رأي/ كرونيكسياسة

بونيت يكتب: مشروع قانون شبح…

عزالدين بونيت

تروج منذ مساء أمس صور يقال انها مقتطفات من مشروع قانون بث فيه المجلس الحكومي مؤخرا حول استعمال وسائل التواصل الاجتماعي. سرت الشائعة كالنار في الهشيم.

ليس من عادتي ان أعلق على معطيات مجهولة المصدر . لذلك بحثت عن النسخة الرسمية لمشروع القانون المزعوم في المصادر المعتمدة فلم اعثر عليها. كما بحثت في المعلومات التي تزعم أن مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 19 مارس قد تدارس هذا المشروع وصادق عليه، فوجدت أن جدول اعمال المجلس المذكور لم يتضمن اي بند يتعلق بهذا المشروع. كما أن المجالس الحكومية اللاحقة الى حدود 24 ابريل لم تتداول اي نص بهذا المعنى. وببحث صغير في بوابتي الأمانة العامة للحكومة ومجلس النواب، وموقع رئاسة الحكومة، سيظهر للجميع ان هذا المشروع الشبح غير موجود في اي من هذه المواقع التي تعرض فيها بمقتضى القانون، جميع مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية للاطلاع.

من جهة أخرى، لا يحتاج المرء سوى الى قليل من التركيز، كي يظهر له أن بعض المقتضيات التي يزعم مروجو الشائعة انها متضمنة في المشروع، هي على درجة كبيرة من السذاجة، بل والصلافة، والركاكة القانونية، بحيث يحتاج تصديق إمكانية ورودها في نص تشريعي، الى قدر كبير من سوء الظن وخيبة الأمل في القائمين على شؤوننا. وأظن أن حكامنا لم يصلوا بعد الى حد من الحمق والرعونة يزين لهم التفكير في هذا النوع من المقتضيات البلهاء.

لذلك، أتمنى أن لا يزايد أحد بالقول إننا صرنا نتوقع كل شيء من حكامنا، ففي هذه الحالة، سنكون نحن هم البلهاء الذين يتم جرهم وراء كل صيحة بلا روية ولا تدبر.

المقتضيات البلهاء التي يتم ترويجها، على فرض إمكانية ورودها في مشروع القانون المزعوم، تنطوي على عدة خروق واضحة للنص الدستوري ليس هنا مجال التوسع في الرد عليها، كما أنها لا تصمد أمام الملاءمة الدولية الضرورية لكل قوانيننا مع التزاماتنا الدولية، ولا سيما مقتضيات اتفاقية التجارة العالمية، فضلا عن كل العهود المتعلقة بحقوق الإنسان. هذه الضمانات، ليست موجودة من أجل ان نجهلها او نتجاهلها في كل مرة نكون فيها بصدد انتقاد ما نزعم ان الحكومة تدبره لنا من مكائد. وإلا فإما أنه لا معنى لوجود الدولة أصلا، وإما أن المشكلة تكمن في ثقافتنا ووعينا القانونيين.

ملاحظة أخيرة لا تحتاج الى اي طاقة إضافية للتأكد من صحة او هشاشة اي ادعاء: من لديه ألفة بنوعية الوثائق المتداولة رسميا، في الأحوال التي تهمنا، يعرفون بشكل تلقائي ان كل مشاريع القوانين أو المراسيم او القرارات، ترقن وترقمن على خلفية بيضاء محايدة، وليس على خلفيات ملونة، لسبب عملي بديهي هو كونها تتداول مطبوعة على طابعات بالأبيض والأسود، وتستنسخ على ناسخات بنفس اللونين، ولا تتلاءم الخلفيات الملونة مع هذه المتطلبات التقنية. وقد كان من السهل ادراك ان الصور التي يتم تداولها باعتبارها تحمل مواد مشروع القانون المذكور، ليست ابدا متطابقة مع هذا المعيار المألوف، فهي موضوعة بخلفية صفراء غامقة. مما يجعلها واضحة التزييف، او على الأقل غير أصلية. وهذا يكفي كي نبدأ بالشك فيها، ونتريث في تأجيج الشائعة والمشاركة في نشر الفجاجة القانونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى