لروح الفقيد زعزاع في ذكرى رحيله..جماعة المواطن: تجربة تستعصي على الطمس(صلاحيات الملك..تازمامرت..التحالفات..)
مفاد النقاش الذي جرى، إبانه كان هو صياغة الجواب الأنسب لسؤال ما العمل لتعديل موازين القوى لصالح المشروع الديمقراطي،خاصة في سياق انهيار المعسكر الاشتراكي و موجة حقوق الإنسان اللذان أفقدا الدولة بعضا من أوراق ابتزاز الرأي العام الدولي و مراكز القرار العالمي
في مثل هذا اليوم 11ماي 2021 توفي، بالدار البيضاء، عبد الله زعزاع، وهو ناشط يساري بارز، ومعتقل سياسي سابق.، كان زعزاع من المحكومين ضمن مجموعة أبراهام السرفاتي في محاكمة 1977 الشهيرة، وكان نصيبه السجن المؤبد. وكان زعزاع ممن رددوا في قاعة المحكمة الأغنية الشهيرة « لنا يا رفاق لقاء غدا سنأتي ولن نخلف الموعد ».
نال زعزاع نصيبه من التعذيب بـ »درب مولاي الشريف »، حيث كان مطالبا بالتكتم على أسرار التنظيم الذي كان ينتمي له، أي « إلى الأمام »، من الشرطة، فيما كان مطلوبا منه بسبب ذلك، أن يتحمل وطأة تعذيب قاس.
بهذه المناسبة الحزينة نعيد نشر هذا المقال، الذي نشر في أربعة أجزاء، وهذا جزئها الأول لصاحبه خالد فضيل، حيث يعرض تجربة “جماعة المواطن” والتي كان فيها للراحل عبدالله زعزاع دورا كبير وبارزا.
رغم أن ” جماعة المواطن ” كانت قد شكلت وضعا استثنائيا و قيمة فكرية و سياسية مضافة و نقطة نظام مفصلية في تاريخ اليسار و لحظة وقوف نوعية لمسائلة الذات و الموضوع و السياق و الأخطاء و التقديرات و مناهج التفكير و العمل ، بجرعة زائدة من الجرأة و الإفصاح عن الحقائق ، إلا أنها لم تنل حظها من الإنصاف و التوثيق و التأريخ ، لا من طرف المتتبعين و لا من قبل من أسسوها و قرروا مواجهة استبداد الدولة و إزعاج أرتودكسية الكثير من فصائل اليسار و مسائلة نزوع مكونات الصف الديمقراطي نحو نهج الإيماءات و خطاب أنصاف الحقائق ، مواجهة كل ذلك بصيغ أكثر واقعية و برغماتية و حزما و مبدئية…
قبيل إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين المنتسبين لليسار السبعيني، عام 1989، كانت حلقات نقاش فكري و سياسي هام للغاية قد بدأت تتشكل و تتسع داخل السجون و في المنافي الاختيارية و الإضطرارية و على امتداد جغرافيا الوطن .
نقاش ، كان في حقيقة الأمر ، استئنافا للمراجعات الكبرى التي أقدم عليها الكثير من المناضلين ، لا خوفا من بنود الدستور و لا هلعا من فصول القانون الجنائي و لا على سبيل بعث رسائل الاطمئنان إلى الدولة، بل من منطلق إخضاع تجربة قدمت الكثير من التضحيات من أجل الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و حقوق الناس، لكنها بقيت معزولة عن الشعب و مكتفية بإصدار البيانات و ترديد الشعارات و استنتاج الكثير من المواقف الغير موفقة في علاقة مع قضايا الوطن و الناس و إطلاق أحكام القيمة على القوى الوطنية و الديمقراطية التي انتصرت،آنذاك، لخيار النضال الديمقراطي، بكل عناوينه وما يعنيه، خاصة بعد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975.
كان ، هذا النقاش ، قد أفضى في 1983 إلى تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي لعبت دورا محوريا في تطوير استراتيجية النضال الديمقراطي فكرا و ممارسة، و أسفر فيما بعد عن العديد من المبادرات النوعية التي عززت، هي الأخرى، جبهة الديمقراطيين في مواجهة الاستبداد و سلحت الممارسة السياسية بالكثير من العمق الإيديولوجي و الوضوح الاستراتيجي و التوفق في اشتقاق الشعارات و المهام المركزية لكل مرحلة، كما مكنت الفعل النضالي من كوادر تجمع بين القدرة على الإصغاء للجماهير و مهارة التأطير و الاستعداد للتضحية.
مفاد النقاش الذي جرى، إبانه ، كان هو صياغة الجواب الأنسب لسؤال ما العمل لتعديل موازين القوى لصالح المشروع الديمقراطي،خاصة في سياق انهيار المعسكر الاشتراكي و موجة حقوق الإنسان اللذان أفقدا الدولة بعضا من أوراق ابتزاز الرأي العام الدولي و مراكز القرار العالمي في المجالين الحقوقي و الجيوستراتيجي و أربكا تصور اليسار لأفق التغيير و لكل ما أنتج من خطاب حول الصراع الطبقي و التطور الحلزوني و الحزب الثوري و ديكتاتورية البروليتاريا و هلمجرا مفاهيم بدأت تتهاوى تحت تمكن النظام الرأسمالي العالمي وخلافا للمتوقع في جوهر التصور الماركسي ، من تجديد نفسه بعد الأزمات .
إستقر البعض على تمجيد الماضي و سدادة المواقف و الحديث الفضفاض عن المخزن و نوع من الازدواجية بين ما يوجد في الذهن و ما يقال في الخطاب و عاد البعض الآخر إلى مناطق النفوذ الكلاسيكية في الجامعات و ترفع جل أدباء السجون عن النزول إلى حلقات النقاش مع الرعاع و فضلوا المتابعة من بروج العاج في انتظار موعد إتضح فيما بعد أنه أتى بتكتيك من أصحاب الحال و ليس اقتناعا بمقتضيات الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية
ضمن هذه التوجهات التي برزت ، ستقرر مجموعة صغيرة من المناضلين ، إلتئمت فوق سطح منزل متواضع عنوانه 8 درب الميتر -بوشنتوف -درب السلطان بالدار البيضاء و تهمته أن القاطن فيه رجل غاية في النبل و الطيبوبة هو عبد الله زعزاع . إلتئمت المجموعة ، إذن ، و قررت أن تطلق على نفسها إسم “جماعة المواطن ” بكل ما يحيل إليه من حمولة و أن تركب الخيار الصعب ، خيار مقاربة المعضلات الكبرى للبلاد التي كان يتفاداها الجميع ، مقاربتها أمام الملإ ، بواقعية و بحزم و بإنتاج للمعرفة و دون مزايدات.
كان الهاجس هو الانفتاح على كل المواطنين و إشراكهم فيما نفكر فيه و مشاركتهم ما يتطلعون إليه حتى و لو كان سقفهم بسيطا .فسقف البسطاء حده الأدنى هو الديمقراطية الاجتماعية و مقت التسلط و إلغاء مظاهر الإذلال.كنا نتذكر عظمة الحديث النبوي ( سيروا سير ضعفائكم ) و نكتشف من جديد اهتمام الماركسيين العرب بالتراث و ندرك قيمة حسين مروة و عابد الجابري و مهدي عامل و الطيب التيزيني و جورج طرابشي و آخرين.
كان هذا النقاش غالبا ما يدور بين عبد الرحيم تفنوت و أحمد دابا و عبد ربه.كنا نتبادل الرأي ، نتفق و نختلف ، لكن تقديري لهذين المناضلين كان دون حدود.لقد كانا في قمة الفقر المادي و في ذروة العطاء الفكري و الميداني إلى جانب احتضانهما للمناضلين بحب عفوي يترجم نقاء الجوارح .
كان الانشغال بحقوق الناس و إشعار الرأي العام الوطني و الدولي بالفظاعات التي كانت ترتكب في حق مواطنين اختلفوا مع النظام أمرا غير قابل للتردد مهما كانت الكلفة، لذلك أقدمت ” جماعة المواطن “، ومع سبق الإصرار والترصد، على نشر الوثيقة الشهيرة عن معتقل تزمامرت الرهيب، رغم تحفظ البعض بدعوى أننا نعرض المشروع السياسي الذي كنا بصدد التأسيس له للوأد منذ البداية.كانت الوثيقة تتحدث عن أسماء بعينها قابعة وراء أسوار سجن سري تنكر الدولة وجوده و تسخر من الصحافة الدولية التي تلمح إليه.
أتذكر كيف مدني زعزاع ب 400 نسخة من العدد “القنبلة”، ساعدني في نقلها إلى محطة القطار رجل خلوق جدا كان يشتغل بقناة دوزيم و يتعاطف مع الجماعة.
الأمر يتعلق بالسيد أنس بوسلامتي الذي سيغادر القناة و البلاد بعد ذلك.
بعدها توجهت إلى كل من مكناس ، فاس ، تازة ووجدة ووزعتها على بائعي الصحف .كانوا سعداء بتلقيهم للجريدة مجانا و لم يكونوا يعلموا أنهم يساهمون في الترويج لوثيقة أقامت الدولة الدنيا و لم تقعدها حين اكتشفت أمر محتواها .
كان زعزاع يمازحنا قائلا : قد نلتحق بمعتقلي تازمامرت في غضون أيام و على الرفاق البعيدين عن أهلهم أن يودعوا عائلاتهم تحسبا لأي طارئ .