الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

وستسمر في الانفجار لا هو موتا ولا هو انتحارا..رسالة محمود درويش لغزة: «مدينة الشهداء والمقاومة كسرت أحلام العدو»+فيديو

في ذكرى ميلاده (13 مارس 1941)، سيبقى محمود درويش، حاضرا رغم الغياب.. هو بحق ـ كما يقول الشعراء العرب من المعاصرين ـ «متنبي» هذا العصر.. ولعل ما يجمعه بالمتنبي، إضافة إلى قوة موهبته ورهافة إحساسه وفرادة لغته وصوره، هو قدرته على اختزال المواقف والهواجس الإنسانية المشتركة بعبارات مكثفة تقترب من الحكم والأمثال السائرة ويرددها الناس أينما وجدوا.

ولكن ما هو أهم ولافت في هذه الأيام تحديدا التي تشهد حرب إبادة جماعية في فطاع غزة، ونزيف الدم الفلسطيني يسجل يوميا عدد الشهداء ( بلغ حتى اليوم أكثر من 31 ألف شهيد) كل هذا تنبأ به محمود درويش، وكأنه كان يقرأ (كف غزة)، أو أنه كان يحاكي النجوم كما كانت تفعل عرافة الجوف أو زرقاء اليمامة !! وكأنه ما زال حاضر بيننا إلى اليوم ويعيش مأساة غزة وما تعانيه من ظلم وعدوان.

الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل، محمود درويش، قال، وعلى لسان اللحظة الراهنة: «اذا سألوك عن غزة قل لهم، بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد».

الشاعر لا يموت، لأن الكلمة لا تموت، وغزة لا تموت لأنها «تملك جدارة الحياة»

لا ندري كيف يعيش الشاعر نفس اللحظة معنا بعد رحيله بنحو 16 عاما؟ وكأنه يلامس واقعنا العربي والإسلامي اليوم.. غزة تذبح ونحن متفرجون.. والسبب أن غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار.. ويقول درويش: «ليست لغزة خيول ولا طائرات ولا عصى سحرية ولا مكاتب فى العواصم، إن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها فى وقت واحد وحين نلتقى بها – ذات حلم – ربما لن تعرفنا، لأن غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار والبكاء على الديار».

فى قصيدة محمود درويش: «صمت من أجل غزة»، سردية درامية ترسم تاريخ مدينة «أدمنت قيم المقاومة، إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة.. غزة لا تتقن الخطابة، ليس لغزة حنجرة، مسام جلدها هى التى تتكلم عرقا ودما وحرائق».

وفي تصوير لواقع الحياة اليوم في قطاع غزة والتصدي لجيش الاحتلال يفول درويش «لحم غزة يتطاير شظايا قذائف، لا هو سحر ولا هو أعجوبة، إنه سلاح غزة فى الدفاع عن بقائها وفى استنزاف العدو، غزة جزيرة كلما انفجرت وهى لا تكف عن الانفجار، خدشت وجه العدو، وكسرت وجه العدو، وكسرت وجه أحلامه، وصدته عن الرضا بالزمن».

وإذا كان عدد الأطفال الشهداء يبلغ نحو 70 % من عدد اجمالي شهداء غزة.. يقول درويش بلسان اليوم الراهن والأت «الزمن هناك لا يأخذ الطفولة إلى الشيخوخة، ولكنه يجعلهم رجالا فى أول لقاء مع العدو».

ويشرح محمود درويش أسباب كراهية العدو لغزة ولماذا يواصل عدوانه الهمجي.. والسيبب أن غزة «تعادل تاريخ أمة، لأنها أشد قبحا فى عيون الأعداء، وفقرا وبؤسا وشراسة، لأنها أشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته، لأنها كابوسه، لأنها برتقال ملغوم، وأطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لأنها كذلك فهى أجملنا وأصفانا وأغنانا، وأكثرنا جدارة بالحب».

الشاعر الراحل المبدع محمود درويش، يطل على غزة في نفس اللحظة الزمنية الراهنة، التي تسجل الشهر السادس من مواجهة العدوان الإٌسرائيلي الغاشم.. وكأنه يتحسس ظروف غزة الخاصة.. ويقول: «صحيح أن لغزة ظروفاً خاصة وتقاليد ثورية خاصة.. ولکن سرها ليس لغزا: مقاومتها شعبية متلاحمة تعرف ماذا تريد (تريد طرد العدو من ثيابها).. وعلاقة المقاومة فيها بالجماهير هي علاقة الجلد بالعظم.. وليست علاقة المدرس بالطلبة.

لم تتحول المقاومة في غزة إلى وظيفة ولم تتحول المقاومة في غزة إلى مؤسسة.. لم تقبل وصاية أحد ولم تعلق مصيرها على توقيع أحد أو بصمة أحد.. ولا يهمها کثيراً أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها، لم تصدق أنها مادة أعلامية، لم تتأهب لعدسات التصوير ولم تضع معجون الابتسام على وجهه.

هي تريد .. ولا نحن نريد

من هنا تکون غزة تجارة خاسرة للسماسرة ومن هنا تکون کنزاً معنوياً واخلاقياً لا يقدر لکل العرب».

وكيف ولماذا أصبحت غزة كنزا معنويا وأخلاقيا لكل العرب ؟

يجيب محمود درويش :

«لأن القيم في غـزة تختلف.. تختلف.. تختلف

القيمة الوحيدة للإنسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال.. هذه هي المنافسة الوحيدة هناك.

وغـزة أدمنت معرفة هذه القيمة النبيلة القاسية.. لم تتعلمها من الکتب ولا من الدورات الدراسية العاجلة

ولا من أبواق الدعاية العالية الصوت ولا من الأناشيد. لقد تعلمتها بالتجربة وحدها»

هذا الشاعر الساحر المتنبىء.. يكشف أسرارنا ويعري عجزنا أمام غزة.. ولكن في نفس الوقت يطمئن البعض بأن غزة ـ أساسا ـ لا تهتم بهذا العجز والانكسار العربي.. ويضبف:

«ومن جمال غزة أن أصواتنا لا تصل إليها، لا شيء يشغلها، لا شيء يدير قبضتها عن وجه العدو، لا أشكال الحکم في الدولة الفلسطينية التي سننشئها على الجانب الشرقي من القمر، أو على الجانب الغربي من المريخ حين يتم اکتشافه، انها منکبة على الرفض.. الجوع والرفض.. العطش والرفض.. التشرد والرفض.. التعذيب والرفض.. الحصار والرفض.. والموت والرفض.

قد ينتصر الأعداء على غزة.. قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها، وقد برمونها في البحر أو الرمل أو الدم، ولکنها لن تکرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم.. وستستمر في الانفجار.. لا هو موت ولا هو انتحار ولکنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة».

ويشهر درويش خطاب التوصيف الدرامي لمدينة تاريخية، بل هي «تعادل تاريخ أمة، لأنها أشدنا قدرة على تعکير مزاج العدو وراحته، لأنها کابوسه، لأنها برتقال ملغوم».

يرى درويش أن غزة لها زمانها الخاص:

«الزمن في غـزة ليس عنصراً محايداً.. إنه لا يدفع الناس إلى برودة التأمل.. ولکنه يدفعهم إلى الإنفجار والارتطام بالحقيقة.. الزمن هناك لا يأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشيخوخة ولکنه يجعلهم رجالاً في أول لقاء مع العدو».

محمود درويش، كان واحدا من أهم شعراء العصر الحديث، مليء بالخيال والخبرة الحياتية، وهو ما أعطى شعره الصدق والعمق الشديدين وجعله مختلفا عن شعراء المنطقة.. العاشق لتراب الوطن المحتل.. مجسدا صوت المقاومة والكلمة المقاتلة.

وشعر محمود درويش هو التطور الأمثل للشعر العربي القديم، تجد فيه الملك الضليل، والنابغة، وجرير، وابن الفرزدق، وابن أبي ربيعة، وبشار بن برد، وأبا نواس، والمتنبي، والمعري، والبحتري، وابن الملوح، وابن الرومي، والحمداني، وابن زيدون، وشوقي، والرصافي، والجواهري، وعلي محمود طه، ومحمود حسن اسماعيل.. تجد كل هؤلاء وغيرهم، لكن في صورة جديدة متطورة ومزودة بالثقافة الحديثة منصهرين جميعاً في بوتقة تغلي بنار المحنة اسمها محمود درويش.

توفي درويش في 9 غشت 2008 بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية جراحية للقلب بمركز تكساس الطبي في هيوستن, ودفن في 13 غشت بمدينة رام الله في قصر رام الله الثقافي.

وفيما يلي نص القصيدة:

((صمت من أجل غزة!))

تحيط خاصرتها بالألغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار

انه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة

منذ أربع سنوات ولحم غـزة يتطاير شظايا قذائف

لا هو سحر ولا هو أعجوبة، انه سلاح غـزة في الدفاع عن بقائها وفي استنزاف العدو

ومنذ أربع سنوات والعدو مبتهج بأحلامه.. مفتون بمغازلة الزمن .. إلا في غـزة

لأن غـزة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء .. لأن غـزة جزيرة کلما انفجرت، وهي لا تکف عن الإنفجار،

خدشت وجه العدو وکسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن.

لأن الزمن في غـزة شيء آخر ..

لأن الزمن في غـزة ليس عنصراً محايداً

انه لا يدفع الناس إلى برودة التأمل… ولکنه يدفعهم إلى الإنفجار والارتطام بالحقيقة.

الزمن هناك لا يأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشيخوخة ولکنه يجعلهم رجالاً في أول لقاء مع العدو

ليس الزمن في غـزة استرخاء ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة

لأن القيم في غـزة تختلف.. تختلف.. تختلف

القيمة الوحيدة للانسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال… هذه هي المنافسة الوحيدة هناك.

وغـزة أدمنت معرفة هذه القيمة النبيلة القاسية.. لم تتعلمها من الکتب ولا من الدورات الدراسية العاجلة.

ولا من أبواق الدعاية العالية الصوت ولا من الأناشيد. لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل الذي لا يکون إلا من أجل الاعلان والصورة.

إن غـزة لا تباهى بأسلحتها وثوريتها وميزانيتها. إنها تقدم لحمها المر وتتصرف بإرادتها وتسکب دمها.

وغزة لا تتقن الخطابة.. ليس لغزة حنجرة.. مسام جلدها هي التي تتکلم عرقاً ودماً وحرائق.

من هنا يکرهها العدو حتى القتل.. ويخافها حتى الجريمة.. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم.

من هنا يحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحياء يصل إلى الغيرة والخوف أحياناً.. لأن غزة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للاعداء والاصدقاء على السواء.

ليست غزة أجمل المدن..

ليس شاطئها أشد زرقة من شواطئ المدن العربية..

وليس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبيض..

وليست غزة أغنى المدن..

وليست أرقى المدن وليست أکبر المدن.. ولکنها تعادل تاريخ أمة.. لأنها أشد قبحاً في عيون الأعداء، وفقراً وبؤساً وشراسة. لأنها أشدنا قدرة على تعکير مزاج العدو وراحته، لأنها کابوسه، لأنها برتقال ملغوم، وأطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لأنها کذلك فهي أجملنا وأصفانا وأغنانا وأکثرنا جدارة بالحب.

نظلمها حين نبحث عن أشعارها فلا نشوهن جمال غزة، أجمل ما فيها إنها خالية من الشعر، في وقت حاولنا أن ننتصر فيه على العدو بالقصائد فصدقنا أنفسنا وابتهجنا حين رأينا العدو يترکنا نغني.. وترکناه ينتصر ثم جفننا القصائد عن شفاهنا، فرأينا العدو وقد أتم بناء المدن والحصون والشوارع.

ونظلم غزة حين نحولها إلى أسطورة لأننا سنکرهها حين نکتشف أنها ليست أکثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم

وحين نتساءل: ما الذي جعلها أسطورة؟

سنحطم کل مرايانا ونبکي لو کانت فينا کرامة أو نلعنها لو رفضنا أن نثور على أنفسنا

ونظلم غزة لو مجدناها لأن الافتتان بها سيأخذنا إلى حد الانتظار، وغزة لا تجيء الينا غزة لا تحررنا ليست لغزة خيول ولا طائرات ولا عصى سحرية ولا مکاتب في العواصم، ان غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها في وقت واحد وحين نلتقي بها – ذات حلم – ربما لن تعرفنا، لأن غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار والبکاء على الديار

صحيح إن لغزة ظروفاً خاصة وتقاليد ثورية خاصة

ولکن سرها ليس لغزا: مقاومتها شعبية متلاحمة تعرف ماذا تريد (تريد طرد العدو من ثيابها)

وعلاقة المقاومة فيها بالجماهير هي علاقة الجلد بالعظم. وليست علاقة المدرس بالطلبة.

لم تتحول المقاومة في غزة إلى وظيفة ولم تتحول المقاومة في غزة إلى مؤسسة

لم تقبل وصاية أحد ولم تعلق مصيرها على توقيع أحد أو بصمة أحد

ولا يهمها کثيراً أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها لم تصدق أنها مادة أعلامية، لم تتأهب لعدسات التصوير ولم تضع معجون الابتسام على وجهه.

لا هي تريد .. ولا نحن نريد

من هنا تکون غزة تجارة خاسرة للسماسرة ومن هنا تکون کنزاً معنوياً وأخلاقياً لا يقدر لکل العرب

ومن جمال غزة أن أصواتنا لا تصل إليها لا شيء يشغلها، لا شيء يدير قبضتها عن وجه العدو، لا أشكال الحکم في الدولة الفلسطينية التي سننشئها على الجانب الشرقي من القمر، أو على الجانب الغربي من المريخ حين يتم اکتشافه، انها منکبة على الرفض .. الجوع والرفض والعطش والرفض التشرد والرفض التعذيب والرفض الحصار والرفض والموت والرفض.

قد ينتصر الأعداء على غزة (وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة قد يقطعون کل أشجارها)

قد يکسرون عظامها

قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها وقد برمونها في البحر أو الرمل أو الدم ولکنها

لن تکرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم

وستستمر في الانفجار

لا هو موت ولا هو انتحار ولکنه أسلوب غزة في اعلان جدارتها بالحياة …

فاصلة:

وستستمر في الانفجار

لا هو موت ولا هو انتحار ولکنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة.

المصدر: الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى