الرئسيةرأي/ كرونيك

فِي مَعْنَى الْحِوَارِ الْوَطَنِيِّ تَفَاعُلٌ جَدِيدٌ مَعَ الصَّدِيقِ مُصْطَفَى مِفْتَاح

بقلم: يوسف اغويركات

الصديق العزيز مصطفى مفتاح،
أشكرك على قراءتك المتأنية وتفاعلك النزيه مع الدعوة إلى حوار وطني شامل، وعلى ما تضمنه تعليقك من ملاحظات عميقة تكشف حرصك الصادق على وضوح المفاهيم ودقّة المواقف. وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا التفاعل المسؤول الذي يُغني النقاش ولا يُفرغه من محتواه.

في معنى الحوار الوطني

لقد أثرتَ سؤالا جوهريا حول معنى “الحوار الوطني”، وهل المقصود به النقاش أم التفاوض أم التشاور، وهي ملاحظة وجيهة، لأن أي دعوة من هذا القبيل تحتاج إلى ضبط مفاهيمي يُجنبها اللبس.

في تصوري، الحوار الوطني الذي أدعو إليه ليس بديلا عن المؤسسات، ولا تكرارا لصيغ رسمية سابقة، بل هو عملية مجتمعية مفتوحة تتقاطع فيها الإرادات الإصلاحية من داخل الدولة والمجتمع، بما يعيد الثقة ويُبلور تعاقدا وطنيا جديدا حول أولويات المرحلة.

إنه ليس مفاوضة بين خصوم، بل بحثٌ جماعي عن المشترك الوطني الممكن، بوعي بأن اختلاف المصالح لا يلغي وحدة المصير. ولعل ما نحتاجه اليوم هو تعريف عملي للحوار الوطني، يحدد أطرافه، مجالاته، وأفقه، حتى لا يبقى مجرد شعار أو تمرين رمزي.

تجارب الحوار السابقة

أما بخصوص ملاحظتك حول تجارب “الحوار” السابقة في المغرب، فأتفق معك في أنها كانت محدودة الأفق ومتحكما فيها إلى حد كبير، لكنني أرى أن الوعي بهذه التجارب لا يجب أن يدفعنا إلى اليأس من تطوير مفهوم جديد للحوار يتجاوز منطق التسيير الإداري إلى منطق الابتكار التشاركي.

نحن لا نبدأ من الصفر، لكننا أيضا لا ينبغي أن نظل أسرى النماذج السابقة.

وأقدّر أيضا قراءتك النقدية لعبارة “تحويل الأزمات إلى فرص” وما تثيره من مفارقة مؤلمة، بين من ضحّى ومن استفاد. غير أن المقصود هنا هو قدرة المجتمع المغربي ككل، بمؤسساته ونخبه ومكوناته المتعددة، على تجاوز الأزمات عبر تراكم التجارب، وليس تبريرا لأي وجه من وجوه المعاناة أو القمع التي طالت جزءا من أبناء هذا الوطن.

فالتاريخ الوطني لا يُقرأ بمنطق التبرئة أو الإدانة، بل بمنطق التعلم وإعادة البناء. ولا نطلب من المغاربة تضحيات جديدة، بل نطمح إلى أن تتحول تضحيات الماضي إلى ذاكرة تأسيسية لحوار ينصف الجميع، ويعيد الاعتبار لمن دفعوا ثمنا باهظا من أجل هذا الوطن.

لا يمكن لأي دعوة للحوار أن تنطلق من مواقع الاتهام أو الصدام

أما عن “الغموض” الذي أشرتَ إليه في الدعوة، فربما يعود إلى حرصي على أن تكون لغة النص جامعة وغير إقصائية، إذ لا يمكن لأي دعوة للحوار أن تنطلق من مواقع الاتهام أو الصدام.

ومع ذلك، أتفق معك في أن المرحلة تتطلب تسمية أدق للرهانات المفصلية، وربط الخطاب بالحركات الاجتماعية الجديدة وبالتحولات العميقة التي يعيشها الشباب المغربي، لأن هذه التعبيرات هي اليوم المؤشر الأصدق على الحاجة إلى حوار وطني فعلي لا شكلي.

لقد أصبتَ أيضا في الإشارة إلى أن النقاش بدأ فعليا في الشارع، وهو ما يجعل الحاجة ملحّة لإيجاد جسر تواصل مؤسساتي ومدني يحوّل هذا الصوت إلى طاقة اقتراحية لا إلى مجرد احتجاجات موسمية.

فليس الهدف من الدعوة إلى الحوار أن تفرغ الحراك من مضمونه، بل أن تؤطره في أفق وطني جامع يضمن أن تتحول المطالب الاجتماعية إلى سياسات عمومية واقعية. وأوافقك تماما في أن الحراك الشبابي الراهن، منذ لحظة GEN Z 212 وما سبقها من محطات مؤلمة، هو التعبير الأصدق عن الحاجة إلى تعاقد جديد، لا مجرد تحسين للنموذج القائم.

ضرورة تسمية المصالح المتناقضة ومساءلة بنية الريع والفساد

أخيرا، أتفهم ملاحظتك حول ضرورة تسمية المصالح المتناقضة ومساءلة بنية الريع والفساد، وأومن أن تسمية هذه المصالح ليست تهديدا للوحدة، بل شرطا للعدالة. فالحوار الحقيقي لا يتهرّب من الأسئلة الصعبة، بل يواجهها بجرأة ومسؤولية.

وأؤمن أن القطيعة ليست وحدها طريق الإصلاح، بل إن التراكم والحوار الصريح والمسؤول هو ما يفتح أفقا لتجديد النموذج السياسي والاجتماعي على أسس جديدة من العدالة والمساءلة والمواطنة الفاعلة.

إن مقالك أثار أسئلة ثمينة سأعود إليها بتوسع في صيغة مكملة للدعوة، تكون أكثر تحديدا في المفاهيم، وأقرب إلى صيغ عملية لتنظيم الحوار وآلياته وضماناته.

ولعل هذا التفاعل بيننا هو أول تجسيد فعلي لروح الحوار الوطني الذي نطمح إليه جميعا.
مع كامل الود والتقدير.

اقرأ أيضا…

تفاعلا مع الدعوة لحوار وطني شامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى