الرئسيةثقافة وفنونرأي/ كرونيك

النسيان صفقة خاسرة إن كان ثمنا للعبور المزيف

 

بقلم الاعلامي والروائي خالد أخازي

هل النسيان نعمة أم أسطورة ماكرة تبرمج وعينا على دفن الألم والوجع في منطقة اللاوعي الذي يعيد تدوير الذكريات ويؤسطرها في الأحلام…؟
النسيان استراتيجية العقل الماكرة للنجاة من الموت النفسي الإكلينيكي…
والذكريات إما سيمفونية الروح حينما ينفض من حولك الصحب، ويتقدم العمر بك نحو خفايا جديدة…أو جحيم الوجود حين تستدعي الألم..
الجميل والدافئ والناعم منها يظل أفقا قزحيا للوجدان والعقل والروح حين نفقد بوصلة تحديد شمال الفرح… حين تداهمنا الكآبة….و تمارس علينا لعبتها اللعينة، نختار دوما جرعة من الذكريات لتجاوز الأزمات…. ومن الذكريات ما هو شفاء للمكلومين والجرحى….

والنسيان مجرد وهم… لأنه لا يحرق الصفحات السوداء في حياتنا، بل يدسها في رفوف مكتبة اللاشعور… وتخرج معاني واستعارات وإبداعا من أصابع المبدعين والمبدعات…

لهذا لا يمكنك أن تبدع بلا ألم خفي… وصعب أن يتناغم الإبداع والترف… ولأننا أحيانا نخشى من استنزاف الحبر والخيال …قد نضحي بالنسيان وننعش الوجع لنظل أحياء في مدن الكتابة…

من ينس يختف…فالكتابة أشد خصومها النسيان..لا كتابة خارج الوجع …والذكرى الموجعة صانعة للنبوغ لا هدامة…
طالما ادعينا أن الزمن يرمم شروخ الروح بالنسيان، بل يؤسس للغفران والتجاوز… لكن الحقيقة أننا لا ننسى بل نروض عقبان الألم لتحلق بعيدا عن قمم الروح، وقد تزورنا من حين لآخر طائفا عابرا لكن يفطر القلب، أو بشكل سريالي أو أسطوري تصنع الخوف والسقوط المدوي في الأحلام.

النسيان أحيانا متهم بالتواطؤ مع القهر وأدوات التسلط… مع الجلادين حين تنسى الذاكرة الجماعية سنوات القهر أو تعيد إنتاج جلاد آخر كأنها تمارس مازوشية جماعية… فهل نثق في الشعوب حين تصنع لها الأمل فترميك خارج التاريخ…؟

النسيان شبهة حين يكون الهدف منه طي صفحة من الألم الجماعي… حين يكون ثمنه مغنما أو موقعا …
لا أحد ينسى…. فقط نمارس عند الفقد مثلا صبرا تعضده خلفية إيمانية…

لا أحد ينسى الوجع والخيبات والانكسارات… فقط ندع الزمن يتآمر علينا ومختلف السلط القيمية والرمزية… لنستمر في العيش ونعلل بكل الكلام المزيف عن القوة المتجددة بالإخفاقات…

هل من السهل أن ننسى الخذلان والخيانة…؟

مهما ادعينا أننا طوينا الصفحة السوداء نظل عالقين في منطقة رمادية… وقد نختفي لنبكي…
أما الذكريات الجميلة البهية فهي عصية على النسيان لأنها حطب نار العمر في شتاء الوحدة… نافذة مفتوحة على الأمل والبهاء…

لا ننسى الألم…. بل نسمح لكل السلط الرمزية أن تعقله في لا وعينا ليظل شرسا… رمزيا في أحلام الاي نهرب من تأويلها… لأننا نخاف أن تكون نبوية… والأحلام مع الأسف تدل على ماضي الألم لكن برمزية مخيفة…
تنسى الذكريات الجميلة… لأنها زاد الخيال حينما تجف منابع الرجاء…

النسيان ليس صفقة مع الزمن إن كان يشل طاقة المجاز والخيال، فهو صفقة خاسرة للمبيعات والمبدعة مهما كانت قاسية جرعة الوجع والألم…

النسيان خيانة للتاريخ حين يكون صفقة مع السلطة مقابل العبور المزيف نحو غد ملتبس…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى