الرئسيةرأي/ كرونيك

هل هذا هو الوقت المناسب للخلاف بين فتح وحماس؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

مُحزِنٌ أن يطفو على السطح في هذا الوقت بالذات أي خلافٌ بين السُلطة الوطنية الفلسطينية وبين منظمة حماس، في الوقت الذي وصل فيه عدد الشهداء(ضحايا الإجرام الإسرائيلي) في غزة لأكثر من 31 ألف، والجرحى إلى أكثر من 73 ألف، والنازحون إلى مليون ونصف، حتى تاريخ 18 آذار (مارس) 2024.. والعدد يتزايد كل يوم..

تعيين الرئيس محمود عباس للخبير الاقتصادي، ورجُل الأعمال الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى، خريج جامعة جورج تاون في واشنطن، لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، أثار حفيظة مسؤولي حركة حماس، وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، التي أصدرت بيانا قالت فيه أن تعيين حكومة بدون توافق وطني هو خطوة فارغة بالتأكيد من المضمون ويُعمِّق الانقسام بين الفلسطينيين، ويُثبِتُ عمق الأزمة لدى القيادة الفلسطينية وانفصالها عن الواقع والفجوة الكبيرة بينها وبين الشعب الفلسطيني وهمومه وتطلعاته..

هذه الاتهامات بدورها أثارت حفيظة منظمة فتح فسارعت لإصدار بيان انضوى على هجوم عنيف على حماس حينما اتّهمها البيان بأنها هي من تسبّبَ في إعادة احتلال إسرائيل لقِطاع غزّة وتسبّبَ بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة، وأنها تفاوض إسرائيل على الأمن الشخصي لقيادات الحركة، ولذا لا يحقُّ لها إملاء الأولويات الوطنية..

من الطبيعي أن يستشهد الإسرائيليون بهذا الكلام كي يقولوا للعالم ها هي القيادة الفلسطينية ذاتها تُحمِّل مسؤولية ما جرى إلى منظمة حماس..
واضحُ من شدّة البيانين وللأسف، حجم الخلافات وانعدام الثقة بين الطرفين.. ويبدو أن الصراع المسلّح الذي وقع بينهما في غزّة بين 10 و 15 حزيران (يونيو) 2007 حينما استولت حماس على السُلطة كاملا، مازالت آثارهُ تعتمل لدى الطرفين..
**
من المؤسف أن نسمع هذا التراشُق والاتهامات بين الطرفين في هذا الوقت بالذات، لماذا؟.

السبب الأول لأن هناك عدوانا إسرائيليا غير مسبوق في جرائمه ضد أهل غزة الذين هم جزءا من شعب فلسطين، وبالتالي حينما يتعرض أي شعب إلى عدوان خارجي فالمفروض من قياداته أن تتناسى كافة خلافاتها السابقة وتتّحد جميعها حول هدف وطني نبيل وهو كيفية مواجهة هذا العدوان.

والسبب الثاني أن هناك تغييرا كبيرا حصل مؤخّرا في مواقف حكومات الدول الغربية، وحتى موقف الإدارة الأمريكية ذاتها، أوّلا نتيجة الضغوط الشعبية من خلال المظاهرات التي عمّت العواصم والمُدن الغربية ضد هذه الحرب، والرأي الشعبي لديهم مُهما لأنه هو من يأتي بهم إلى السُلطة.. وثانيا بسبب حجم الوحشية والبربرية التي تستخدمها إسرائيل في غزة والغالبية الساحقة من ضحاياها هم من النساء والأطفال.. وثالثا بسبب التجويع وعرقلة وصول المساعدات الإغاثية، الذي أثار حفيظة العالم كله..
**
اليوم الولايات المتحدة لم تعُد تمنح إسرائيل الموافقة المُطلقَة في أن تفعل ما تشاء في غزة، وإنما باتت تفرضُ بعض الشروط، حتى وإن كانت كنوعٍ من الخِداع والتضليل، ولكنها باتت تُدرِك حجم الضرر الذي لحق بها أمام الرأي العام العالمي نتيجة دعمها غير المحدود لجرائم إسرائيل في غزّة.. حتى أن سفراء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حذّروا واشنطن من الغضب العربي المتزايد ضدّ سياسة الرئيس بايدن هذه، كما نقل الإعلام الأمريكي..
**
بينما دول الاتحاد الأوروبي، مضت أبعد من ذلك بكثير، وأدلى جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي، بتصريحٍ شديد اللهجة، أغضبَ قادة إسرائيل، حينما قال أثناء افتتاح مؤتمر بشأن المساعدات الإنسانية إلى غزة في 18 آذار (مارس)، لم نعُد على شفا المجاعة، نحن في حالة مجاعة يعاني منها آلاف الأشخاص، هذا غير مقبول، المجاعة تُستَخدم سلاح حرب، إسرائيل تتسبّب بالمجاعة، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونشاهد الفلسطينيين يموتون جوعا. هذا ليس كارثة طبيعية، فيضانا أو زلزالا، وإنما من صنع الإنسان، دعونا نقول ذلك بجرأة، أن هذا بسبب منع وصول المساعدات (من طرف إسرائيل) إلى غزة. لقد أتيتُ إلى هنا من واشنطن وأملك الشجاعة على قول ذلك..وأضاف أن العملية العسكرية الإسرائيلية حوّلت غزة إلى أكبر مقبرة مفتوحة في العالم، ولم تعُد سجنا مفتوحا فقط..
**
بينما حثّت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامانتا باور، إسرائيل على فتح المزيد من الطرق البرية أمام المساعدات الإنسانية، وأضافت أن المجاعة حدثٌ مروِّع..

طبعا إنه أمرا مثيرا للسخرية أن يرُقّ قلبُ الولايات المتحدة على الجوعى ولكنهُ لم يرُقّ على الموتى.. أمريكا لا ترضى بالجوع، ولكنها تباركُ القتل.
**
المهم في الأمر أن هناك تغييرا واضحا في مواقف الغرب من جرائم إسرائيل في غزة، والأجدى بالقيادات الفلسطينية في حماس وفتح وسواها، أن يؤجِّلوا خلافاتهم الداخلية إلى ما بعد نهاية الحرب، ويعرفون على أي مُستقرٍّ ستمضي إليه الأمور أولا.. ليس هذا هو وقت الصراع على الزعامة.. أم أن الزعامة هي أهم من أولويات الشعب الفلسطيني!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى