رأي/ كرونيك

مصطفى حيران يكتب “محمد السادس لديه خوفٌ أزرق من الإسلاميين”

هذا ما قاله لي الصحافي الفرنسي “جان بيير توكوا” أواخر سنة ألفين وستة قبل أن يضيف: “يتملكني الفضول لأعرف كيف سيتصرف محمد السادس مع حزب العدالة والتنمية حين مشاركته في انتخابات ألفين وسبعة”.
نعرف الآن كيف كان ذلك التصرف، لقد تمّ “إقناع” حزب الدكتور الخطيب وبنكيران والعثماني ب”تلطيف” المشاركة في الانتخابات التشريعية في تلك السنة من خلال تقليص تغطية الدوائر الانتخابية بما يكفي ليتصدر الحزب التقليدي العجوز “الاستقلال” نتائج الانتخابات ويتولى أمينه العام آنذاك “عباس الفاسي” الوزارة الأولى.
كانت تلك “تخريجة” لتصريف “الخوف الأزرق من الإسلاميين” لكنها كانت مؤقتة.
ملاحظة الصحافي الفرنسي “توكوا” كانت صحيحة لكنها ناقصة. كيف؟
يرى كاتب هذه السطور أن الملك محمد السادس ليس لديه فقط خوفٌ من الإسلاميين وحدهم، بل من كل ما من شأنه أن يقلق راحة السلطة الشمولية المطلقة التي ورثها من أب ملأ منصبه كملك كاملا، بل وفاض عنه. وللموضوعية فإن سمة الاستحواذ خصيصة معروفة عن الأنظمة الشمولية منذ ليل الأزمنة السحيق.
سأمنح نموذجا حيا قريبا للدلالة على هذه الخصيصة.
في سنة ألفين وستة أدلى رئيس فيدراليات المقاولات المغربية “حسن الشامي” بتصريح لجريدة “ليكونوميست” قال فيه “إن محيط محمد السادس يضع العصي في عجلة الوزير الأول إدريس جطو”. فقامت القيامة على الرجل وتوالت المانشيطات العريضة ضده في صحف “الخدمة المخزنية” وصل بعضها حد القول: “إن على جطو أن يرحل”.
إدريس جطو ليس لا إسلاميا ولا يساريا راديكاليا ولا وسطيا.. بل إنه لا لون ولا طعم سياسي له، إنه مجرد تاجر أحذية ناجح أصبح تقنوقراطيا لامعا بفضل عصاميته ومثابرته، وتولى مناصب وزارية عديدة مثل التجارة والصناعة والداخلية ثم الوزراة الأولى.. إلخ ويوجد اليوم على رأس المجلس الأعلى للحسابات.
وقد جىء بجطو سنة ألفين وإثنين للتخلص من “وجع دماغ” تقليدي تمثل فيما سُمي ب”حكومة التناوب” التي كان يقودها الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي.
فكيف شبّ قلق المخزن الملكي من رجل على هذا النحو “النظيف” من منظور المخزن المذكور؟
حدث ذلك حسب المعطيات التي تسنى الحصول عليها حينها لأنه وقع تململٌ في أوساط رجال الأعمال الكبار ضمن نادي فيدرالية المقاولات الذين مسّهم ضرٌّ من شراهة قادة جيل المخزن الملكي الجُدد، حيث انعكست تلك الشراهة سلبيا على أعمالهم.
محمد منير الماجيدي، أو “إيم طروا” كما يُلقّب في الصالونات السياسية الذي كان يقود هذه الحَرْكة الاقتصادية تصرف بغلظة. بعد ذلك أُشهر في وجه رئيس فيدرالية المقاولات حسن الشامي سيف “التقويم الضريبي” لينكص إلى الخلف ويبتلع لسانه، أما صديقه الوزير الأول جطو فوُضع حدٌّ لتجربته الحكومية عقب انتخابات ألفين وسبعة.
إنه قلق الحكم الشمولي سواء كان الأمر متعلقا بمنافس سياسي إسلامي أو يساري أو تقنوقراطي ناجح…
بقية الحكاية معروفة ولا بأس من التذكير ببعض من أهم معالمها.
قفز إلى الواجهة الحزب الإسلامي “المعتدل” بعد حصوله على نتيجة مذهلة، لكنها كانت متوقعة، في انتخابات ألفين وسبعة، بحيث إنه فاز بأغلب المقاعد التي تقدم فيها مرشحوه مُحتلا الرتبة الثانية، بالرغم من أنه أُرغم أو “تفاهم” على الحد من مشاركته كما سبقت الإشارة.
لقد كان الأمر يتعلق بتذوق مسبق لما هو أكبر.
حدثت متغيرات “هبة” الربيع العربي فوجد الحزب الإسلامي “المعتدل” نفسه في الواجهة، حيث حصل على أغلبية المقاعد البرلمانية في أول انتخابات جرت بعد دستور “جديد” نص على أن منصب رئاسة الحكومة والتعيين يكون من الحزب متصدر نتائج الاقتراع فجاء عبد الإله بنكيران.
ولأن النص الدستوري وتطبيقاته كانت مشروطة بظرفية نفسية شديدة فإنها بدأت تبهت وتتلاشى مع مرور السنوات على قلتها، وبالتوازي مع ذلك استفحل “القلق المخزني”.
حصل حزب العدالة والتنمية على أغلب المقاعد البرلمانية في انتخابات السنة الماضية رغم أنه قضى خمس سنوات في رئاسة الحكومة، فكانت “الصدمة قوية” بتعبير المغني عبدالهادي بلخياط.
واستفحل قلق المخزن الملكي، حيث أدرك أنه أمام منافس شرس لم تنفع معه كل عوامل التعرية القوية من قبيل إحداث حزب منافس ومده بكل وسائل العمل هو “البام” فضلا عن ظروف تشكيل الحكومة التي أدت إلى صرف عبد الإله بنكيران من منصبه بعدما رفض الانصياع لشروط تشكيل حكومته اعتبرها “تعجيزية” وجىء برجل طيع من نفس الحزب هو سعد الدين العثماني الذي يبدو أنه لا مشكلة لديه إطلاقا في أن ينصاع لكل مَن يستطيع إفهامه أنه يوجد في منصب أكبر منه.
الشخص الذي يفعل ذلك يوجد على رأس وزارة الفلاحة والصيد البحري واسمه عزيز أخنوش، هذا الأخير تقنوقراطي ترعرع في تجارة الغاز التي أسسها أبوه، لكنه اعتُبر مؤخرا، أنه “جوكير” يصلح للعب دور كبير ضمن تصور معين للظرفية السياسية الحالية، فتم صبغه باللون الأزرق ووضع الحمامة في يده، وهو يوجد اليوم على رأس حزب يميني مخزني هو “التجمع الوطني للأحرار” لتصريف التصور المُراد تطبيقه مع بعض الصعوبة.
الصعوبة تتمثل في انقسام سياسي لا يني يتعاظم داخل حزب العدالة والتنمية بين فرقين، أحدهما التف حول الأمين العام السابق بنكيران باعتباره “بطلا” قاد تجربة الحزب في الحكومة على نحو مُوفق بل وناجح في اعتبارهم، والثاني حول الأمين العام ورئيس الحكومة الحالي العثماني الذي يرى أن تجربة الحزب في الحكومة يجب أن تستمر في كل الظروف وعدم التفريط فيها باعتبارها مكسبا انتخابيا.
المشكلة التي تذكي قلق المخزن الملكي تتمثل في فريق بنكيران الذي ينتصر لفكرة الحرص على قوة الحزب الإيديولوجية وبالتالي سطوة انتشاره وتحقيق نتائج كبيرة في الاستحقاقات الانتخابية، لإعادة نفس “الأساطير” التي واكبت وأعقبت تجربة “هبة” الربيع العربي، وهذا الطرح يراهن ضمنا على مستجدات شبيهة قد تقلب موازين القوى رأسا على عقب سيما عقب احتجاجات الريف وجرادة…
المخزن الملكي لا يصعب عليه سبر أغوار “طموحات” بنكيران وأنصاره لأنه يتحرك في نفس الرقعة التي يستمدون منها عناصر تحليلهم. فما العمل؟
لفت نظري في الأيام القليلة الماضية أن اسم وصورة رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار يوجد تقريبا في واجهة كل الجرائد الورقية وصدارة صفحات التحيين بالمواقع الإلكترونية على نحو مبالغ فيه بلغ حد الابتذال سيما بعد قراءة عناوين المانشيتات “البارزة” مثل صور صاحبها تفيد هذه العبارة صراحة: “أخنوش رجل المرحلة”.
وتذكرت ما سمتعه من بعض الزملاء والزميلات الذين أفادوني: “ثمة أمر فوقي بتلميع الرجل”.
يبدو أن سيناريو ما بعد رئاسة البيجيدي للحكومة مُنجز ويتم تنزيله بصخب وبهرجة، جعلت البعض يتحدث عن انتخابات سابقة لأوانها يحصل فيها حزب التجمع الوطني للأحرار على الأغلبية بعد “تقليم” لأظافر البيجيدي ربما عبر تكرار وصفة “تقليص المشاركة” أو شيئا آخر من هذا القبيل، لكن المشكلة أن هذا السيناريو لا يلقى ترحيبا من الجناح القوي في الحزب المحتمي بالذراع الإديولوجي الصلب متمثلا في التنظيم الدعوي “الإصلاح والتوحيد”، إنه جناح بنكيران وحامي الدين وأفتاتي وبوانو..
هذه الصعوبة ترجمت بعض الإجراءات المتشددة يمكن أن نذكر أبرزها: قضيتا الصحافي توفيق بوعشرين والقيادي البيجداوي عبدالعالي حامي الدين.
إنه القلق السياسي حينما يصدر عن سلطة مطلقة لا تقبل منافسا ولو لأداء دور توازن قوى مهما كان “خفيفا”..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى