوائز مرموقة، من بينها “أفضل فيلم وثائقي” و”جائزة الجمهور” في مهرجان برلين السينمائي، مما يعكس التقدير الكبير الذي حظي به من قبل الجمهور والنقاد على حد سواء.
من جهته تحدث المخرج الفلسطيني باسل عدرا عن تجربته في إنجاز هذا الفيلم، مؤكدًا أن شراكته مع الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام كانت عاملًا أساسيًا في تسهيل عملية الإنتاج، ما مَهَّدَ الطريق أمام الفيلم للوصول إلى جماهير أوسع، كما أشار إلى الدعم الذي حصل عليه المشروع من مهرجان صندانس خلال مراحل الإنتاج، مما أسهم في تحقيق هذه النتيجة المتميزة.
فيما يرى الناقد السينمائي المصري خالد محمود أن أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تسليط الضوء على الفيلم دوليًا هو وجود مخرج إسرائيلي شريك في العمل، دون أن يكون هناك أي تمويل إسرائيلي، الأمر الذي أتاح للفيلم الوصول إلى منصات إعلامية عديدة والترويج لفكرة التعايش السلمي التي يحملها، ويضيف أن العمل يقدم منظورًا مختلفًا عما يُطرح عادةً في الأفلام الوثائقية عن القضية الفلسطينية، حيث يطرح رؤى إنسانية وفكرية جديدة تجذب اهتمام المشاهد الغربي.
تمثل مشاركة “لا أرض أخرى” في الأوسكار تتويجًا لمسار السينما الفلسطينية، التي باتت تُقدّم أعمالًا ذات جودة عالية وتناقش قضايا تمسّ الواقع الفلسطيني بعمق إنساني وفني كبير.
و يعكس هذا الترشيح اهتمام الأكاديمية بالقصص الواقعية التي تُقدَّم بأسلوب فني مؤثر، ويلقي الضوء على المعاناة المستمرة لشعب يكافح من أجل البقاء على أرضه رغم التحديات المتصاعدة.