
رواية “أثر الطير” لثريا ماجدولين، حين تكون الكتابة تمرينا على النسيان
°بقلم: سارة سعدون
في روايتها “أثر الطير”، الصادرة عن المركز الثقافي للكتاب، بالدار البيضاء، تفتح ثريا ماجدولين دربا في الذاكرة الجماعية، والتاريخ السياسي المعقّد للمغرب المعاصر، عبر تقاطعٍ شفاف بين الذاتي والجمعي، حيث تصبح سيرة البطلة، الصحافية التي تطارد الحقيقة، مرآةً لزمنٍ مثقل بالخذلان والانكسارات.
“فريدة”، الصحافية المتمردة، لا تنبش في أرشيف الأحداث فقط، بل في هشاشتها الداخلية، حيث يتهشّم يقينها النضالي بين جرحٍ عاطفي وصخب الشارع، في تقاطع السياسي والوجداني، ويتجاور السؤال الوجودي مع هتافات الشارع، في نصّ يعيد تشكيل التوتر بين العام والخاص.
من انتفاضة 1984 إلى حراك 20 فبراير2011، تتقاطع الأزمنة كما تتقاطع الشخصيات: كلّها تمضي في متاهة الذاكرة بحثا عن يقين ما، عن تماسك ما، عن احتمال للنجاة. وفي قلب هذا الركض، تبرز الكتابة كخلاص أخير. لا تظهر هنا كفعل فنيّ فقط، بل كمعنى بديل للحياة، كمساحة للمراجعة، وللتمرّد، ولترميم الذوات التي صدّعتها الخيارات القديمة.
لغة الرواية، في “أثر الطير”، لا تروي الأحداث بقدر ما تنقّب فيها، وتفتح منافذ التأويل على اتساعها. هي لغة تمشي على الحدّ الفاصل بين الواقع كما هو والواقع كما يُحلم به. لغة تنهل من واقعية سحرية خافتة، مشبعة بالتوتر الخفيّ. إنها كتابة تستنطق اليومي دون أن تفرّط في الحلم.
وفي تقاطع الأزمنة، من انتفاضة 1984 إلى ارتجاجات 2011، يتكشّف أن الذاكرة ليست حافظةً بقدر ما هي مسرحٌ للنسيان، وأن الذات، في عمق هشاشتها، لا تتكوّن من يقين واحد، بل من شظايا متناحرة من الانتماء، والخسارة، والتمزق الداخلي، بين الرغبة في المعرفة والخوف منها. وهنا، تتبدّى الحقيقة كأثر طيرٍ مرّ ذات لحظة في السماء، وترك شكله في الهواء.
الرواية ليست فقط عن امرأة تحاول أن تنسى حبًّا، بل عن امرأة تحاول أن تستعيد ذاتها من ذاكرةٍ جماعية مثقلة، من واقع سياسي خانق. إنها، في النهاية، تمرينٌ على المقاومة، بالتذكّر، وبالاعتراف بالهشاشة كقوة. هي هذا الأثر الذي نكتبه كي لا نُمحى، ونمحوه كي لا نُسجن فيه. هي رواية عن زمن سياسي مقلق، وعن الكيفية التي نخفي بها حروبنا الصغيرة، ونواصل العيش.
“أثر الطير”، رواية صادرة عن المركز الثقافي للكتاب، 2025.