حواراتصحةمجتمع

أهمية التربية الدامجة لذوي التوحد.. ثلاثة أسئلة لعفاف عفان عاجي

رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب

تكتسي التربية الدامجة لذوي التوحد أهمية بالغة، وتعد مطلبا أساسيا للمجتمع المدني العامل في هذا المجال، باعتبارها المدخل الأساس نحو مجتمع دامج يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل فرد، ويضمن المساواة في الولوج لحق التربية والتعليم للجميع.

وفي هذا الصدد، تجيب رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، عفاف عفان عاجي، عن ثلاثة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء، حول أهمية إرساء منظومة تربوية دامجة للأشخاص ذوي التوحد مع ضمان توفر كافة شروط جودة التعلمات، للنهوض بوضعيتهم وضمان مشاركتهم في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

1 – كيف تقيمون واقع الأشخاص ذوي التوحد بالمغرب (أطفالا وكبارا)، وما هي أبرز العراقيل أمام التكفل بهم بشكل أفضل؟

قطع التوحد أشواطا كبيرة من اعتباره مرضا عضويا غير قابل للعلاج، إلى اعتباره اضطرابا في التطور العصبي النمائي يرافق الإنسان طيلة حياته، لا يؤثر على بنية الطفل الجسدية؛ بل هو اختلاف يمس بالأساس الجانب التواصلي، والاجتماعي، والجانب الحسي، وله أساليب علمية أثبتت نجاعتها ويسرت الاندماج المجتمعي للأشخاص ذوي التوحد، وأكدت قدرتهم على التعامل مع من حولهم بشكل طبيعي.

غير أن هذا المسار، إن كان قد تحقق للبعض القليل بفضل بيئة يسرت لهم التمتع بحقوقهم كاملة بتبنيها مقاربة دامجة تجاههم، إلا أنه يظل متعثرا بالنسبة للكثير من الأشخاص ذوي التوحد في بلادنا، بسبب غياب الكشف المبكر الذي من مقوماته توفر فريق عمل متكون من: أخصائي تقويم النطق، وأخصائي العلاج الطبيعي، وأخصائي الاضطرابات النفسية وتعديل السلوك Neuropsychologue وطبيب نفسي عصبي Pédopsychiatre، والحال أن هذا الفريق يغيب في العديد من المناطق المغربية ولاسيما القروية والنائية، فضلا عن كلفته المادية التي ترهق كاهل الأسر.

وبعد التشخيص تأتي ضرورة التكفل المبكر، والواقع يؤكد قلة المختصين المؤهلين في أساسيات تطوير المهارات التواصلية الحركية والحسية للأشخاص ذوي التوحد.

وإذا كان الأمر صعبا على الأطفال ذوي التوحد، فإن الواقع أكثر مرارة بالنسبة للكبار منهم الذين فاتهم قطار التشخيص والتدخل المبكرين، مما يجعلهم عرضة للحجز والمعاملات غير الإنسانية لشدة الصعوبات التي قد يكون المشكل فيها ليس التوحد فحسب وإنما الأمراض المصاحبة والتي لم يتم تشخيصها بسبب غياب الحق في الولوج إلى الصحة لغياب المستشفيات والمصحات الدامجة.

2 – تشكل التربية الدامجة حجر الزاوية في ما يتعلق بالتكفل بالأطفال ذوي التوحد. ما هي أبرز المطالب في هذا الشأن؟

التزم المغرب بمصادقته على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وعلى بروتوكولها الاختياري سنة 2009 بحماية واحترام وإعمال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة سواء منها المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. وفي مجال التعليم، التزم بإعمال هذا الحق دون تمييز على أساس تكافؤ الفرص ضمن نظام تعليمي جامع على جميع المستويات ومدى الحياة؛ والتزم أيضا بتوفير تدابير دعم فردية فعالة في بيئات تسمح بتحقيق أقصى قدر من النمو الأكاديمي والاجتماعي، وتتفق مع هدف الدمج الكامل.

وبالفعل سن المغرب قوانين ونص على برامج تقر بهذا الحق وتهدف إلى حمايته، غير أن فعلية هذه الحقوق وإحداثها لأثر في حياة الأسر مازال يعرف عدة تعثرات، من بينها التمثلاث السلبية والرؤى النمطية تجاه الإعاقة؛ وعدم تمكين الأطر التربوية والإدارية من تكوين مستمر ملائم لتنزيل التربية الدامجة؛ وضعف الإمكانيات المادية المخصصة لدمج ذوي الإعاقة ضمن المنظومة التعليمية وغياب تنزيل قاعات الموارد للدعم والتأهيل وفق ما ورد في الإطار المرجعي للتربية الدامجة الصادر في يونيو 2019.

ومن بين هذه التعثرات أيضا عدم تفعيل الاتفاقية الثلاثية بين وزارات الصحة والتعليم والتضامن؛ وإشكالية تكييف البرامج والمناهج الدراسية؛ ومخالفة بعض المذكرات والمقررات الوزارية للقواعد القانونية الأعلى منها في ضرب للمبدأ الدستوري المتعلق بالتراتبية القانونية كمبدأ ملزم للجميع.

3 – إلى جانب التربية الدامجة، ما هي باقي محاور التدخل الأساسية للنهوض بوضعية الأشخاص ذوي التوحد وضمان مشاركتهم في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟

يعد التعليم أحد الحقوق الأساسية التمكينية التي تفتح أمام الفرد والجماعة آفاقا واسعة لتطوير القدرات والمشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع، لذلك وجب التأكيد على أهمية تفعيل المقتضيات الخاصة بحماية هذا الحق وتفعليه مدى الحياة بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومن هذا المنطلق نركز على حماية الحق في التعليم ليس للأطفال فقط وإنما للكبار أيضا، وتعميم هذا الحق بحيث لا يتم استبعاد أي شخص من النظام التعليمي على أساس الإعاقة، ومن ثم فقط يمكن الحديث عن تفعيل باقي الحقوق من قبيل الحق في حصول الأشخاص ذوي التوحد على التعليم العالي العام والتدريب المهني، والحق في الشغل، والحق في المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية.

هذا الأمر يتطلب فتح أوراش قانونية لملاءمة القوانين الوطنية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية ولا سيما ما يتعلق بالأهلية القانونية، وإعادة النظر في تقييم الإعاقة مع القطع التام في هذا المجال مع المقاربة الطبية التي تنظر إلى مستوى العجز لا إلى مستوى الدعم المنشود.

إننا في حاجة إلى منظومة متكاملة تشمل كل مناحي الحياة تتماشى مع ترسيخ قيمة الاختلاف وقبول الآخر على أنه جزء من التنوع البشري ومناهضة كل أشكال الوصم والتمييز التي تطال الأشخاص ذوي الإعاقة عموما، إننا في حاجة إلى ميزانيات عمومية دامجة تفعل السياسات والبرامج الموجهة لتنزيل القوانين وتفعيل الحقوق في مجالات التربية والتعليم والتكوين المهني والترفيه وكل وسائل العيش الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى