ثقافة وفنون

قصة قصيرة: الرجل ذو السترة الطويلة

بقلم: خالد أخازي

لا تتعجل…! حافظ على رباطة جأشك…! في الحقيقة سقط في يدي لحد الإعجاب- أكاد أعجب بك – وأنا أرى أنك غير قلق، غير آبه بهذه السكين الحادة على رقبتك، لم تصدر منك ولو أدنى رجفة، ثباتك يربكني حقا، يحرمني من تلك المتعة الجارفة التي انتابتني بغزارة كدفق جامح مرارا وأنا أتخيل هذه اللحظة، حتى الذهول والصدمة لم أرهما على قسمات وجهك التي غدت محايدة، كأنك لست معنيا بالأمر، أشعر بك غير خائف ولا مضطرب، حتى أنك لا تشيح بوجهك عني، وتتابع خطواتي بنظرات غريبة، غرابتها في كونها لا تسمح بالتقاط الانطباعات الأولية المفترضة في موقف حرج ومخيف مثل هذا، كأنك فارس من زمن مضى، هيهات أن أمنحك شرف المشي منتصب القامة نحو حبل المشنقة، كأنك صاحب قضية، ولست الجلاد أنت وأنا الضحية، تتفرس في فضولا وليس وجلا كأنك تستمتع بطلعتي، وتحدق في عيني متحديا مصيرا تجهله ولكن تتوقعه على الأقل مأساويا، ها أنت تهز رأسك مستخفا بالموقف …! ظننت أنه حالما أشل حركتك، وتصير مثبتا عاجزا مقيدا، ستستعطفن منتحبا متوسلا ألا أقتلك، خيبت ظني وأفق انتظاري، وأجهضت أول متعة خططت لها، وأنت تستسلم بين يدي بدون مقاومة ولا صراع، حتى غريزة النجاة تبددت فيك، لا أعرف لم َتذكرت أبي وهو يقضم التفاحة على الأريكة ذاك المساء، ستفهم فيما بعد لم َ استحضرته في لحظة مثل هذه…

لم تقاوم في شرف وكبرياء عملية تكبيلك ركلا ورفسا حتى تصرع وتخور قواك كما توقعت، نعم.. توقعت أنك ستدافع عن نفسك حتى الموت، ولن تستسلم بسهولة، ربما أنت أيضا لك خطة لمثل هذه المواقف، وتأمل أن تهز ثقتي في نفسي، أن تربكني بهذه النظرات الثاقبة الباردة، ربما تروم بدهاء ومكر أن تربك في العزم وتضعف الإصرار… أن تبعثر أوراقي، لكن هيهات…!
لست مضطرا لأَسمعكَ تتكلم حتى ألمس ألمك وعذابك، ما ألتقطه الآن من إشارات عبر نظرات عينيك الزائغتين والغائرتين من التعب والأرق، وملامح وجهك الباردة، غير كاف لأستمتع بخوفك وفرقك كأن الأمر لا يهمك، فلا أثر للفزع ولا للقلق في نظراتك الشاردة، أعرف حق المعرفة – وأنا الذي تجسست على حياتك لأيام طويلة – أنك لست قويا لهذا الحد، لست كما تحاول أن تظهر، لست جسورا أمام الموت، الأمر لا يتعلق بالجرأة ولا بالثبات، الجسارة أمام الموت خرافة، الثبات على خط التماس بين الوجود والمجهول أسطورة، لا بد من أدنى رعشة لحظة السقوط نحو السديم، لابد من ألم وغصة ثم فزع جارف، لكنك أنت هكذا… أعرفك… تزيف كل شيء، حتى الخوف تمنحه جرعة برودة، هو موجود في مكان ما في دواخلك، لكنك تقمعه أو بالأحرى تتلهى عنه بالخيال، أعرف هذه اللعبة، لعبتها أنا أيضا أكثر من مرة، حين كان الغرباء يتقاطرون على غرفة نوم أمي،

كنت أهرب من الألم الذي يفتك بي فتكا ومن الخوف الذي يجعل البول يلح علي بجرعة خيال، كنت أغدو غيمة، وأرحل بروحي نحو الأفق، وهناك أختلط بالسماء، وتصير النجوم طرفا في نجواي، أفعل ما تفعله “لينا” مع الهرة، لكن بطريقة أجمل، ستعرف من هي” لينا”.. المهم هناك حين أغدو والسماء جزءا لا يتجزأ، أنتظر عودة الضباع الجائعة لجسد الشهوة إلى أوجرتها، أمي لم تكن إلا بقية امرأة، ظل أنثى محطمة ومحبطة، جيفة من نوع آخر، ورغم ذلك، كان دائما هناك من يشتهي جسدها، كان دائما من يتطلع إليها كأنثى شهية، إلى أن قررت ألا أغدو أبدا غيمة، فتخلصت من الجيفة، لست نادما، صدقني.. كان علي أن أتخلص مصدر العار والألم، هذه اللعبة- أقصد لعبة إغلاق مسام الحرقة والمعاناة بركوب صهوة الخيال – هي فقط عملية تأجيل غبية لمعانقة الواقع الموجع، أتعلم أن تأجيل الألم بالخيال هو جرعة محددة في الزمان والمكان؟ فكلما زادت هذه الجرعة عن المعقول، صارت سامة وأدت إلى الموت انتحارا أو الجنون..

هي جرعة محددة تكفي للإلهام ومنح الإنسانية استثناءات لا تكرر، وعباقرة أمثال: موزار، بيتهوفن، باخت، نيتشه، فان غوغ، غوغان ،سارتر، كامي، دافنشي، ابن عربي، الحلاج وامرؤ القيس، تستغرب كوني مطلعا وتعلما.. آه.. ألا تعلم أن لكل جريمة مهما بدت وحشية نظرية تعضدها..؟ هؤلاء العباقرة.. للأسف.. لن تكون مثلهم، فهم خبروا لعبة الخيال والتخييل، يدركون التحكم فيهما، ويعودون قبل أن تبتلعهم غياهب الجنون، لأنهم خبروا الجرعات غير القاتلة من الخيال والبهاء.. لهذا سأنتظر معك، حتى تخور قواك الباطنية، وتستنفذ لعبتك متعتها، سأنتظر حتى تستسلم وتعود أو تعبر نحو الجنون.
أنت الآن مسلوب الإرادة، إلا إرادة الهروب بالخيال، مشلول الحركة إلا من خفقان ورفيف لأجنحة الروح في سماء التعطيل، مقيد اليدين إلى الوراء على هذا الكرسي، يكاد شريط اللصاق على فمك يقطع أنفاسك وهو يقمع فيك رغبة اللسان في التعبير عما يجيش في صدرك، آه…! أرأيت الآن كم هو مؤلم أن تحرم من متعة القول…؟ أرأيت نعمة القول؟ نعمة التعبير والتبيين…؟ بيد أني سأحاول تبديد قدر المستطاع ما علق في عقلك من غشاوة الحيرة المربكة حالما تنهي لعبة التأجيل والتعطيل الوضيعة للألم، سأخرجك من حيرتك، هذا وعد مني، فقط أَظْهِر احترامك للوجع ..للألم.. ولهذه الحظة الناشزة عن صخب الحياة العادية! …الحقيقة أنني لست ملزما بأي وعد مع وغد من طينتك، لكني أعدك فقط احتراما لقواعدي وأخلاقي ومرجعياتي، وهل على أن ألزم نفسي بأدنى الأخلاقيات والخصم جلاد وقاتل بدم بارد!؟ لا أعرف… في صدري يجيش من الغضب والضغينة ما يكفي لقتلك مليون مرة، لكن سأنتظر ساعتين علني ألمس في عينيك الحيرة والقلق والخوف، لأتأكد من كونك تخليت عن لعبة الخيال للهروب من سعير اللحظة…

آه…! منحتك الآن أكثر ثلاث ساعات لا ساعتين، غفوتُ للأسف، لكني لم أحلم، لم تحاصرني تلك الكوابيس المعتادة، سأقترب منك لأرى هل تخليت عن الصمود المزيف، للأسف، الإشارات نفسها، لا وجل في النظرات، ولا رعشة في الجسد، تعابيرك محايدة، ملامحك باردة، لكن سأفترض أن عقلك المشتظي يسائل الوضع، يحاول أن يفهم، أن يعرف من هذا الشاب الذي اقتحم الشقة، وقيدك إلى الكرسي، افترضتَ حتما أنني لص، لكن عقلك استبعد هذا الاحتمال، وأنت تردد في نفسك” لو كان لصا لأخذ ما جاء من أجله واختفى” وهل في حياتك ما يساوي عمري وحياتي كلها !؟ عذرا سأشعل سيجارة، واحدة من العشرات التي تمنيت أن أقمع أعقباها مرارا على جسدك العفن لأسمع صراخك، وأنتشي بعذابك، لن أخفيك سرا، مارست عليك طقس التعذيب هذا خيالا في سيناريوهات متعددة، ولن أخفي عنك الحقيقة، كنت أجد لذة جامحة في هذا المشهد، كنت أسمع أنينك فيطرب السمع وينتشي الصدر، ثم يدب خدر لذة دافئة لحد الثمالة في جسدي، آه…! ربما تفكر أنني مريض نفسيا، تمهل…! لا تتسرع…! لا تظن أنني أبحث عن جرعة لذة في تعذيب الآخرين… لا… لست كذلك… أتعلم أن قدمي تتفا
ديان الدوس على الحشرات الصغيرة؟ أتعلم كم أجد مؤلما مشهد أمة من النمل محطمة بأقدام رعناء نزقة، أو بحوافر جامحة لبكماء لا تشعر؟ أتعلم أنني لا أحضر مراسيم ذبح القرابين؟ أنا…لا أتحمل حتى رؤية الدم المسفوك لحيوان مهما كان السبب، لا أطيق بكاء رضيع أو نحيب ثكلى، لا أطيق أنين عليل ولا دموع جوعى، فلا تفترض إذن أني سادي، أَعلمُ أنك تفهم معنى هذه الكلمة، أقصد كلمة سادي، فأنت خريج جامعة، وكثير القراءة لحد الإدمان، والحقيقة أن لا الجامعة ولا الكتب حصناك ضد الغطرسة والتهور والقتل بدم بارد بلا سلاح غير الاستهتار والأنانية، لم تلقحاك أيضا ضد الرعونة والإجرام، لا أعرف لم َ الكتب توقفت عن تعليم الحكمة… آه…! تتساءل الآن ربما عن أي جريمة أتحدث؟ لا تخف… فالجريمة زئبقية التعريف، كل يوظفها حسب السياق والضرورات، الجريمة كما أفهمها ليست كما يفهمها ويوظفها الآخرون، الحكام والجلادون لهم مفهومهم للجريمة وضحاياهم لهم مفهومهم الخاص، ما تراه أنت لا يشكل جريمة، قد يراه الآخر جريمة تؤدي إلى حبل المشنقة، فالمقاومة في نظر المحتل جريمة وقد تسمى إرهابا، وهي بالنسبة للمغتصَب أرضَه فضيلة وقيمة إنسانيتان تصلان درجة الحق والواجب، دعنا من هذا…! لم آت للسجال في السياسة والفلسفة… لا تنم …! ابق صاحيا…! كم تمنيت أن أذبحك، أن أعذبك قبل أن أنهي حياتك بأبطأ الطرق، وأشدها عذابا وإيلاما!

تريد أن تعرف لمَ أنا هنا، ربما عقلك الآن يستحضر احتمال الانتقام والثأر، وفي الوقت نفسه يستخرج وجوه الضحايا من شريط حياتك، تحصي في محاولة يائسة كل من أسأت إليهم، قد يغدو أدنى تصرف منك جريمة، فكم سيلتقط عقلك من أحداث ليمحص فيها، سأحررك من هذا الوزر العقلي المربك، ربما تتساءل” من يملك ضدي كل هذا الغضب والضغينة؟ ” من…؟ فكر…! على قدر الألم يأتي الغضب، من أكثر الناس تألم ألما لا يطاق بسببك؟

للأسف… ما زلت لا أرى في عينيك لا دهشة الموقف، ولا رعب المصير، ولا قلق السؤال، سأفترض أنك ما زلت تزيف الإشارات لتحبط مخططي أو تجهض عزمي وإصراري لتحرمني من متعة هذا اللقاء، سأفترض أنك ما زلت تمارس لعبة تأجيل الألم بحشد بالخيال، حذار…! أخاف عليك من جرعة خيال زائدة تؤدي في آخر المطاف إلى الجنون… احذر! أنت في منطقة ملغمة وجد ضيقة، في آخر بقعة قبل الجنون، كم تستطيع البقاء هناك؟
اسمع جيدا…! سأكشف لك جانبا من القضية، منذ شهر تسللت إلى حياتك التافهة، وتجسست على أدق تفاصيل وجودك المثقل بالضجر، كانت لي خطة محكمة – هذا على الأقل ما كنت أظنه – لكن كل شيء نسبي، كانت خطتي بسيطة ثم تبددت معالمها مع الوقت، كان علي قبل أيام أن أصل إليك في غفلة منك، ثم أعذبك عذابا لا يطاق حتى الموت، أن أجعلك تتوسل إلي، أن تتمنى الموت، وضعت برنامجا زمنيا لمراقبتك وجمع المعلومات عنك قبل التنفيذ، ومع مرور الوقت و أنا أراقبك، غدوتُ منتشيا بحياتك، بألمك اليومي، غدوتُ أتمتع بمراقبة حياتك التعيسة، صرت غير معني بالتنفيذ العاجل للخطة، حياتك العاهرة هذه، محطات زمن مثقل بالعذاب و بالبكاء حتى النحيط، كدت أسمع دقات قلبك الخافق من علة ما أو من خوف جاثم على الصدر، لا أعرف … شعرت بك تقتلك الخيبة والحسرة، أتكون نادما؟ أيندم الجلاد؟ أيغفو السفاح وفي أحلامه تطفو جراح الضحايا ويتردد صدى أصواتهم وأنينهم!؟

كم أنت شقي… تعيس… وميت غير معلن الجنازة، تمضي أيامك رتيبة حزينة، ثقيلة بلا طعم ولا ضياء، كأنك تسكن غيمة باردة ومظلمة، أو كأنك تعيش جحيما دون اضطرار السماء إلى نزع روحك ثم الزج بك في أتون العذاب الأبدي، والحقيقة أني غدوت أنتشي بتفاصيل حياتك المملة، كلما ازداد شقاؤك وألمك وتوسعت تعاستك، تزداد نشوتي ومتعتي، نحيبك يطربني، بكاؤك يغمرني حبورا جارفا فأسكر بجرعات ألمك، مرة أخرى لا تتسرع وتخال أني بي لوثة في العقل أو انحرافا في المشاعر… أنا فقط أتلذذ بعذابك أنت وحدك، وحدك أنت لا غير.

اعلم يا وغد…! أنني اقتحمت رأسك حتى صرت أعرف أدق أفكارك وأغرب هلوساتك وأثقل كوابيسك، ربما حتى التي لا تعرفها أنت أو تتجاهلها، عشرون عاما مضت على تلك الرصاصة التي أطلقتها في صدري، فأرديتني صريعا بلا رحمة ولا شفقة، كنت أحتضر وفي فمي طعم “الشكولاطة” يا للعبث…! لا… لست شبحا… ولست مضطرا أن أكون نسيا منسيا لأموت، ما أكثر الأحياء الأموات، وما أكثر الأموات الأحياء الذين لا تستطيع محو وجودهم الأبدي، نعم أنا الضحية! نعم … لقد قتلتني منذ سنوات، وما تراه الآن مني هو ظلال باهتة لكائن بشري، ما ترى غير أطلال لوجود مبعثر وأنقاض لحياة انتهت منذ عشرين سنة، لابد أنك تفكر الآن في ذاك الزمن -لقد ساعدتك الآن في حصر لائحة الضحايا وصار الافتراض ممكنا-يوما عن يوما كنت أخطط لهذه اللحظة، كنت أتخيل أبشع الصور لقتلك، كنت أجرب في عقلي كل السناريوهات، أعرف أن في عقلك ألف سؤال يحطب للهيب جحيمه من دغل الحيرة، لكنك تتذاكى، لن يطول الأمر يا كلب! سنلعب اللعبة معا حتى النهاية، في قلبك اضطراب حتما، عيناك لم تعودا مرآة للروح، روضتهما طبعا على ذلك، كنت أمني نفسي أن أجد ذاك الفزع الجارف للسكينة يشل أنفاسك، أن ألمسه في رعشة شفتيك، واصطكاك ركبتيك وأسنانك، لكنك كالعادة، كما أعرفك، تقمع هذا الهلع، تروضه على الانقياد بمنخسك كحيوان يريد أن يتحرر من قيده، ترسل إشارات مزيفة، ربما تصطنع رباطة الجأش، أعلم أنك خائف وجل لدرجة أن مثانتك ستفضحك بعد قليل ، ربما تبولت في ثيابك الداخلية، لست وقحا لأفتش عن ضعفك في خرائطك الداخلية، لكنك كالعادة، ترسل إشارات مزيفة، كل جيرانك يعتقدون أنك الرجل القوي السعيد، العازب الذي لا تقض مضجعه أدنى المسؤوليات، كنت تخرج في الصباح وتعود في المساء، والكل يحسدك على حياتك الهادئة، لكن لا أحد علم ما تفعل حقا وحقيقة، الكل أجمع على دقة مواعيدك المهنية، حتى حسبك البعض، عميلا سريا، أو شخصية حكومية، لا تستغرب…! الناس في فضولهم حين يفشل العقل ويعجر الفهم، وحينما لا يجدون الأجوبة يشطون ويبالغون أو ينسجون حكايات أسطورية، من حظك أنهم جعلوا لك هوية متناسبة مع السترة الطويلة والقبعة ذات الحوافي الدائرية، أقول ذلك، لأن من سوء حظ الآخرين من أمثالك الغامضين من صارت لهم هويات غريبة، نعم لم يسموك بالمجنون ولا “المسكون”، ولا تجرأ أحد وقال “هذا كاتب مسكون بالكتابة سكنته فتزوج اليراعة واكتفى بلذة المجاز والعبارة”.. فأنت فعلا يليق بك لقب الكاتب الفوضوي، ولأنك تتعمد العيش في الزيف، فأنت لا تلقي حتى التحية، تتعمد ذلك حتى لا تتورط في علاقات مكلفة تبدد الغموض الذي هو سلاحك ضد الآخر، جماعة من جيرانك قالوا إن ذاك فظاظة منك، و أخرون عدوا الأمر تعجرفا، ومنهم من حسب أن مركزك المهني الحساسي في الدولة لا يسمح لك بالاختلاط، فتظاهروا بتفهم الوضع، وأكثر النساء التمسن لك الأعذار، بعضهن أشفقن عليك من الوحدة القاتلة، وحدي أنا صرت أعلم أنك تخرج كل صباح، في الزمن نفسه، وتتيه بين الدروب وتجوب الشوارع، ثم تعرج مساء على محل الخمور وتشتري جرعة العبور نحو السلام المؤقت، تدس قنينة الويسكي في تلابيبك حتى لا تراها العيون، لا تريد أن يفض أحد بكارة الغموض، كم أنت حذر وحريص على الصورة المحنطة! لا تريد أن يخدشها فعل طائش منك أو نزق أرعن، لا أحد يعلم أنك تعيش من معاش هزيل، لتقاعدك المبكر، وأن حتى هذه الشقة التي تسكنها هي لأختك العاهرة في كباري “سبرانسا”، سأستعمل كلمة أخرى فهي لا ذنب لها، أختك..نعم.. بائعة الهوى.. حين تزورك من حين لآخر، يعتقدون أنك فقط كباقي العزاب الكهول لك شهوة تجمح من حين لآخر، فتطفئ لهيبها، والكل تفهم، عدا بعض النساء اللواتي وهما قضمت الغيرة قلوبهم، فقلن أنك” عاهر فاسد” في صمت.. لا أحد من الجيران حاول التحقق، ما أصعب أن ترسم لك صورة تلصق بك دوما وأنت لا تدري، يكفي أن يجزم أحدهم أو يفترض شيئا لتصير كما أولوا، في البداية كان الأمر مجرد احتمال، فتناسى جيرانك ذلك، فصار الاحتمال حقيقة، والحقيقة التي صنعوها وصدقوها أنك من البوليس السري، يا لسحر الغموض والقبعة والسترة الطويلة..!

اسمع.. غيرت خطتي منذ أول يوم راقبتك فيك، كان علي فقط أن أجمع ما يكفي من المعلومات لأقتلك وأمضي دون شهود ولا أثر، لكني عدلت خطتي، فأصبحت حياتك التعيسة، عيادة نفسية لي، ومتنفسا للألم الذي سببته لي منذ عشرين سنة، ربما سبق أن قلت لك هذا، لا أدري، حتى لو كررت، فالموقف يتطلب ذلك.

كيف تسللت إلى شقتك ليلا في غفلة منك، وأنت الذي لا تنام ويحاصرك الأرق؟ نعم …! لا تستغرب! لقد راقبتك وترصدتك بسرية تامة وحذر كبير مدة طويلة، حتى غدوت أعرف أدق تفاصيل حياتك، أكاد أسمع أنفاسك وأنت على الأدراج، أحيانا أخشى عليك من ذبحة صدرية تجهض مخططي، أعرف إيقاع نبضات قلبك المنهكة، صرت أخاف أن يقتلك المرض أو علة ما قبل أن يطالك عذابي، كدت أكتفي بجرعة لذة من بكائك من حين لآخر والنحيط الغريب، وأضحك في شماتة حتى تدمع عيناي من ثمالتك التي خذلتك ولم تعد كافية للحصول على أدنى غفوة، ومنحك تأشيرة العبور إلى أقصر غفوة، تريدها مقابل كنوز الدنيا.
تبدو هادئا، ونظراتك خالية من أدنى أثر للفزع كما يتطلب هذا الموقف، لكني أعرف أنك جبان، تبكي كل ليلة، تسكر طلبا للغفوة، تؤجل ما لم يعد قابلا للتأجيل بأقداح لم تعد حليفة لك، أتريد أن تعرف كيف استطعت أن أنقض عليك دون أن تشعر بي؟ لم قررت وضع حد لحياتك؟ أتريد أن تعرف لمَ سأنتشي بدمك حد الثمالة؟

ما هذا…!؟ أخيرا أقرأ في ملامح وجهك الذهول، تعابير وجهك تعكس الآن القلق والحيرة، نظرتك فيها خوف طافح، كم تاق عقلي أن يرى الهلع مرتسما على ملامحك المزيفة! أخيرا… أنهكك وزر الخيال، ألم أقل لك أنها رحلة شاقة؟ أشفق الآن على المبدعين والكتاب، من قال إنهم يتمتعون بالخيال.. ألم أقل لك أن جرعة منه للهروب من الواقع لن تكفيك طويلا، وإن ضاعفتها ستعبر نحو الجنون؟ ربما تحاول الآن في عقلك أن تربط بين الأحداث، أنت لا تعرفني، لم يسبق لك أن رأيت وجهي، أرى في عينيك اللحظة قلقا و حيرة، هل وجدت رابطا بين ما يقع وماضيك؟ هل كنت تظن نفسك قادرا أن تواجه الموت بشجاعة وجرأة زائدة؟ أرى أنك تحولت من القلق إلى السخرية، أثر ابتسامة ساخرة تتمدد لها أساريرك، أهي ابتسامة سخرية، أم لعب ذكي بالتعابير لإحباطي وحرماني من شهوة اللحظة؟ أتريد أن تلعب معي لعبة من سيصمد إلى النهاية؟ تبتسم…ابتسم يا وغد! عدت للخيال من جديد تتجرع منه جرعات الصمود أمام الخوف المحدق، زد في جرعات نزقك حتى الجنون، فحتى المجانين يتألمون، استعر على ديدنك هذا القناع الذي تستر به حقيقتك وضعفك وجبنك..!
سأحكي لك لمَ قررت قتلك الليلة بدم بارد، لمَ ربطتك إلى هذا الكرسي، ولم أغلقت فمك باللصاق..
منذ عشرين سنة، كنتُ هناك على النافذة كالعادة، أتلهى بالنظر إلى الزقاق الغارق في صمت موحش لا يكسره غير صخب من حين لآخر يعلو ويخفت من لعب” لينا” ابنة الجزار، كانت تلعب وحدها أمام دكان الجزارة، كنتُ هناك على حاجز النافذة الخشبي، أمني نفسي باللعب معها، كنتُ وحيدا… كانت وحيدة، تعاتب قطتها عتابا شديدا، لم تفعل القطة ما يستحق ذاك العتاب القاسي، لكن “لينا” ذات الأربع سنوات، كانت هي أيضا في حاجة إلى الرفقة وإلى من يشاركها لعبتها الخيالية، لم أعرف أي دور تخيلته لنفسها.. وماذا أعطت للقطة من وظيفة في عالمها المتخيل، كانت تعاتب القطة التي كانت تنظر إليها في صمت، “لينا” كانت نسخة مصغرة من أمها، تلك المرأة الوجوم، الغاضبة دوما، تأتي من حين لآخر إلى محل الجزارة، ترفع صوتها في وجه زوجها عتابا يغدو أحيانا شتائم جارحة، كنت أخشى أن يذبحها يوما ما، لكن الجزار الذي يقطع اللحم تقطيعا وهي تشتمه، لا يصدر أية ردة فعل أمام الزوجة، كان فقط يتلهى عنها بتقطيع اللحم، منفسا عن غيظه بتلك الضربات القوية بالساطور على المفاصل والعظم، كنت أشعر به يتلذذ بالعملية، ربما كان يتخيل جثة الخروف جثثها، ربما كانت العملية تمتص غضبه، ربما كانت أيضا لعبته الخاص للهروب من جحيم اللحظة، و” لينا” تقوم بالدور نفسه الذي تقوم به أمها مع اختلاف وحيد، أن القطة تلعب دور الجزار، لكن الهرة، لم يكن بمقدورها أن تقطع اللحم، لا شيء لديها لامتصاص ضربات لسان “لينا” لهذا كان هريرها يدل على غضبها، كانت أجشع من الجزار.. على الأقل تهر.. وتكشر عن أنيابها… لا أدري…
أذكر أني.. كنت هناك على حافة النافذة ذاك المساء، الجزار غارق في غفوة عابرة وقد أسند رأسه بمرفقه، من حين لآخر ينش الذباب بمنشة بحركة آلية، العابرون والعابرات يقتلهم الملل والضجر، كنت هناك أنتظر أن تأذن لي أمي بالعودة إلى “الصالة” ومشاهدة التلفاز، عمري لم يتجاوز الست سنوات، النافذة رفقتي في تلك اللحظة الغامضة حين تختفي أمي عن أنظاري، طائر السنونو يكاد يصطدم بزجاج النافذة، لكنه ينعطف بشكل غريب وسريع في آخر لحظة، ويكرر العملية نفسها، لم أكن قادرا على استيعاب وفهم هذا الطيران المجنون الانتحاري، كان يبدو لي أنه أحمق غر، بل بالأحرى نزق، طائش وغبي، يلعب اللعبة ذاتها، مغامرا ومخاطرا بحياته، أين يجد المتعة في كل هذا؟ ربما المخاطرة متعة لم أجربها قبل هذه الليلة، أليس تأجيل موتك لحد الساعة مغامرة..؟ لكن بقدر هي مخاطرة ومقامرة فهي مصدر متعة وتشويق، أفهم الآن المقامرين، مؤخرا علمت أن هذا الطائر لا يظهر إلا في فصل الربيع، إذن ما وقع ذاك اليوم كان في يوم ربيعي، لا أستطيع أن أجزم لك في الأمر، ربما هذا الطائر تاه، أو حل قبل الأوان، أغراه دفء عابر ومزيف، فصدق أنه الربيع، فمن حين لأخر كان رذاذ خفيف يتناثر على زجاج النافذة، والشمس في الآن نفسه مشرقة في إلحاح، لكنها كانت باهتة شاحبة، وكنت أشعر ذاك المساء بالبرد القارس تقشعر له أطرافي، إذن محتمل أن الربيع المعتدل لم يحل بعد، ألم يقولوا أن السنونو الواحد ليس دليلا على حلول الربيع؟ ومن أدراني أنه السنونو نفسه الذي كان يقوم بطيرانه الانتحاري البهلواني الأحمق؟ الحقيقة أنني لا أستطيع أن أجزم في الأمر بشكل قطعي، حتى أنني أكاد أعيد النظر في نوع الطائر، هل كان فعلا سنونو؟

نعم.. كنت هناك.. حيث أمرتني أمي أن أكون، ربما هذه المرة، لم تأمرني، أعتقد أنني توجهت إلى الغرفة المطلة على الزقاق من تلقاء نفسي، أو من عادة اكتسبتها من التكرار كلما دخل ذاك الرجل الغريب إلى بيتنا ذو السترة الطوية والقبعة الرمادية ذات الحوافي، أو ربما كنت أهرب من الألم الذي أشعر به كلما أغلقت أمي باب غرفة النوم عليها مع الرجل الغريب، لا أعرف لمَ كنت أشعر به غامضا غير مستعجل، جريئا غير مضطرب، كان ينظر إلى وجهي، يقبلني، يمعن النظر في ثم يعود و يحتضنني بقوة، وحين يغادر كالعادة غير مستعجل ولا خائف، أجد في يدي قطعة شكولاطة، وسعادة غامرة تبرق بريقها في عيني أمي، وفي حيوتها داخل الشقة.

ذاك اليوم ..حين جاء لم تقل أمي شيئا فقط، بفعل العادة، قصدت النافذة المطلة على الزقاق، شعرت دائما أن هناك شيئا ما غير عادي يقع في غرفة النوم، لم أعرف لمَ كانت أمي تئن وتصرخ، كنت أظنه يضربها ويعذبها، كنت أسمع تلك الأصوات المختلطة بالشهيق والزفير والألم والآهات، لم أكن أعرف حينذاك السبب- علمت فيما بعد- وحين يهدأ العويل، وتعود جوارح الشهوة إلى عتمة الانتظار، يغادر ذاك الرجل الغريب مستعجلا، يعرج على الغرفة، يحتضنني كالعادة بقوة ثم ينسحب في صمت وحزن، ويعود عالم أمي وأنا إلى إيقاعه، نجلس معا وننسى أن رجلا غريبا كان في الدار، لا أعرف لمَ لم أحاول أن أسرد على أبي ما يقع، ربما أعرف، فقد كنت أخاف أن يقتل أبي الرجل الغريب، أو يقتل الرجل أبي، نعم، لذلك لذت بالصمت، لا أريد أن أفقد أمي و لا أريد أن يزج بأبي في السجن، علي فقط أن أتلهى عما يقع في غرفة النوم بالنظر من النافذة، علي أن أحلم والسنونو و السحاب.. أو أن أغفو..

ذاك المساء كان الرجل الغريب مازال في غرفة النوم، رأيت أبي قادما من بعيد وفي يده كيس فواكه، عاد تلك مبكرا خلافا لعادته، دخل البيت، ارتميت في حضنه، وفرحت، أخيرا سينقذ أبي أمي من هذا الغريب الذي يجعلها تصرخ وتئن.
دلف أبي إلى غرفة النوم، ثم عاد في صمت وتمدد على الأريكة، لم أسمع منه لا صراخا ولا ضجة، لا عاصفة غضب هبت، لم يزمجر ولم يرغد ويزبد كما توقعت، أخذ قطعة شكولاطة، وتسمر على الأريكة، يرمق من حين لآخر الساعة الجدارية.

تكرر حضور الرجل الغريب، فتكررت الآهات الغامضة، والشهيق والزفير العاليان، صار صمت أبي لغزا، إلى أن اختفى ذات يوم، ثم وجد معلقا على شجرة في غابة المعمورة، واختفى الرجل الغامض نفسه، فاختفى معه الفرح في البيت، وغرقت أمي في حزن عميق، فغدا يتملكها من حين لآخر غضب داهم، فتنهرني نهرا كالكلب الأجرب، تصفعني أحيانا كثيرة وتركلني دون رحمة، صارت لا تطاق، وصرت لا أطاق في عالمها الكئيب، وغدت نظراتي فيها مصدر جنونها وغضبها الأرعن، تعنفني عنفا لا يحتمل، وتشتمني دونما سبب.
لمَ شنق والدي نفسه، هل كان جبانا لهذه الرجة، عاجزا عن مواجهة الموقف؟ لمَ لم يكن له كبرياء وغضبة الرجال؟ لم َاختار أن يبدد غضبه بطعم الشوكولاطة.. ؟
أمي كانت عاهرة، وأبي جبانا، والرجل الغريب ذو السترة الطويلة جلادا، وأنا وسط هذا العهر كنت أتعذب وأكابد في صمت مرارة كطفل ملعون ومنبوذ..
بعد موت أبي تعدد وتناسل الرجال الغرباء الذين يدخلون غرفة نوم أمي، لم يكن هناك أبي على الأريكة، ليقضم قطع الشوكولاطة، لكن شهيق و أنات وآهات أمي توقفت منذ اختفى الرجل الغريب، وظل الأغراب يدخلون ويخرجون مرتبكين، وفي عجلة يمرقون خارجا كأن العار يركبهم، لا أحد فيهم ضمني مثل الرجل الغريب، ولا أحد منهم أتى لي يوما بقطعة شكولاطة، ولم تعرف الغرفة بعدها عويل الدغل على فراش المتعة، في البدء أحببت هؤلاء الغرباء، فأمي لم تكن تئن ولا تصدر أصوات آهات…

ذات يوما تغيرت نظرتي للأشياء، وكبرت أسئلتي مع انتفاخ حلمتي نهدي، وظهور الزغب تحت إبطي وعلى عانتي، خشن صوتي فخشنت مواقفي التي لينتها قبل الطفولة البريئة، فاكتشفت معنى الآهات على سرير اللذة، واكتشفت أن أمي غدت عاهرة محترفة، شرعت غرفة نومها للغراب والباحثين عن المتعة العابرة، صارت مع الأيام سكيرة مدمنة، تسكر حتى تتثمل، وتسب وتشتم، رجلا اسمه “قاسم”، علمت فيما بعد أن هذا قاسما هو الرجل الغريب ذو السترة الرمادية الطويلة، صارت أمي مثل “لينا”، بل إن “لينا” توقفت منذ زمن عن عتاب القطة، “لينا” صارت غضة وشهية، وتفتق صدرها البهي عن نهدين مثيرين، صارت تزن الكلمات، وتثير الرغبات في اليافعين حد الغواية.

أمي كانت تحاور القنينة التي تتحول في خيالها إلى قاسم… العاهرة… كانت تحبه… تشتاق إليه… تكسر القنينة في أوج غضبها، كأنها تهشم رأس قاسم… الرجل الغريب. لم تبك أمي لرحيل أبي وبكت لاختفاء الرجل الغريب، أبي لا يستحق مندبة ولا جنازة، مات جبانا وترك غريبا في سريره. والحقيقة أنه لو ظل أبي حيا لقتلته، على ردة فعله الباردة حينما وجد الغريب في سريره وتلهى عن الأمر بالشوكولاطا.

وشط عقلي.. وكبرت فكرة سوداء في دواخلي.. فقررت وضع حد لدخول الغرباء للشقة، دفعت العاهرة.. على الأدراج ذات ليلة وهي في قمة الثمالة حتى تهشم رأسها، فشعرت بنشوة غريبة وأنا أراها في الرمق الأخير تلفظ روحها وعيناها جاحظتان من الفزع، لا أعرف لمَ قتلتها هل انتقاما لأبي أم لنفسي؟ وهل كان أبي وهو بقضم قطعة الشوكولاطة ذاك المساء يستحق الثأر له أصلا!؟ سجل الأمر على أنه حادثة سقوط على الأدراج في المنزل لامرأة في حالة سكر طافح، أما الرجل الغريب قاسم، فقد قضيت ما تبقى من سنواتي الأخيرة أبحث عنه إلا أن وجدته… وجدتك… يا حقير… يا قاسم…!
أغرب ما عشته في حياتي إني رأيتك بعدها مرتين، مرة في جنازة أبي ومرة في جنازة أمي، ثم اختفيت، لم أقرر قتلك بسبب انتحار أبي حتما، أبي كان يستحق القتل لجبنه، جئت من أجل ثأري أنا، أنت وأمي وأبي قتلتموني منذ عشرين سنة، أصوات العويل والآهات والشهيق والأنفاس في غرفة النوم مازالت تطاردني، مشهد أبي وهو يقتحم غرفة النوم، ثم يعود في سكينة ليتمدد على الأريكة، ويقضم الشوكولاطة مازال يحضرني كوابيس مخيفة، وقع أحذية العابرين في جسد أمي مازال طريا في دواخلي.

عرفتَ الآن من أن.. هل أدركت من كان ذاك الغريب صاحب السترة الطويلة والقبعة ذات الحوافي؟.. كان أنت يا قاسم… كنت أنت الوباء الذي دخل بيتنا ولم يخرج منه إلا بعد أن قتلنا جميعا، نعم… أنا مت منذ عشرين سنة، ماذا بك؟ أتريد الكلام، لم تهتز وتترنح على الكرسي، الرباط قوي لن تستطيع تمزيقه ولا حل عقده، لمَ جحظت عيناك، آه …! أخيرا الفزع… الفزع… الرعب… الموت تشعره قريبا منك… أتعلم أن “لينا” صارت زوجتي، لينا لم تتحول نسخة من أمها، لينا حاربت العبث وصارت كما تريد، نحن من نصنع قدرنا، لا حتمية في الوجود، لينا ملكت إرادتها وحريتها، وخيبت ظن القدر، أتعلم أنني لا أحب طائر السنونو ولا الشوكولاطا ولا القبعات ولا السترات الطويلة؟ أتعلم أن النوافذ تخيفني، وصوت وقع الأحذية في الليالي البادرة يرعبني..؟ أتعلم مازال البول يلح علي ليلا، ولم أتخلص من تبولي الليلي في فراشي، هذا ما أنا عليه الآن..
سأقتلك و أمضي في صمت وسلام، وأعود ل “لينا” قد أتصالح مع الشوكولاطا والسنونو والنوافذ، قد لا أتوبل في فراشي هذه الليلة… لا سأعذبك ثم أقتلك…
سأعلقك على حبل وأسحب الكرسي…
هامش: للأسف وجد الشاب المسمى قيد حياته عزيزا معلقا بحبل متدل من قضبان نافذة بغرفة بمستشفى الأمراض العقلية، وسجلت الحالة على أنها انتحار..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى