الرئسيةحول العالم

لماذا أمل كلوني أمام تهديدات الحظر الأمريكي؟

تشهد الساحة القانونية الدولية تصعيدًا جديدًا يعكس تداخلًا متزايدًا بين أدوات العدالة ومواقف السياسة الدولية، ويتجلى هذا التوتر في قضية المحامية والناشطة الحقوقية أمل كلوني التي أصبحت في قلب عاصفة دبلوماسية وقانونية، بعد أن قدمت مشورة قانونية للمحكمة الجنائية الدولية في قضايا تتعلق بإسرائيل.

تحرير: جيهان مشكور

الصحيفة البريطانية “فاينانشال تايمز” تسلط الضوء على القضية

كانت الصحيفة البريطانية “فاينانشال تايمز” من بين أولى الوسائل الإعلامية التي سلطت الضوء على هذا الموضوع، مشيرة إلى أن كلوني، التي تُعد واحدة من أبرز الشخصيات القانونية على الساحة الدولية، قد تواجه حظرًا من دخول الولايات المتحدة، وهو إجراء غير مألوف في حق شخصية قانونية تحظى باعتراف واسع داخل الأوساط الحقوقية الدولية، حيث يوضح التقرير الذي نقلته شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أن سبب هذا التحذير يعود إلى مساهمة كلوني، وهي بريطانية من أصول لبنانية، في تقديم استشارات قانونية تتعلق بملف جرائم حرب يشتبه بضلوع مسؤولين إسرائيليين فيه، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وذلك على خلفية الحرب الأخيرة على غزة.

تعد هذه الاستشارات امتدادًا لدور المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة من يشتبه في ارتكابهم انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وهي مهمة كثيرًا ما تُقابل برفض سياسي عندما تلامس مصالح قوى كبرى، كما هو الحال مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

التحذير الذي تلقته كلوني وسواها من المحامين العاملين مع المحكمة لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى أمر تنفيذي وقّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير من العام نفسه، وهو القرار الذي وصف المحكمة الجنائية الدولية بأنها كيان “غير شرعي”، يتخذ إجراءات “لا أساس لها من الصحة” ضد الولايات المتحدة وحلفائها، و بموجب هذا الأمر، بات بالإمكان فرض عقوبات تشمل منع السفر، وتجميد الأصول، وحتى ملاحقة أسر العاملين مع المحكمة في حال اعتُبروا مشمولين بالإجراءات العقابية.

اللافت أن وزارة الخارجية البريطانية دخلت على خط الأزمة، محذّرة رعاياها من المحامين الدوليين، بمن فيهم كلوني، من العواقب المحتملة في حال استمرارهم في تقديم الدعم القانوني للمحكمة في قضايا تمس إسرائيل.

ضغوطات على المحكمة

يبرز هذا التحذير حجم الضغوط السياسية التي تُمارس من أجل كبح عمل المحكمة، ليس فقط من قبل واشنطن، بل أيضًا من شركائها الدوليين الذين يتخذون مواقف دفاعية حيال ممارسات إسرائيل العسكرية، خاصة في السياق الفلسطيني.

كهذا وينص القرار الأمريكي بشكل واضح على إمكانية فرض “عقوبات ملموسة وهامة”، منها تجميد ممتلكات المعنيين داخل الولايات المتحدة، وتعليق تأشيراتهم وتأشيرات أفراد عائلاتهم المباشرين، وهو ما يعكس رغبة واشنطن في فرض هيمنتها على المجال القضائي الدولي، وقطع الطريق أمام أي مساءلة دولية محتملة لحلفائها، لا سيما في الملفات الشائكة مثل القضية الفلسطينية.

و من بين الأسماء الأخرى التي قد تطالها هذه العقوبات، نجد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، البريطاني كريم خان، ما يدل على أن الإجراءات لا تقتصر على المحامين المستشارين، بل تطال أيضًا كبار المسؤولين في الهيكل القضائي للمحكمة، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في تاريخ العدالة الدولية.

أمل كلوني، البالغة من العمر 47 عامًا، ليست مجرد محامية، بل رمز دولي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، وتمارس مهنتها في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ومع أنها تقيم مؤقتًا في نيويورك حيث يشارك زوجها، الممثل الأمريكي الشهير جورج كلوني، في عمل مسرحي على مسرح برودواي، فإن وجودها القانوني والمهني في أمريكا مهدد اليوم بسبب تضارب السياسة مع العدالة.

هذه القضية تفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول مدى استقلال القضاء الدولي عن الإرادة السياسية للدول الكبرى، ومدى استعداد هذه الدول لاحترام المؤسسات التي ساهمت هي نفسها في تأسيسها،

وتكشف أيضًا عن هشاشة الحماية التي يُفترض أن يتمتع بها المدافعون عن القانون الدولي عندما تصبح الحقيقة غير مريحة لحلفاء أقوياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى