الرئسيةرأي/ كرونيك

كوكاس يكتب: بعد مؤتمره العام.. فرصة نادرة لعودة حزب علال الفاسي للمصالحة مع مجده التاريخي

الكوكاس
بقلم الاعلامي والكاتب عبدالعزيز كوكاس

بعد أن انتهى مؤتمر حزب الاستقلال الموسوم انعقاده بتحديات تنظيمية داخلية وأخرى وضعت الحزب في سياق المجهر العام للمراقبين والمحللين، ل ليس فقط بسبب مجده التاريخي التليد ولكن أيضا لموقعه المركزي في المشهد السياسي.. انتهى المؤتمر الوطني، وعاد الاستقلاليون والاستقلاليات إلى قواعدهم سالمين، لكن غنيمتهم لم تبرز بعد، إذ لم يستكمل الحزب بنياته التنظيمية، خاصة لجنته التنفيذية، إنه نصف انتصار نظرا لحجم الرهانات التي طُرحت على المؤتمر العام الذي كان مشوبا بصراعات حادة وبلوكاج تنظيمي ميّز مرحلة هامة من مسار حزب الاستقلال منذ انتخاب حفيد علال الفاسي أمينا عاما له، وكان مطروحا عليه، أن يرتق الماضي الاستقلالي المجيد بلحظة لم يعد أحد من المراقبين ولا من المواطنين العاديين قادرين على تصنيف الحزب العتيد خلال مرحلة شباط التي أنهكت حزب الاستقلال تنظيميا وسياسيا..

نجح الاستقلاليون والاستقلاليات في كسب الرهان الأكبر، أنه لم ينفرط حبل شملهم، واتفق كل الفرقاء على حد أدني للتعايش يسمح لهم بأن يستمروا بتقاسم سقف ذات البيت وإن باختلاف بيّن في وجهات النظر أو في المصالح والمواقع على الأقل.. نجح نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال في تأمين مروره نحو التتويج بشكل مريح في زمن صعب وبرهانات غير مسبوقة، لم تنته أشغال المجلس الوطني، ولم ينفض جمع أكبر مؤسسة تنظيمية في الحزب العتيد، لكن نزار بركة عبّد طريقه بشكل سلس نحو ولاية آمنة برغم صعوبة الرهانات التي يعي كبر حجمها وقوتها بعد أن نجح في الدفع نحو انعقاد أكبر استحقاق في حزب الاستقلال، ظل يتأجل لشهور طويلة بحكم التدافع والصراع الذي شمل كل بنياته التنظيمية.

انصرف الاستقلاليون والاستقلاليات إلى حال سبيلهم بعد أن توجوا حفيد زعيم حزبهم بسلام وسلموه القياد والانقياد، إذ خارج مؤسسة المجلس الوطني، لا أحد يمتلك شرعية تنظيمية أقوى من نزار بركة المنتخب بالإجماع أمينا عام لحزب الاستقلال.. وهو ما يعتبر فرصة تاريخية أمام الحزب العريق للتصالح مع جمهوره وقاعدته الاجتماعية وزبنائه السوسيو ديمغرافيين والتوجه لبناء أداة حزبية للمستقبل.. فهل ينجح نزار بركة في رفع التحدي؟

هل يكون نزار بركة في مستوى ربح الرهان؟

يمتلك الأمين العام لحزب الاستقلال اليوم كل الشرعية التنظيمية والسياسية لحل العقد المتراكمة تنظيميا وسياسيا، أولها هل ينجح أن يصبح أمينا عاما لحزب الاستقلال، وأن يمثل كل الاستقلاليات والاستقلاليين حتى أولئك الذين قد تكون سيوفهم مع معاوية وقلوبهم مع علي؟ هل يتحول إلى رمز موحد كما ظل علال الفاسي دوما، وأن يفتح الحزب على تعدد التيارات لا الهوائية courant d’air بل تلك المبنية على تعدد الرؤى واختلاف وجهات النظر؟ خاصة وأنه منتخب وحيد من المؤتمر العام من طرف كل الاستقلاليات والاستقلاليين.

لقد دشن زعيم حزب الاستقلال الأوحد من حيث امتلاك الشرعية حتى اللحظة، سلسلة من المشاورات مع المؤسسات والهيئات التنظيمية، وهو فعل ديمقراطي محمود، لكن سيظل بلا معنى إذا ما تخلى عن حكمته وبدأ في التشطيب على مخالفيه ومعارضيه، أكيد أن نزار بركة، وهذا مفخرة لحزب الاستقلال ليس هو حميد شباط، ورجل متعفف عن المسؤوليات وما تدره من مكاسب مادية، وصفحته نقية من حيث صفاء ذمته المالية والأخلاقية، لكن هذه فرصة تاريخية ليثبت وفاءه لأصوله الباذخة، ليس بالسلطة والإقصاء ولكن بالحكمة والإنصاف، وحسن تدبير ما لديه من عناصر اللعبة السياسية والتنظيمية.

إنه وحده اليوم وبنص القانون الأساسي للحزب كما صودق عليه بالإجماع خلال المؤتمر ، من يملك مفاتيح صعود أعضاء اللجنة التنفيذية، ولديه كل الخيارات ليأتي بالأصدقاء والزبناء والحواريين إلى قيادة حزب الاستقلال، لكن حكمته ستتمثل أساسا في لمّ الشتات، والفك التدريجي للارتباطات حول أشخاص بدل التنظيم أو الفكرة أو المبدأ.. يملك حزب الاستقلال اليوم إذا ما وعت كل الأطراف أهمية اللحظة، فرصة المصالحة مع ماضيه والانفتاح على أطر شابة وتفعيل بعد ميثاق حسن السيرة والسلوك وإبعاد المفسدين من دائرة القرار، لا يمكن القبول بعودة ذات الوجوه بمنطق تدبير الإكراهات والتوافقات.. لقد منح الاستقلاليون والاستقلاليات إجماعا غير مسبوق لزعيم حزبي، وعليهم معاضدته في استكمال باقي بنيان الصرح التنظيمي ببعد توافقي ولكن بصرامة أخلاقية ومبدئية أيضا، صحيح أن الأمر حدث في تنظيمات أخرى، ولكن نحن نتكلم عن حزب الاستقلال لا عن أحزاب آخر ساعة..

يملك حفيد علال الفاسي كل المفاتيح ليقود حزب الاستقلال بأمان للمصالحة مع ماضيه وبعث حزب ما قبل مرحلة شباط، وبناء حزب المستقبل عبر استعادة المناضلات والمناضلين الذين ابتعدوا عن الحزب بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وامتلأ قفة الحزب بالكثير من السمك الفاسد، وأمامه أيضا فرصة تاريخية للمصالحة بين أجيال متباينة داخل حزب الاستقلال، كيف يفهم القدامى من مناضلي “نخلة باب الحد” أن تجدد شرايين حزب الاستقلال يقتضي الانفتاح على طاقات شابة، وأن يتحول الحزب إلى مركز جذب للطاقات التي يعج بها المجتمع، ومشتلا لصناعة الأطر واستنباتها، وفي ذات الآن يقنع الوافدين الجدد على حزب الاستقلال أن التأهيل التنظيمي والوفاء لقيم ومبادئ حزب الاستقلال لا تعاكس طموحهم نحو الترقي الاجتماعي.

شخصية الزعيم وطابع قيادة الحزب

يجمع نزار بركة بين ملمحين أساسيين في القيادة الحزبية داخل الأحزاب المغربية العتيدة ذات الامتداد الاجتماعي، أولها أنه ليس طارئا على التنظيم الحزبي.. إنه حفيد علال الفاسي، وثانيها أنه الشخصية الوحيدة المنتخبة بالإجماع من المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال، بالإضافة إلى المجلس الوطني أعلى هيئة تنظيمية بعد المؤتمر العام، لذلك لا يحس الاستقلاليون والاستقلاليات بفراغ الرأس الحزبي، ومع ذلك فالأمر ليس هينا في حزب ذي تركيبة عجينية كما حزب الاستقلال.. ومهام نزار بركة ليست بالسهولة التي يعتقد الكثيرون ممن ارتاحوا لوجود شخص موحد لا منتقم، شخص متعفف عن المغانم المادية البخسة، شخص مقبول لدى الدولة ولدى الفرقاء السياسيين أجمعين.. زعيم ذي تكوين عالي وأخلاق معترف بها لدى كل الأطراف داخل حزب الاستقلال وخارجه، وهو ما افتقدناه في اللعبة السياسية بالمغرب.

حمدي ولد الرشيد ابن الحزب، قيوح ابن الحزب، لكيحل ابن الحزب تربية ونضالا… وأخرين حتى ممن أساؤوا التصرف في وقت سابق، كلهم برغم الاختلافات في المصالح المادية والآنية يجب أن يكونوا ضمن تشكيلة قيادة الحزب، ولكن لا يمكن الارتهان إلى نفس توافقات الماضي، لقد منح المؤتمر العام ورقة رابحة للأمين العام لحزب الاستقلال لتجاوز حالة البلوكاج التنظيمي، لكن أوكله أيضا مهاما استثنائية كرجل مرحلة ليعيد لحزب الاستقلال توهجه وألقه خاصة في ظل خصاص الوسائط وضعفها وفقدان مصداقيتها.. وفي مقدمة ذلك تفعيل ميثاق التخليق لكي لا يبقى حبرا على الورق، ويقدم أطرا غير مشكوك في مصداقيتها، واللهم لا تخيرنا فضرار..

لكن هذه المهام الكبرى ليست مطروحة فقط على عاتق نزار بركة، إنها مهمة موكول القيام بها لكل المناضلين الشرفاء وسط حزب الاستقلال، وأيضا كل من خلصت نياتهم وصفت ذمتهم المالية والأخلاقية وسط الحزب، فقد آن الأوان لتتكاثف كل الأيادي من أجل وحدة الصف وإعادة المصداقية للعمل الحزبي، وتجاوز منطق القبيلة والغنيمة.

ملحوظة فقط:

لقد كتبت هذا النص بحرقة ولوعة فيها بعض من حنيني الماضي وبعض من الصدق العاطفي الذي قد يجعلني بعيدا عن الصدق الموضوعي المفروض في الكاتب الصحافي، وذلك لأنني أحس بحرارة اللحظة التاريخية التي لا يجب أن يضيعها حزب الاستقلال، وبنبل من أوكله الاستقلاليون الذين تربطني بهم وشائج شتى، لنزار بركة المجمع حوله للإنجاز التاريخي الممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى