الرئسيةذاكرةشواهد على التاريخ

إلى روح الفقيد زعزاع..جماعة المواطن: تجربة تستعصي على الطمس(صلاحيات الملك..تازمامرت..التحالفات..) الحلقة2

فهمنا بعد تقييمنا لتعامل الأجهزة مع المنابر الإعلامية و الخرجات الجماهيرية و مواقفنا السياسية أن الدولة تمقت الخطاب الإصلاحي الحازم و لا تلتفت للخطاب العدمي الأجوف لأن خطاب الإصلاح الحازم قد تلتف حوله الجماهير و القوى الديمقراطية على اختلاف مشاربها

فضيلي
بقلم خالد فضيل

رغم أن ” جماعة المواطن ” كانت قد شكلت وضعا استثنائيا و قيمة فكرية و سياسية مضافة و نقطة نظام مفصلية في تاريخ اليسار و لحظة وقوف نوعية لمسائلة الذات و الموضوع و السياق و الأخطاء و التقديرات و مناهج التفكير و العمل ، بجرعة زائدة من الجرأة و الإفصاح عن الحقائق ، إلا أنها لم تنل حظها من الإنصاف و التوثيق و التأريخ ، لا من طرف المتتبعين و لا من قبل من أسسوها و قرروا مواجهة استبداد الدولة و إزعاج أرتودكسية الكثير من فصائل اليسار و مسائلة نزوع مكونات الصف الديمقراطي نحو نهج الإيماءات و خطاب أنصاف الحقائق ، مواجهة كل ذلك بصيغ أكثر واقعية و برغماتية و حزما و مبدئية…

الحلقة الثانية…الدولة تمقت الخطاب الإصلاحي الحازم و لا تلتفت للخطاب العدمي الأجوف

كنت قد التقيت بعمر الزيدي أثناء تهييء اللجنة التحضيرية لتأسيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتازة، و على هامش ذلك تحدثنا بخصوص نشر رسالة معتقلي تزمامرت.

كان هو المدير المسؤول لجريدة المواطن، لكنه لم يكن متفقا مع تلك الخطوة و اعتبرها مجازفة لا تخدم مقتضيات الحرص على عدم تعريض المشروع السياسي المنشود للمصادرة.ك

ان رأيه نابعا من تقدير سياسي جدير بالاحترام رغم أنني كنت مع الرأي الداعي إلى وضع اليد على كل الطابوهات.أقر لي أنه سيستمر إلى حين مرور ما قد ينجم عن العدد من تداعيات حتى لا يقال انه لم يتحمل كافة مسؤولياته، ثم سيبتعد عن الجماعة بعد ذلك.

لقد اعتقدت دائما أن وجود مبدئية عبد الله زعزاع و براغماتية عمر الزيدي في تنظيم واحد مفيدة جدا لدينامية التنظيم و أدائه في الساحة الوطنية، و لا أخفي أنني و بحكم قربي منهما، عملت دائما على إيجاد توليفة تضمن دوام بقائهما معا، لكن يبدو أنني لم أوفق في ذلك لا في جماعة المواطن و لا في الحركة من أجل الديمقراطية فيما بعد.

كنا نجد صعوبة كبيرة في الحصول على الجريدة من المطبعة، فقد كانت التعليمات و الهواتف تتحرك مع كل عدد.

في إحدى المرات و نحن نخوض شبه معركة أمام مطبعة مقابلة لمطعم بوليو (Beaulieu) بعين السبع، سمعنا من يقول أنهم ينتظرون أوامر الحاج قبل تسليمنا العدد. فهمنا، فيما بعد، أنه كان يتحدث عن عميد الاستعلامات العامة لعمالة عين السبع -الحي المحمدي و الذي لم يكن وقتها سوى السيد ثابت الذي ستنفجر قضيته المعروفة شهورا بعد ذلك.

كانت صحافة المواطن التي لا تكتب سوى عن صلاحيات المؤسسة الملكية و عن متطلبات الديمقراطية و حقوق الناس و التحالفات و عن التوزيع العادل للسلطة و الثروة و أشياء تدخل في صميم استراتيجية النضال الديمقراطي، كانت تلك الصحافة تمنع العدد تلو العدد و الإسم تلو الإسم، في وقت كان هناك من ينشر عشرات المقالات عن النظام المخزني اللاوطني و اللاديمقراطي و اللاشعبي و لا يتعرض لأدنى المضايقات.

فهمنا بعد تقييمنا لتعامل الأجهزة مع المنابر الإعلامية و الخرجات الجماهيرية و مواقفنا السياسية، أن الدولة تمقت الخطاب الإصلاحي الحازم و لا تلتفت للخطاب العدمي الأجوف، لأن خطاب الإصلاح الحازم قد تلتف حوله الجماهير و القوى الديمقراطية على اختلاف مشاربها، في حين أن خطاب العدم سيراوح مكانه في عتمات العزلة و التحدث مع النفس داخل جدران القاعات المغلقة .

حينما كانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ترتب لمؤتمرها الثالث المنعقد سنة 1991، حل عليها مدعوان من جمعية العمال المغاربة بفرنسا ( ATMF) هما محمد واشكرادي و علي الباز، إلا أن الأجهزة الأمنية اعتقلتهما .

كان إسم محمد واشكرادي قد سبق و أن تصدر لائحة سوداء عممتها وزارة الداخلية. أثناء استنطاقه تم سؤاله عن علاقته بي، حاول أن يؤكد على طابعها العائلي باعتباره إبن عمتي، إلا أن محدثيه كان لهم رأي آخر …بعد الإفراج عنه بضغط حقوقي كبير و لاعتبارات لها علاقة بحملة تضامن واسعة في أوروبا، عقدنا لقاء بمنزل عبد الله زعزاع و أثيرت مخاوف جدية مما يمكن أن أتعرض له.كان تخمين زعزاع أن الأجهزة ستتريث، لكنها ستوجه الضربة في الوقت المناسب و اقترح أن أحرق كل أوراقي مع الدولة حتى يصبح أمر استهدافي قرارا مركزيا و مكلفا سياسيا و حقوقيا و إعلاميا. إقتنعت برأيه و كان ما كان إلى حدود الآن.

ستأخذ علاقتي بجماعة المواطن منحى آخرا بعد نقاش جرى رأسا لرأس مع زعزاع، مكنني من إعادة تقييم الموقف كاملا و إدراك المهام الملقاة على عاتق هذا النوع من الفعل السياسي و الإعلامي.

أصغيت إليه بإمعان و هو يحدثني عن  اللعب فوق خطوط التماس و كيف يجب أن نفعل كل شيء فوقها و المترصدون ينتظرون أن نخرج الكرة ليصفروا اعتقالا أو ما كانت تسمح به سنوات الجمر و الرصاص .كان يؤكد أنه بمقدورنا توسيع هوامش الفعل السياسي إن حرصنا على إحراج خصوم الديمقراطية في كل القضايا دون منحهم فرصة التصرف … ، دون إخراج الكرة من الملعب.

كنت مندهشا من قدرة هذا الرجل على التفكير العميق و التحمل و نثر الأمل و حب الآخرين رغم صرامته التي صقلها اعتناقه لقضايا البسطاء و سادية الحجاج و قساوة السجون. أدركت إذاك كيف فرض مكانا في قيادة ” إلى الأمام ” إلى جانب نخبة النخب و الأطر المتخرجة من أعتى المعاهد .لطالما اعتبرت أن من أبرز ما توفقت فيه ” إلى الأمام ” هو أن يكون بروليتاري ضمن قادتها البارزين.

إنتبهت ” جماعة المواطن ” إلى أمر بسيط لكنه عميق جدا و له وقع بالغ على التوازنات السياسية و موازين القوى، فبدأت في شن نوع من الغارات الخاطفة على الخطوط الحمراء المتقدمة التي كانت تتناسل و تتناسل بفعل هيمنة المجال السياسي التقليدي القادم من طقوس عمرها قرون، على حساب هوامش كان يتيحها مجال سياسي حديث حدده دستور 1962، الممنوح بقوة الجمر و الرصاص و الفصل التاسع عشر و رددته دساتير 1970 و 1972 بنفس النسق و النفس السلطويين .

يتبع…

 

للمزيد…

لروح الفقيد زعزاع..جماعة المواطن: تجربة تستعصي على الطمس(صلاحيات الملك..تازمامرت..التحالفات..) الحلقة1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى