قيادة البيجيدي تناصر الوزيرين وتنوّه بخرقهما للقانون.. وتنتصر للإحسان بديلا عن الواجب
مرة أخرى يثبت حزب العدالة والتنمية أنه تنظيم أبعد ما يكون عن النزاهة والشفافية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
استنتاج يخرج به كل من اطلع على بلاغ الأمانة العامة للحزب الصادر يوم 3 يونيو 2020، عدا أعضاء الحزب.
طبعا لم يكن منتظرا من هذه الهيأة اتخاذ قرارات زجرية صارمة في حق وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد ووزير الشغل أمكراز، على اعتبار أن أي قرار زجري يسقط عن أعضاء الحزب “طهرانيتهم” التي يزعمون ويتاجرون بها. لهذا انتصرت الأمانة العامة للوزيرين وتسترت على جرمهما القانوني والدستوري. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية حول البلاغ إياه
: 1 ــ تركيز الأمانة العامة على شكليات انعقاد لجنة النزاهة والشفافية كما لو أنه إنجاز مهم أو حدث مفصلي استدعى “التنويه بمبادرة إحالة الملفين عليها وبمثول المعنيين أمامها”؛ في حين أن الأمر جد عادي ما كان يستحق التنويه الذي أرادت به الهيأة صرف الأنظار عن غياب القرارات “لزجرية” والتركيز على الجوانب المسطرية.
. 2 ــ تمخض الجبل فولد فأرا. يخبرنا البلاغ أن الوزيرين مَثُلاَ أمام اللجنة “في أربع جلسات امتدت لعدة ساعات” كما لو أننا فعلا أمام محكمة حقيقية ومحاكمة عادلة يترتب عنها اتخاذ قرارات صارمة تكون درسا لباقي الأعضاء. لكن لا شيء من هذا حدث، بل الدرس المستخلص من هذه “المحاكمة” هو أن الحزب يجعل أعضاءه فوق المحاسبة. وما مسألة مثول الوزيرين لأربع جلسات إلا تمثيلية سخيفة يخفون بها فضيحتهم
. 3 ــ الاعتزاز بجعل قوانين الحزب ومؤسساته بديلا عن مؤسسات وقوانين الدولة، إذ أبدت الأمانة العامة ( اعتزازها بما يشير إليه تعاطي الحزب مع هاتين الواقعتين، من علو منطق المؤسسات والقوانين والأنظمة الداخلية والمساواة أمامها فوق كل اعتبار). بهذا المنطق لا ترى الأمانة العامة أية ضرورة للمطالبة بإحالة الوزيرين على محاكم الدولة وفق القانون الجاري به العمل، بل تكفي إحالتهما على مؤسسات الحزب. ما يعني أن الحزب يتصرف كما لو أنه دولة مستقلة عن الدولة المغربية ولا يخضع أعضاؤه لقوانينها. وهذا رفض صريح للاحتكام إلى المؤسسات الدستورية والخضوع لأحكامها. فعن أية ديمقراطية تزعم قيادة الحزب أنها تلتزم بها ؟
4 ــ إن الأمانة العامة لا تعتبر ما ارتكبه الوزيران جريمة قانونية وخرقا دستوريا ترتب عنهما حرمان المستخدَمين من حقوقهم الاجتماعية ( التغطية الصحية، التقاعد )، الأمر الذي يستوجب الإدانة ؛ بل أصرت على إغاظة المواطنين واستفزاز الهيآت الحقوقية والنقابية لما أعربت عن ( تقديرها للعناية المادية الهامة التي شمل بها الأستاذ مصطفى الرميد الكاتبة المعنية). وهذا دليل آخر على أن الأمانة العامة للحزب ترى وتقر أن “العناية المادية” بالكاتبة أثناء مرضها وبعد وفاتها أهم بكثير من التصريح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
فالإحسان أهم من الواجب. و منطق “الإحسان” هذا يعوض مفهومي الواجب والحق كما لو أننا خارج إطار الدولة والمؤسسات والقوانين التي تحمي الحقوق وتفرض أداء الواجب. وليس غريبا على الأمانة العامة التي ترى مستقبل المسلمين في ماضيهم السحيق، وتناهض كل المكتسبات التي تحققت في مجال حقوق الإنسان، خاصة بالنسبة للنساء والأطفال (مذكرتها في تعديل مدونة الأحوال الشخصية خير دليل)، أن تتمسك بأعراف القبيلة في تسيير الدولة ومصادرة حقوق الشغيلة. إنه ضرب لأسس دولة الحق والقانون وفصل السلط وسمو القانون.
5 ــ شهادة الزور في حق الوزيرين بتنزيهها وتبرئتهما من تهم الفساد وخرق القوانين ومصادرة حقوق المستخدَمين، إذ شدد الأمانة العامة على (تأكيدها أن الأخوين المصطفى الرميد ومحمد أمكراز لم يخرقا قواعد النزاهة والشفافية المرتبطة بتدبير الشأن العام ومقتضيات تحملهما لمسؤولياتهما العمومية). فهل يوجد خرق للقوانين وللنزاهة أفظع من حرمان كاتبة الرميد من حقوقها لمدة 22 سنة؟ وكيف يستقيم الحديث عن تحمل المسؤولية العمومية ووزير الشغل المفروض فيه قانونيا وسياسيا ودستوريا أن يكون أول المطبقين لقانون الشغل، هو من يخرقه بحرمان المستخدمين في مكتبه من حقوقهم التي يخولها لهم القانون ؟ أليس اعترافا من الأمانة العامة نفسها بهذا الخرق الفظيع الذي يرقى إلى الجريمة لما نوهت في بلاغها (بمسارعة مكتب الأستاذ محمد أمكراز لتصحيح الوضعية وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مثل هذه الحالات)؟ لماذا تجاهلت الأمانة العامة تهديدات محمد يتيم حين كان وزيرا للشغل (عدم التصريح بالعمال والعاملات سواء في القطاع الفلاحي أو الصناعي يعتبر إخلالا بالتزام وطني وأصحابه يضعون أنفسهم للمساءلة والمتابعة القانونية حسب مقتضيات القانون. .
إن الإخلال بالتصريح أو التأخير يترتب عنه عقوبات طبقا للقانون)؟ لقد سكت يتيم وهو عضو الأمانة العامة عن تذكير باقي الأعضاء بمنطوق القانون. وكيف له أن يتكلم ويطالب بالمحاسبة ومنطق “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” يطوق عنقه وقد استفاد منه قبل اليوم .
6 ــ الحزب فوق الدين والوطن والإنسان. فالانتصار ومناصرة أعضاء الحزب في جرائمهم القانونية والدستورية والأخلاقية والدينية، هو عقيدة لدى البيجيدي وعموم الإسلاميين الذين يجعلون الولاء للحزب أو الجماعة مقدَّما على الولاء للوطن. وبلاغ الأمانة العامة جاء ليؤكد أن البيجيديين لا يخرقون فقط القانون والدستور، بل يعتدون على تعاليم الله تعالى الذي يزعمون أنه هو من حدد مرجعية حزبهم. ألم يأمر الله تعالى بالوفاء بالعهد (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) ؟ ألم يأمر عز وجل بأداء الأمانة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)؟ ألم يأمر بالعدل ولو مع الأقربين (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ)؟ أينكم من حديث رسول الله (ص) ( كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته )؟
7 ــ لعب دور الضحية. ذلك أن الأمانة العام للحزب، بدل الاعتذار للشعب المغربي عموما، والهيآت الحقوقية والنقابية على وجه الخصوص، لما اقترفه الوزيران من جرائم قانونية في حق المستخدمين، سارعت إلى اتهام كل من أثار فضيحة الوزيرين باستهداف الحزب و(استنكارها الشديد لمحاولات ركوب البعض على الواقعتين من أجل شن حملة منهجية ومنسقة استهدافا للحزب ومحاولة للنيل منه ومن قياداته). وهذا أمر مألوف من الحزب وقياداته التي تدعي “النزاهة والاستقامة” بينما فضائهم تزكم الأنوف. إن مأساة حقوق الإنسان في المغرب هي أن يتولى حقيبة حقوق الإنسان شخص يناهضها ولا يؤمن بها.