الرئسيةرأي/ كرونيك

كم مرة تكفي لترويج بروباغاندا ” العام زين ”.. عبد الوهاب تدموري: المغرب في مفترق الطرق قولوا الحقيقة للشعب

بقلم عبد الوهاب تدموري

تتناسل المقالات، تكثر التصريحات، تتتافس وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية ووسائط التواصل الاجتماعي في محاولة بائسة لتسويق الحلول السحرية التي انتهجتها الحكومة من أجل خفض أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية التي ارتفعت بشكل لم يشهد المغاربة مثيلا له من فبل، واعتبره البرلمان المغربي بمثابة تهديد للأمن والسلم الاجتماعي.

كما تتبجح نفس وسائل الإعلام باستعراض الإنجازات المبهرة للسياسات المتبعة من طرف الدولة المغربية سواء ما تعلق منها بالسياسة الخارجية أو الداخلية التي ارتقت بالمغرب إلى مصاف الدول التي تحقق نجاحات يحسد عليها على المستوى الرياضي والاقتصادي والسياسي حسب ذات المؤسسات الإعلامية التي فقدت، من فرط ارتهانها بالسياسة الرسمية للحكومة، مصداقيتها المهنية، وحادت عن أهداف العمل الصحفي النبيل، مما دفع بالغالبية العظمى من المغاربة إلى إقامة مسافة من الشك والنفور منها، بعد ان احتقرت ذكاءهم ووعيهم الملموس بالواقع الأليم الذي يعلو ولا يعلا عليه.

ولولا الريع الذي يقدم لها من أموال دافعي الضرائب والمالية العامة لكانت في عداد الموتى، بل إن هذه المؤسسات الإعلامية من كثرة التبجيل والتطبيل فقدت مصدافيتها كباقي المؤسسات الدستورية بعد أن حاد المجتمع في غالبيته عن متابعة برامجها وموادها، بما فيها تلك المتعلقة بسن وتشريع السياسات العمومية التي يتم تداولها من داخل الغرفة البرلمانية التي شكلت مداخلات بعض نوابها موضوع سخرية يتم تداولها بشكل واسع على اليوتوب. مما ينبئ بوجود ازمة ثقة عميقة بين الشعب وما يسمى بـمؤسساته الإعلامية والدستورية.

لكن كم يكفي من أموال لتزييف الحقيقة؟ وإلى متى سيستمر الريع المقدم لوسائل الإعلام وبعض المحللين الذين يشتغلون تحت الطلب، لتجميل صورة سرعان ما ينكشف زيفها أمام امتحان الواقع المعاش للغالبية العظمى للمغاربة؟.

الفساد

هل يكفي إنشاء هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتخصيص المجلس الحكومي لنواب الرئيس راتبا شهريا يبلغ 67.600.00 درهم للحد منها والقضاء عليها ؟.

وما ينطبق على الهيئة ينطبق على مجلس المنافسة الذي يكرس الاحتكار، ومجالس أخرى كثيرة تستنزف المالية العامة دون أن تحدث أي أثر إيجابي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بحيث أصبح وجودها عالة على المجتمع والدولة.

هل تكفي إذن كل هذه المجالس والهيئات للقول إن المغرب عازم المضي قدما في إعمال مبدأ الشفافية المالية والمحاسبة والقطع مع الرشوة والفساد؟.

هل يكفي القول بفشل النموذج التنموي الذي طالما طبل له المحللون ووسائل الإعلام قبل أن يقر بفشله رئيس الدولة سنة 2017 ، والذي طالب بضرورة إنجاز مشروع تنموي جديد يستجيب لحاجيات المغاربة في التقدم والتنمية. وهو ما أشاد به وهلل له كذلك نفس المحللين ونفس وسائل الإعلام الذين يسترزقون من الريع ؟.

هل يكفي القول بفشل النموذج التنموي الذي طالما طبل له المحللون ووسائل الإعلام قبل ان يقر بفشله رئيس الدولة سنة 2017 الذي طالب بضرورة إنجاز مشروع تنموي جديد يستجيب لحاجيات المغاربة في التقدم والتنمية.

وهو ما أشاد به ،وهلل له كذلك نفس المحللين و نفس وسائل الإعلام الذين يسترزقون من الريع، أو القول بأن المغرب سيحقق نسبة نمو تصل 4 % والتضخم سينخفض إلى حدود 2 %حسب قانون المالية الجديد، في حين تؤكد المؤشرات الواقعية الحالية على أن التضخم قد وصل إلى 10 % بصفة عامة و 20 % أو أكثر بالنسبة للمواد الاستهلاكية، وأن نسبة النمو لن تزيد عن 2 % ، لكي نكتشف زيف الادعاء القائل بالنجاحات الاقتصادية الغير المسبوقة للمغرب.

هل يكفي القول فقط بنجاعة مخطط المغرب الأخضر لسنوات 2008 2018 الذي صرفت عليه 193 مليار درهم، حسب مديرية الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية للانتقال إلى مخطط الجيل الأخضر 2020 – 2030 دون أن يخضع المخطط السابق لأي تقييم في حينه، والذي تؤشر نتائجه الحالية على فقدان المغرب لأمنه الغذائي، بعد أن تحول إلى وكيل زراعي لتلبية حاجيات السوق الأوروبية ولو على حساب المنتوج الفلاحي الوطني، الذي يسعى لتوفير الأمن الغذائي للمغاربة أولا وللتصدير ثانيا؟.


ان المغرب نتيجة للسياسة الفلاحية المتبعة في إطار المغرب الأخضر، قد فقد القدرة على توفير ما يحتاجه المغاربة من دقيق وخضروات ولحوم حمراء بعد أن تم الاستغناء عن مبدا الإنتاج الوطني لصالح الإنتاج المبرمج للتصدير الذي ارتفع حجمه ب 13 %خلال سنة 2022، وكذا تشجيع الاستيراد للمواد الأساسية التي تشكل العمود الأساس للأمن الغذائي كالحبوب واللحوم والزيوت والحليب الخ …

إن المنتوج الفلاحي الوطني المخصص لتلبية حاجيات السوق الداخلية، يشهد تراجعا خطيرا نتيجة غياب سياسة فلاحية رشيدة، تعمل على دعم الفلاحين الصغار والمتوسطين الذين يشكلون دعامة أساسية في عملية الإنتاج المخصصة للسوق الداخلية.

بل إن هذا النوع من السياسات الفلاحية المتبعة أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأعلاف والأسمدة بشكل غير مسبوق، مما قلص من الإنتاج المحلي بما في ذلك الثروة الحيوانية التي تقلصت إلى أكثر من النصف خلال أقل من ثلاث سنوات. وكمثال على ذلك يمكن سرد عدد رؤوس الأبقار الذي انخفض من 3.800.000 إلى 1.800.000 سنة 2022. وهو انخفاض له تاثير مباشر على أسواق اللحوم والحليب، وما ينطبق على الأبقار ينطبق على الخضروات والأغنام التي ستنفجر أزمتها مع اقتراب عيد الأضحى الذي دفع المغرب لاستيراد عشرات الآلاف من الرؤوس لتلبية حاجيات السوق المحلية.

هل يكفي الحديث عن النجاحات في مجال صناعة السيارات، والطائرات، واستقطاب الاستثمارات وغيرها للفول إن المغرب يحقق قفزة صناعية واقتصادية غير مسبوقة، مع العلم أن هذه الشركات المتعددة الجنسيات التي حلت بالمغرب، بمقتضى القوانين الضريبية التي تعفيها من الضرائب ومن أية مسؤولية قانونية إزاء العمال في حال رحيلها، وهي القواتين التي جعلت المغرب يصنف ضمن الأربعين دولة ومنطقة في العالم التي تصنف كملاذات ضريبية آمنة، تعفى فيها الشركات المتعددة الجنسيات من الضرائب إما كليا أو جزئيا، وهو ما ذهب إليه قانون المالية الذي قلص نسبة الضرائب بالنسبة للشركات الكبرى، في مقابل الزيادة في الضريبة على الدخل بالنسبة للفئات المتوسطة والمقاولات المهنية، بل إن البنك الدولي من شروطه لاعتماد القرض الجديد الذي طلبه المغرب والذي يبلغ 5 ملايير دولار ، هو خروجه من المنطقة الرمادية التي تؤمن للشركات الملاذات الضريبية الآمنة وتبييض الأموال، وكذا إلغاء ما تبقى من صندوق المقاصة المخصص لدعم بعض المواد الأساسية بالاضافة الى تعويم العملة الوطنية.


إن ما يسوق كنجاحات في مجال الصناعة لا يعدو أن يكون سوى فقاعة، المستفيد منها بالأساس لوبيات المال والأعمال الذين تحولوا الى وكلاء محليين للشركات الدولية المتعددة الجنسيات.

إن المغرب في حاجة ماسة إلى بناء إقتصاد وطني يحقق التنمية المستدامة وينعكس إيجابا على الحياة العامة، من حيث توفير الشغل والعيش الكريم، ويلبي حاجيات السوق المحلية أولا والسوق الدولية ثانيا، وليس إلى سياسات تعمل على تحويل المغرب إلى وكالة تذر الأرباح على الشركات الدولية ووكلاء الداخل.

هل يكفي أن نقول إننا نحقق إنجازات كروية عالمية بفريق وطني غالبيته العظمى مشكل من حوالي 800 ألف من شباب الجيل الثاني أو الثالث من أبناء المغاربة المقيمين بأوروبا الذين تكونوا في المدارس الكروية الأوروبية وتتهافت من أجل استقطابهم بدواعي الوطنية والغيرة على الوطن، في حين أن الجامعة الملكية لكرة القدم التي ترصد لها إمكانيات مالية ولوجستية هائلة من المالية العامة لم تستطع أن تكون فريقا وطنيا قويا من 36 مليون مغربي متواجد بالداخل، وحتى النسبة القليلة التي تنسب للأكاديمية الملكية لكرة القدم تحمل أكثر من افتراء على الواقع، لكون هؤلاء كانوا شبابا ولاعبين في فرقهم المحلية، وذلك قبل أن يتم استدعاؤهم للأكاديمية التي قضوا فيها سنة أو سنتين على أكثر تقدير.

هذا في الوقت الذي نعلم فيه أن من ينتسب للأكاديمية يجب أن يكون قد خطا فيها خطواته الكروية الأولى إلى حين بلوغه سن السادسة أو السابعة عشرة من عمره. يحصل كل هذا دون أن نسأل أنفسنا عن سبب تعثرنا في الرقي بكرة القدم الوطنية وباقي الرياضات بمواهبنا المحلية أولا ومهاجرينا ثانيا، وذلك رغم كل الامكانات التي تسخر لهذا الشأن، في حين تستطيع الدول الأوربية إبراز كل هذه الكفاءات الرياضية من شبابنا في المهجر، والذين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من مجموع الشباب المغاربة في الداخل.

هل يكفي القول إننا نحقق اختراقات مهمة في علاقات الدولة الخارجية ونجعل من علاقتنا مع أمريكا وإسرائيل مصدر قوة لنا، ومفتاح الحل لوحدتنا الترابية، ولمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك على حساب التوازن في الشراكات والعلاقات الدولية التي تتطلبها المرحلة بكل ما تشهده من تحولات عميقة في بنية النظام العالمي الحالي، الذي يؤشر على بداية مرحلة أفول أمريكا بل وأوروبا، لصالح قوى عالمية جديدة، وهو ما انتبهت له الكثير من دول الجنوب التي بدات تتخلى تدريجيا عن تحالفاتها التقليدية لصالح تحالفات اقتصادية وسياسية جديدة تعتمد منطق الشراكات الاقتصادية والتجارية القائمة على مبدأ احترام سيادة الدول والمصالح المشتركة.

هذا في الوقت الذي يصطدم فيه المغرب ولمرات متعددة بحقيقة لا جدوى هذا التوجه وهذه العلاقة ،التي شكلت مصدر ابتزاز له سواء بالعلاقة مع قضية الوحدة الترابية التي لم يعترف الكيان الاسرائيلي لحد الساعة بسيادة المغرب على صحرائه، رغم كل الخطوات التطبيعية التي أقدم عليها المغرب اتجاهه، في حين بقي اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة مجرد موقف تكتيكي، الغاية منه وضع اليد على الموارد الأساسية للمغرب وعلى موقعه الجيواستراتيجي. بالاضافة الى إجهاض النهج الذي كان قد سار فيه المغرب في اتجاه كل من الصين وروسيا قبل سنة 2020 ، دون أن برقى الموقف الأمريكي عمليا إلى دعم المغرب دبلوماسيا في توسيع قاعدة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء رغم وسائل التأثير التي لا زالت تتوفر عليها أمريكا على بعض أصدقائها عبر العالم.

في هذا السياق يكفي استحضار ما قاله  محمد صالح التامك المندوب السامي لإدارة السجون، على ضوء ما ورد في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب و”الصحراء الغربية، والذي خلص إلى أن أمريكا تتبني مواقف معادية للمغرب و لصالح أعداء الوحدة الترابية، وهي بذلك ستفقد صديقا موثوقا، كما أنه تساءل عن جدوى الاستمرار في هذه العلاقة وهل ٱن الأوان للمغرب أن يدير ظهره لها كما فعلت دول أخرى كانت إلى عهد فريب حليفة لأمريكا؟

للتذكير كذلك فقد سبق هذا التقرير بيان البرلمان الأوروبي الذي أدان بدوره ما يحدث من خروقات لحقوق الإنسان بالمغرب وذلك في توظيف سافر لموضوعة حقوق الإنسان من أجل خدمة مصالحه الاقتصادية المتعثرة مع المغرب، وذلك بالرغم من أن ما ورد في البيان هو حق يراد به باطل.

كم مرة تكفي لترويج بروباغاندا ” العام زين ” ونستمر في الحديث حول الإنجازات والمعجزات في مجال التنمية و الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل ونشحذ أقلامنا وإعلامنا من أجل التسويق لواقع أصبحت عورته مكشوفة للجميع، في حين أن جميع المؤشرات سواء في التنمية البشرية أو في محاربة الرشوة والشفافية المالية تضع المغرب في ذيل الترتيب الدولي، وأن الشعب المغربي بما راكمته الحكومات المتعاقبة من سياسات تفقيرية وقمعية تذيل ترتيب الشعوب من حيث النزاهة والمصداقية، بل إن الأرقام الرسمية التي تناولها والي بنك المغرب والمندوب السامي للتخطيط تذهب في نفس المنحى الذي يؤكد على أن المغاربة تنتظهرهم سنوات أصعب بكثير من التي سبقت، وعلى الحكومة مصارحة الشعب المغربي بالحقيقة خاصة مع القادم من الخطوات كتعويم الدرهم وإلغاء صندوق المقاصة وازدياد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار التي اعتبرها الأستاذ الحليمي مسألة داخلية مرتبطة بفشل السياسات المتبعة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تستوجب، حسب اعتقادي، إصلاحات عميقة ومستعجلة، بالإضافة إلى إصلاحات سياسية جذرية مدخلها الأساس تنقية الأجواء السياسية والحقوقية وإطلاق دينامية الحوار الوطني حول مختلف القضايا التي تهم المجتمع المغربي تغضي الى تعاقدات اجتماعية وسياسية جديدة فائمة على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العفاب واحترام حقوق الانسان، لأن التمادي في هذا النهج ستكون عواقبه وخيمة على الدولة والمجتنع في ٱن واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى