ذاكرة

يوسف بن تاشفين.. الأمازيغي الذي عاش قرنًا وأخَّر سقوط الأندلس 4 قرون

إن يوسف بن تاشفين قد غدا معقد الآمال، وإنه يُعتقد أن الله قد اصطفاه لإنقاذ الإسلام* المعتمد بن عبّاد، حاكم إشبيلية وقرطبة

عقب استيلاء ألفونسو السادس، ملك قشتالة، على طليطلة سنة 478هـ (1085م) وتهديده ملوك الطوائف بالويل والفناء، استصرخ أهل الأندلس إخوانهم فى المغرب، وطلبوا العون والنجدة منهم، كان وقتها أبو يعقوب «يوسف بن تاشفين» أميرًا على دولة المرابطين التي كانت تحوي ضمن حدودها بلاد المغرب الإسلامي.

عارض الكثير من ملوك الطوائف فكرة الاستنصار بالأمير الأمازيغي، ابن تاشفين، خشية أن يسلب منهم الحكم بعد أن ينصرهم؛ ليخرج المعتمد ابن عبّاد مخاطبًا ملوك الطوائف بجملة شهيرة: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير»، قصد بها أن يصبح أسيرًا لدى أمير المسلمين، أفضل من أن يصبح أسيرًا عند ألفونسو.

من هو يوسف بن تاشفين؟
ولد أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم سنة 400هـ (1009م) في المنطقة الواقعة على المثلث الحدودي بين موريتانيا والجزائر والمغرب، وقد توفي في شهر محرم من عام 500هـ عن عمر يقارب المائة عام. وحسب المؤرخ ابن خلكان نشأ «يوسف بن تاشفين» على حبّ الرباط والجهاد، مع جعله يلتحق بدعوة الشيخ عبد الله بن ياسين، مؤسس الحركة المرابطية، في رباطه على نهر النيجر؛ ليصبح أحد المقربين منه.

بعد وفاة عبد الله بن ياسين وقيام أبي بكر اللمتوني مكانه في إدارة دولة المرابطين؛ أوكل أبو بكر شؤون المغرب لابن عمه يوسف بن تاشفين، وزوّجه بزوجته زينب بنت إسحاق النفزاوية بعد أن طلقها، وفي ظرفٍ وجيزٍ تمكن «ابن تاشفين» من توحيد القبائل، وذاع صيته في أرجاء المغرب، فكّر يوسف في بناء مدينة تكون قاعدة لحكمه فوقع اختياره على أرض تقع شمال غربي مدينة أغمات فاشتراها، فكان ذلك مولد مدينة مرَّاكش سنة 454هـ (1062م).

بعد أن عاد «أبو بكر» من غزواته في الصحراء، اعترف بفضل يوسف في الاستقرار الذي شهده المغرب فقرّر التنازل له عن الملك، وقال له: «أنت أخي وابن عمي، ولم أرَ مَن يقوم بأمر المغرب غيرك، ولا أحق به منك، وأنا لا غناء لي عن الصحراء، وما جئت إلا لأسلم الأمر إليك، وأهادنك في بلادك، وأعود إلى الصحراء مقرّ إخواننا، ومحلّ سلطاننا».

الأندلس على وشك السقوط
في الوقت الذي كان «ابن تاشفين» يرسّم فيه استقرار دولة المرابطين في المغرب، كانت الضفة الشمالية الغربية للبحر المتوسط تشهد اضطرابًا كبيرًا، بعد أن استفحل الذلّ والهوان قلوب المسلمين حتى صار ملوك الطوائف يبعثون بالجزية إلى ملك قشتالة كل عام، إلى أن غضب البعض وضجوا من غطرسة ملك قشتالة، فقام المعتمد بن عبّاد بقتل الرسل الذين بعثهم ألفونسو لجمع الجزية من المسلمين.

بعد أن توحّدت كلمة ملوك إسبانيا وفرنسا والبرتغال على طرد المسلمين من الأندلس بعد سقوط طُليطلة وامتناع ملوك الطوائف عن دفع الجزية، تحالف ملك قشتالة، ألفونسو السادس، وسانشو الأول، ملك أراجون ونافارا، والكونت برنجار ريموند، حاكم برشلونة وأرجل،، وساروا بجيشٍ ضخم من جليقية وليون، وبدأوا في الاستيلاء على قرى المسلمين واحدةً تلو الأخرى؛ حتى وصلوا إلى ضواحي إشبيلية، فأحرقوا قُراها وحقولها، وحاصروا قلعة سرقسطة وحاصروها حصارًا شديدًا.

خشي المسلمون سقوط سرقسطة، فأرسل أمراء الطوائف رسالةً إلى «ابن تاشفين» أمير دولة المرابطين في المغرب مُوقّعةً من 13 أميرًا، يناشدون الإسراع إليهم بالنجدة قبل سقوط سرقسطة، وأرسل المعتمد بن عبّاد إلى يوسف بن تاشفين: «إن كنت مُؤثرًا للجهاد فهذا أوانه، فقد خرج الأذفونش إلى البلاد، فأسرع في العبور إليه».

بعد أن بلغ مسامع ألفونسو أنّ أمراء الطوائف قد استغاتوا بـ«ابن تاشفين» أبرقه رسالةً جاء فيها: «إن كنتَ لا تستطيع الجواز -عبور البحر – فابعث إليَّ عندك من المراكب أجز إليك، وأناظرك في أحبِّ البقاع عندك، فإن غلبتني فتلك غنيمة جُلِبت إليك، ونعمة مثُلت بين يديك، وإن غلبتُك كانت لي اليد واستكملتُ الإمارة».

ليردّ عليه «ابن تاشفين» برسالةٍ يخيّره بين ثلاثة: إما أن يعتنق الإسلام، أو يؤدي الجزية، أو القتال. وكان مما قاله «ابن تاشفين» لألفونسو السادس: «بلغنا يا أذفونش – ألفونسو – أنك دعوت للاجتماع بك، وتمنّيت أن يكون لك فُلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبةَ دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال».

ولما قرأ ألفونسو رسالة «ابن تاشفين»، ألقاها على الأرض، وقال للرسول: اذهب فقل لمولاك: «إننا سنلتقي في ساحة الحرب». وردّ على الرسالة بلهجةٍ ملؤها الغضب والغيظ والوعيد، فلما قرأ «ابن تاشفين» ردّ ألفونسو، قال: «هذا كتاب طويل، أحضر رسالة الأذفونش، وأكتُب في ظهرها: «الذي سيكون ستراه».

«ابن تاشفين» يؤخر سقوط الأندلس 4 قرون
بعد سجال الرسائل بين الأمير يوسف بن تاشفين، والملك ألفونسو السادس، أتى موعد اللقاء، ليركب «ابن تاشفين» مع جنده البحر المضرب سنة 479هـ ومع تعالي الأمواج، قام الأمير متضرعًا إلى ربه قائلًا: «اللهم إن كنت تعلم أن فى جوازنا هذا خيرة للمسلمين فسهّل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعّبه حتى لا أجوزه».

نزل الأمير يوسف – صاحب السبعة والسبعين عامًا وقتها – بالجزيرة الخضراء التي أعطاه إياها المعتمد بن عبّاد، فقام بتحصينها؛ وجعلها قاعدةً خلفيةً لقواته، وهناك وافاهُ المعتمد بن عباد، والمتوكل بن الأفطس، حاكم بطليوس؛ ليضع «ابن تاشفين» خطته لمواجهة تحالف ألفونسو.

كانت خطته مقتبسة من خطة الصحابي خالد بن الوليد في موقعة الولجة في فتوح فارس، بحيث قسَّم الجيش ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد وتضم 15 ألف مقاتل، والفرقة الثانية خلف الأولى وعلى رأسها يوسف بن تاشفين وتضم 11 ألف مقاتل، ومن بعيد تنتظر الفرقة الثالثة وتضم 4 آلاف مقاتل هم من أمهر الرماة والمحاربين.

وفي يوم الاثنين 12 رجب سنة 479هـ (1086م) دارَت المعركة الفاصلة المسماة بـ«موقعة الزلاقة»؛ بين جيش يوسف بن تاشفين و جيش ألفونسو؛ وتلقى جيش ألفونسو ضربةً قوية في هذه المعركة فأصيب ألفونسو في إحدى ركبتيه وفرّ من المعركة برفقة 500 فارسٍ فقط من أصل 80 ألف فارس.

ووصف «لسان الدين بن الخطيب» في كتابه «أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام» مشهد هروب ألفونسو قائلًا: «فارًّا لا يُهدى ولا ينام ومات من الخمسمائة فارس الذين كانوا معه بالطريق 400، فلم يدخل طُلَيْطِلَة إلا 100 فارس، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وكانت هذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة».

وقال ابن خلكان في كتاب «وفيات الأعيان» عن غنائم هذه المعركة «فلما حصلت عفّ عنها يوسف بن تاشفين، وآثر بها ملوك الطوائف، وعرَّفهم أن مقصوده إنما كان الغزو والجهاد، لا الغنائم».

وبعد انتهاء المعركة وأفول خطر ألفونسو، تلقى يوسف بن تاشفين نبأ وفاة ابنه وولي عهده أبي بكر فقرر العودة إلى المغرب، وعاد أولًا إلى إشبيلية واستراح أيامًا، ثم عبر إلى المغرب وترك من جنده 3 آلاف رهن تصرف المعتمد بن عبّاد.

عاد يوسف بن تاشفين بعدها ثلاث مرّات للدفاع عن الأندلس إثر محاولات ألفونسو الانتقام من ملوك الأندلس لتعاونهم معه، كانت آخر مرّة عبر فيها إلى الأندلس لحمايتها من الحملات الصليبية سنة 496هـ 1103م للدفاع عن مدينة بلنسية، إلى أن توفي يوم الاثنين الثالث من محرم سنة 500هـ (سبتمبر (أيلول) سنة 1106م) وقد بلغ من العمر نحو 100 عام.

بعد 4 قرون من وفاة «ابن تاشفين».. المسلمون خارج الأندلس
بعد حوالي أربعة قرون من وفاة يوسف بن تاشفين الذي حفظ ماء وجه المسلمين في الأندلس في واقعة الزلاقة التاريخية؛ وقع آخر ملوك الأندلس، أبي عبد الله الصغير، معاهدة استسلام مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا بالدموع، وبذلك انتهى الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية.

ولم يتوقّف زحف الصليبيين عند غرناطة؛ إذ سرعان ما توجهوا نحو شمال أفريقيا وسيطروا على مناطق بينها مدينة مليلية المغربية عام 1492 – السنة التي سقطت فيها غرناطة – وقبلها سيطر البرتغاليون على سبتة المغربية عام 1415 مستغلين في ذلك انهيار قوة المغرب الأقصى. ووصلت القوات الإسبانية إلى السواحل الشرقية للجزائر.

كما فعّل حاكم قشتالة وليون محاكم التفتيش؛ ما جعل المسلمين واليهود يعيشون أصنافًا قاسية من العذاب والاضطهاد الديني، فهرب آلاف المسلمين واليهود من الأندلس نحو المغرب؛ فرارًا من واحدة من أسوأ مجازر القتل والذبح والتعذيب في التاريخ؛ وقد خلد الشاعر الشهير «أبو البقاء الرندي» سقوط الأندلس بقصيدته الشهيرة التي قالها فيها:

لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ *** فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ
المصدر ساسة بوست والكاتب عبدالقادر بنمسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى