الرئسيةثقافة وفنون

مهرجان روتردام للفيلم العربي في يوبيله الفضي

أسدل مهرجان روتردام للفيلم العربي الستار على دورته الخامسة والعشرين مساء الأحد 1 يونيو 2025، في احتفال احتفى بالفن والإبداع وكرّس مكانته كمنصة رائدة لدعم السينما العربية في قلب أوروبا.

حملت الدورة الحالية، رمزية “الربع قرن”، و مزجت بين التكريم والاعتراف بالمنجزات السينمائية وبين مواكبة الأصوات الجديدة، مؤكدة أن المهرجان بات فضاءً جامعًا بين الأجيال الفنية المختلفة.

ليلى علوي.. ضيفة الشرف ونجمة التكريم

حظيت النجمة المصرية ليلى علويhttp://ولدت من أب مصري وأم يونانية بتكريم خاص في هذه الدورة، و الذي جاء تتويجًا لمسيرة فنية طويلة وثرية، تركت خلالها بصمتها في السينما العربية، حيث قدم لها المهرجان “ماستر كلاس” خاصًا، بالإضافة إلى عرض فيلمها الكلاسيكي “سمع هس” من إخراج شريف عرفة، في استعادة حميمة لأحد أبرز أفلامها التي لامست قضايا الواقع بلغة سينمائية مبتكرة.

وعلقت ليلى علوي على هذا التكريم بالقول: “أنا سعيدة جدًا بهذا التكريم من مهرجان روتردام للفيلم العربي، فهو يحتل مكانة خاصة في قلبي، خاصة وأنه يأتي بعد سنوات طويلة من العطاء، وكل الشكر لإدارة المهرجان وكل من ساندني في مشواري الفني.”

جوائز وتنوع لافت في الإنتاجات السينمائية

تميزت الدورة الخامسة والعشرون بتعدد الرؤى والأساليب الفنية، ما عكس ثراء المشهد السينمائي العربي، حيث كشفت المسابقات الرسمية عن تنافس قوي بين أفلام تمثل تجارب مستقلة وجريئة، خصوصًا من أجيال جديدة تسعى لتوسيع أفق السينما العربية.

ففي مسابقة الأفلام القصيرة، توّج فيلم “ولا عزاء للسيدات” للمخرج المصري محمود زين بجائزة أفضل فيلم، بفضل موضوعه الجريء وتناوله الاجتماعي العميق بلغة إخراجية مغايرة، أما جائزة أفضل إخراج فقُسمت بين ثلاثة أسماء: الفلسطينية “مها الحاج” عن فيلم “ما بعد”، والمغربيين “أيوب ليوسفي وزهوة راجي” عن فيلم “شيخة”، وهو تقاسم يُجسد التوازن بين التجريب الفني والطرح الواقعي في كلا العملين.

ونال الفيلم الفلسطيني “ولدت مشهورًا” للمخرج لؤي عواد تنويهًا خاصًا من لجنة التحكيم، لتقديمه معالجة إنسانية حساسة لموضوع الشهرة والهوية.

أما في مسابقة الفيلم الوثائقي، فكانت الجائزة الكبرى من نصيب الفيلم المغربي “أمك” للمخرجة سميرة المزغيباتي، لتناوله موضوع الأمومة والنسق الاجتماعي المحيط بها بحساسية عالية وصدق إنساني لافت.
فبما ذهبت جائزة أفضل إخراج للبناني كريم قاسم عن فيلم “موندوف”، الذي اشتبك بذكاء مع قضايا الهجرة والهوية في سياق لبناني متأزم، كما حصل فيلم “خط التماس” للمخرجة اللبنانية سيلفي باليوت على تنويه خاص.

تألق سعودي وحضور نسائي قوي

في مسابقة الأفلام الطويلة، حصد الفيلم اللبناني “يونان” للمخرج أمير فخرالدين، جائزة أفضل فيلم، بفضل طرحه الإنساني العميق وتوظيفه للغة سينمائية شاعرية.
أما جائزة أفضل ممثل، فذهبت للبطل نفسه جورج خباز، فيما نالت الممثلة السعودية رولا دخيل الله جائزة أفضل ممثلة عن أدائها المؤثر في فيلم “سلمى وقمر”، الذي حظي أيضًا بتنويه خاص من لجنة التحكيم.

هذا التميز السعودي لم يكن معزولًا عن سياق تحوّل ملحوظ تعيشه السينما السعودية، مدفوعًا ببيئة إنتاجية جديدة وجرأة في تناول قضايا المجتمع، وقد تجلّى ذلك في أفلام تنبض بالحياة النسائية والطرح الجمالي المتجدد.

من جهة أخرى، كُرمت السينارست والمخرجة الفلسطينية ليلى عباس عن أفضل سيناريو لفيلمها “شكرًا لأنك تحلم معنا!”، بينما حصل المخرج المصري محمد حمدي على جائزة أفضل تصوير عن فيلمه “معطراً بالنعناع”، الذي تميز ببصريات دقيقة وحس بصري مرهف.

لجان تحكيم تضم نخب عربية وأوروبية

عكست تركيبة لجان التحكيم ثقة المهرجان في التنوع والخبرة، حيث ضمت في مسابقة الأفلام الروائية كلًا من النجمة السورية أمل عرفة، والمنتج المغربي خليل بنكيران، والممثلة السعودية فاطمة البنوي، وفي لجنة تحكيم الأفلام القصيرة شاركت الممثلة سلوى محمد علي والمخرج السوري أحمد الحاج والمخرجة السعودية رزان الصغير.

وفي الوثائقي، جمعت اللجنة بين المخرجة الهولندية إليزبيث فرانيا، والمنتج العراقي د. حكمت البيضاني، والمخرجة المغربية زكية الطاهري، مما ساهم في بلورة قرارات تحكيمية دقيقة وواعية بخصوصية كل تجربة.

دورة نسائية بامتياز: من أم كلثوم إلى درة زروق

كانت المرأة عنصرا محوريًا في هذه الدورة، حيث خصص المهرجان تكريمًا خاصًا لرموز نسائية في تاريخ الفن العربي، وفي مقدمتهم كوكب الشرق أم كلثوم، مع التركيز على تأثير المرأة في مسيرة الفن السابع، في هذا السياق كان الحضور النسائي وافرًا، وشمل نجمات مثل هنا شيحة، وأمل عرفة، ودرة زروق التي عُرض فيلمها “وين صرنا”، والفنانة عفاف بن حمود، والفنانة زكية الطاهري، و فاطمة البنوي، ما منح المهرجان طابعًا حواريًا حول الأدوار النسائية في صناعة السينما.

إشعاع رقمي وعروض للجمهور الواسع

لم يقتصر الحضور على صالات العرض فقط، إذ عرض المهرجان 37 فيلمًا في القاعات، وفتح آفاق المشاهدة عبر الإنترنت من خلال منصة cmena.nl، حيث بث 32 فيلمًا قصيرًا، بهدف إشراك الجمهور الهولندي والعربي في هولندا وخارجها، خصوصًا المهتمين بالسينما النوعية والبديلة.

ختام دورة استثنائية.. والمستقبل للسينما العربية

باختتام هذه الدورة، يواصل مهرجان روتردام للفيلم العربي ترسيخ مكانته كأحد أبرز المواعيد السينمائية للثقافة العربية في أوروبا، مؤكدًا أن السينما ليست فقط وسيلة للتسلية، بل منصة للتعبير، للتغيير، وللتقاطع الحضاري.

ومع هذا الختام، يتجدد الوعد بأن تبقى الشاشة منصةً للحوار، والانفتاح، والتجديد، في زمن يزداد فيه البحث عن الحقيقة، والجمال، والهوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى