الرئسيةمنوعات

من أوراقه إلى بورصة ناسداك: رحلة شاب صيني أصبح من المليارديرات بكوب شاي

في خضم عالم الأعمال المتسارع، حيث تسيطر شركات التكنولوجيا والابتكار الرقمي على المشهد، يظهر نموذج مختلف تماماً لرائد أعمال صيني شاب في الثلاثين من عمره، تمكن من اقتحام قائمة بلومبرغ للمليارديرات، لا من خلال تطبيق ثوري أو منصة إلكترونية، بل بفضل مشروب بسيط طالما كان جزءاً من الثقافة الصينية: كوب شاي.
خطف جونجي تشانغ، مؤسس ومدير شركة “تشاغي القابضة المحدودة”، الأنظار عالمياً بعد أن نجحت شركته في دخول بورصة ناسداك الأميركية، في خطوة مفاجئة بالنظر إلى تصاعد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.

تمكن تشانغ من جذب 411 مليون دولار خلال الطرح الأولي لشركته،وسط بيئة اقتصادية مشحونة ومشهد اكتتابات عامة راكد في السوق الأميركية، حيث تم تحديد السعر عند الحد الأقصى للنطاق المتوقع، لترتفع أسهم “تشاغي” بنسبة 16% عند الإغلاق، دفعت هذه القفزة السريعة بثروة تشانغ إلى 2.1 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ، معتمدة كلياً على حصته في الشركة، ولعل ما يميز هذه القصة ليس فقط حجم الثروة، بل مسار تكوينها في سوق قد يبدو تقليدياً، لكنه يشهد تحولات عميقة.

تشانغ ليس الوحيد الذي ركب موجة الشاي الفاخر في الصين، بل ينتمي إلى جيل جديد من رواد الأعمال الذين استغلوا الإقبال المتزايد على المشروبات الصحية والطبيعية، فقد تمكن الشقيقان مؤسسا مجموعة “ميكسو”، المعروفة بشاي الفقاعات والقهوة والآيس كريم، من جمع ثروة تُقدَّر بنحو 8 مليارات دولار بعد إدراج شركتهما في هونغ كونغ.
و ان أتاح هذا الزخم الكبير فرصاً واسعة، فقد أدى أيضاً إلى اكتظاظ السوق وتشبعها في بعض المناطق، خاصة في هونغ كونغ، ما دفع محللين مثل شين مينغ من بنك “تشانسون آند كو” إلى التحذير من أن العديد من هذه الشركات تواجه صعوبة في الحفاظ على زخمها بعد الاكتتاب العام، في ظل تراجع رغبة المستثمرين في ضخ رؤوس أموال إضافية بسوق تعتبره محفوفاً بالمخاطر.

في هذا السياق، جاءت خطوة “تشاغي” نحو بورصة نيويورك كخيار شبه وحيد لتمويل طموحاتها التوسعية، بعد أن أصبح السوق الأميركي، رغم تحدياته السياسية، أكثر جذباً من نظيره الآسيوي. ومنذ تأسيسها عام 2017 في مقاطعة يونان المتاخمة لحدود ميانمار ولاوس وفيتنام، اعتمدت الشركة على وصفة مختلفة عن منافسيها، فرغم انتمائها إلى قطاع شاي الفقاعات، إلا أنها تميزت بتقديم مشروبات تعتمد على وصفات تقليدية باستخدام الشاي الأخضر والأسود وأولونغ، مع لمسة عصرية تجمع بين النكهة الأصلية والديكور الأنيق الذي يحاكي مقاهي ستاربكس، دون الانجرار وراء المشروبات المحلاة والمليئة بالتابيوكا.

مكن هذا النهج المتزن “تشاغي” من الاستفادة من توجه عالمي متزايد نحو الخيارات الصحية، حيث بدأ المستهلكون يبتعدون عن المنتجات ذات السعرات الحرارية العالية، في ظل وعي متصاعد حول التغذية وجودة المكونات، وتُظهر الأرقام أن سوق الشاي الطازج في الصين مرشح للبلوغ 58 مليار دولار بحلول عام 2028، مقابل 273 مليار يوان في العام الماضي، ما يعكس نمواً هائلاً في الطلب يدفع الشركات لتوسيع نطاقها بسرعة.

حتى الآن، تمتلك “تشاغي” أكثر من 6440 متجراً، غالبيتها في الصين، إلى جانب انتشار متزايد في أسواق جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة وتايلاند.
وتشير بيانات الشركة إلى أن ما يزيد عن 6200 من متاجرها تعمل بنظام الامتياز، فيما لا تتعدى الفروع المملوكة للشركة 169 متجراً، لكن هذا التوسع لم يكن خالياً من العقبات، فقد واجهت الشركة انتقادات في ماليزيا على خلفية استخدام تطبيقها لخريطة تعكس مطالب الصين المثيرة للجدل في بحر الصين الجنوبي، ما تسبب في دعوات للمقاطعة. أما في فيتنام، حيث تعتزم “تشاغي” الانطلاق قريباً، فهي بالفعل محل تحقيق رسمي بسبب قضية مشابهة.

وبالرغم من هذه المطبات الجيوسياسية، يرى محللون أن خطوة إدراج الشركة في السوق الأميركية تهدف إلى منحها هالة دولية وإمكانية للمنافسة مع علامات تجارية عالمية مثل ستاربكس. ومع ذلك، فإن التوقيت حساس للغاية، في ظل تصاعد الحرب التجارية والقلق من الإجراءات الحمائية، ما يجعل من دخول “تشاغي” إلى بورصة ناسداك مغامرة محسوبة بدقة، قد تفتح آفاقاً جديدة أو تضعها أمام اختبارات صعبة في السوق العالمي.

قصة جونجي تشانغ وشركته “تشاغي” تختزل روح المبادرة والقدرة على الابتكار داخل منظومة تقليدية مثل صناعة الشاي. وبينما يعيد العالم اكتشاف الشاي كمنتج يجمع بين الثقافة والصحة والربح، تظل تجربة هذا الشاب الصيني دليلاً على أن الفرص قد تختبئ في أبسط العادات، وأن النجاح قد يأتي أحياناً من كوب شاي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى