جولة مسرحية المجدوب واستنطاق الطيب الصديقي من طرف الأمن الجزائري (فيديوهات)
إلى جانب زميلىي جلال كندالي كان لي شرف دباجة سلسلة حوارية من 30 حلقة مع صديقي الفنان الكبير المرحوم مصطفى سلمات في صيف 2003 ، ارتايت أن أشاطركم جوانب منها كما كتبت قبل 17 سنة وفاء لعطائه الفني وأيضا للاطلاع على جزء من مسار المسرح المغربي والكاريزما التي كان يتمتع بها الفنان.
استنطاق الطيب الصديقي من طرف الشرطة الجزائرية
كانت مسرحية المجدوب بالنسبة للجمهور نوعا مغايرا عن باقي المسرحيات التي شاهدوها، فالعمل كان غنيا بالمشاهد المتنوعة، وطريقة إخراجها كانت مخالفة تماما لما يعرفه الجمهور، كما نقدم أغاني عديدة قبل العرض وأثناء العرض نقدم أغاني اخرى تجسد مختلف الرحلات التي قام بها عبد الرحمان المجدوب، وهي أغاني مأخوذة طبعا من ديوانه.
كنا كممثلين نرتدي ملابس المسرحية امام الجمهور ولم يعد هناك شيء اسمه كواليس، بحيث كسرنا هذا الحاجز، فأصبح المتفرج يعيش معك كل جزئيات المسرحية، وكان الهدف في ذلك الوقت هو تقريب المسرح من الناس وتحبيبه لهم وكما أشرت الى ذلك سابقا، فإن هذا العمل جبنا به المغرب كله.
وكانت هذه الجولة من بين أحسن الجولات التي شاركت فيها كفنان، لم نكن كفرقة اذاك متفرغين لهذا العمل فقط، فقد كان الطيب بين الفينة والاخرى يعود الى أرشيف اعماله ليقدم بعضها للتلفزيون او في بعض المسارح، هكذا صورنا للتلفزيون مسرحية محجوبة وسيدي ياسين في الطريق، وكانت الاعمال تبث مباشرة إذاك.
كان هذا على ما اعتقد في سنة 1967، وأتذكر ان مشهدا في مسرحية سيدي ياسين في الطريق نتوجه خلاله الى السماء ونطلب الغيث، ولما انتهينا من العرض وخرجنا من الاستوديو، وجدنا الجو قد تقلب وبدأ الرعب وهطل المطر قويا، وأتذكر ان في تلك السنة كان المغرب يعيش حالة جفاف… وكانت إطلالتنا على الجمهور من خلال الشاشة في ذلك المساء بمثابة غيث، هكذا اعتبرها العديد من المتفرجين الذين التقيناهم في الايام الموالية للعرض…
نفس الحكاية وقعت مع فرقة العروبة، التي كنت بين الفينة والاخرى أشارك معها في بعض الاعمال، بعد التحاقي بفرقة الصديقي، فقد كنا نقدم مسرحية “جريمة في الاستوديو”، وكانت تبث مباشرة كباقي سائر الاعمال في ذلك الوقت، ومن بين المشاهد في هذا العمل أن شخصا أخرج مسدسا وقتل شخصا آخر داخل الاستوديو ، بالنسبة لجزء من الجمهور في تلك الفترة كان يعتقد ان تلك المشاهد حقيقية.
ويبدأ التحقيق في القضية لمعرفة القاتل والشخص الذي استبدل الرصاص المزيف بالرصاص الحقيقي، لما انتهينا وخرجنا، تحلق بنا بعض المشاهدين وأخذوا يسألوننا من قتل وكيف انكم كنتم داخل الاستوديو ولم تتمكنوا من إلقاء القبض على الجاني، ولماذا لاتبلغوا الكوميسير بحقيقة ماوقع… وأطنان من الاسئلة تتعلق بهذه الجريمة، وكنا نشرح للناس انه مجرد تمثيل وما هي الا رواية نجسدها للترفيه والفرجة.
شارك في هذا العمل كما يذكر الجمهور ذلك محمد الخلفي، محمد العلوي ومجموعة من الفنانين الآخرين، في هذه الفترة ايضا قرر الطيب الصديقي إعادة عرض ملحمة المغرب واحد التي كنا عرضناها من ذي قبل بملعب “الثيران” ، لكن هذه المرة سنعرضها على خشبة المسرح البلدي، وقد شارك معنا هذه المرة في عرض العمل مجموعة من الجنود الطلبة.
كما التحق بنا الفنان الحبيب وهو عازف كمان، بالاضافة الى الاستاذ علال يعلى عازف آلة البانجو لمجموعة ناس الغيوان، وكان هو والحبيب مكلفين بالموسيقى داخل الفرقة، كما التحق الفنان محمد مفتاح وبومغرة، شارك في العمل ازيد من 150 ممثلا، قررنا ايضا إعادة عرض مسرحية المجدوب، وهنا سيلتحق بنا المرحوم بوجميع والمرحوم العربي باطما، والفنان عمر السيد اي كل افراد مجموعة ناس الغيوان، كان هذا في سنة 1968 كما التحق الاستاذ حميد الزوغي وغيرهم من الاسماء…
بعد ان عرضناها في المغرب، تلقينا عروضا من الجارة الجزائر لعرض عملنا هناك، وكان من المقرر ان نمكث هناك خمسةعشر يوما، لكننا سنضطر الى المكوث هناك مدة شهرين، فالعمل لقي اقبالا كبيرا من طرف الجمهور الجزائري، ويكفي ان أذكر انه في مدينة وهوان وحدها قدمنا العرض سبع مرات، هذا بالاضافة الى جولة عبر مختلف المدن الجزائرية.
وقد كانت مناسبة لنا للاطلاع مباشرة على المسرح الجزائري مثل فرقة المسرح الشعبي والمسرح الوطني وغيرهما ، كانت للطيب الصديقي علاقات وطيدة مع المسرحيين الجزائريين خاصة الاستاذين الكاكي وعلي بنعياد وقد أسس كل واحد منهم نهجا مسرحيا خاصا به.
اذكر خلال هذه الجولة اننا كنا في إحدى المدن القريبة من وهران حين حضر رجال الشرطة وأخذوا يستفسروننا، حول الحركات التي نقوم بها اثناء العرض، كان اسئلتهم غير مفهومة، خصوصا واننا طيلة العروض التي قدمناها، لم يخرج أي ممثل منا عن النص ولم نغير من الاخراج اي شيء..
فطلبوا منا جوازات سفرنا ومكثنا هناك ننتظر الى غاية الواحدة صباحا، فقررنا العودة الى مدينة وهران للمبيت، في الطريق جدنا الجو غير ملائم فالضباب كان كثيفا ويحجب الرؤية، فانحرف السائق عن الطريق المؤدية الى وهران وأخذ طريقا أخرى تؤدي الى أحد الجبال، الذي لم نجد بدا من مغادرته في تلك الليلة،حيث مكثنا هناك حتى طلوع الشمس، بعد عودتنا الى وهران وجدناها مطوقة برجال الامن، الذين ظنوا أننا نظمنا عملية فرار في تلك الليلة، أخذوا اعضاء الفرقة الى معمل للنجارة قريب من مسرح وهران فيما أخذوا الصديقي “للاستنطاق” ، حيث وجهوا له وابلا من الاسئلة عن الحركات التي يقوم بها الممثلون، الغريب في الامر ان العلاقات بين البلدين في تلك الفترة كانت عادية وسبق للصديقي ان قدم هناك عدة أعمال، بل كان له الفضل في فتح العديد من المسارح التي أغلقها المستعمر في مختلف المدن الجزائرية..
شرح الصديقي لرجال الامن ان الحركات المتحدث عنها لاتحمل دلالات ذات خلفية معينة او من شأنها المساس بأحد، بل هي حركات تعبيرية عادية بل غالبا ماتكون عفوية من طرف هذا الممثل او ذاك، بعد تفهم الامر تم إخلاء سبيلنا لنتوجه الى الجزائر العاصمة لإتمام الجولة..