فيضانات الجنوب الشرقي.. تكرار لمأساة الحوز وتذكير باستمرار المغرب المنسي و الكوارث الطبيعة باتت أكبر معارض للدولة
أعاد مشهد الدمار الذي عاشه سكان الجنوب الشرقي بفعل فيضانات 8 شتنبر 2024، صورة دمار الزلزال الذي ضرب الحوز في نفس اليوم من السنة الماضية، و إن كانت هذه المرة أقل حدة، الا ان هذه الكوارث كشفت عن معانات جزء كبير من المغرب المنسي.
عاش سكان الجنوب الشرقي للمغرب خلال الأيام السابقة، كارثة طبيعية غير مسبوقة عندما اجتاحت الفيضانات عدة مناطق: ورززات، زاكورة، تنغير، طاطا، والراشيدية، مخلّفة وراءها دماراً واسعاً وخسائر جسيمة، وكشف غضب الطبيعة عن غياب بنيات تحتية.
فبالإضافة إلى الأضرار المادية التي طالت العديد من المنازل الطينية، فقد حصدت هذه الفيضانات أرواح 18 شخصاً وأدت إلى فقدان 8 آخرين، مما يعكس حجم الكارثة التي حلت بهذه المناطق.
في هذا السياق صرح محمد ياسين، الفاعل جمعوي من زاكورة، أن العديد من المواطنين فقدوا ممتلكاتهم داخل المنازل وخارجها، بما في ذلك المنتجات الفلاحية والمواشي، كما تسببت الفيضانات في انقطاع الطرق الرئيسية، مما زاد من صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة.
من جهة أخرى تسببت الفيضانات في تعطيل شبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب والاتصالات بجماعة إمطضي بإقليم كلميم، و جرفت الفيضانات معضم حقول المزارعين، مما أدى إلى خسائر كبيرة في المنتجات الزراعية وضياع المواشي.
و أشارت تصريحات من عين المكان أن العديد من المباني تضررت، بما في ذلك المنازل والمرافق الحكومية، حيث لم تسلم المؤسسة التعليمية من الفيضانات، مما أثر على العملية التعليمية في جماعة إمطضي.
فيما خرجت ساكنة قصر بني هنيت بتاكونيت زاكورة، تحتج صباح الأربعاء 11 شتنبر 2024، على عدم تدخل الجهات المسؤولة جراء الأمطار والسيول التي عرفتها المنطقة.
وفي السياق ذاته، أدلى الإعلامي والناشط المدني رشيد البلغبتي بتصريح، مسجل عبر فيديو نشره على صفحته على الفايسبوك، لفت فيه الانتباه إلى منجم الذهب “اقا كولدمين” بإقليم طاطا التابع لشركة “مناجم”، والذي ينتج حوالي 3 أطنان من الذهب سنوياً، أي ما يعادل نحو 242 مليون دولار حسب تقرير نشره البنك الأوروبي للاستثمار بتاريخ 19 دجنبر 2000.
وشدد البلغبتي على ضرورة أن تساهم شركة “مناجم” في إعادة إعمار وتنمية المنطقة بشكل مستدام تطبيقا لمفهوم “شركة المواطنة”.
كما أشار إلى غياب تدخل الدولة قبل وقوع الكارثة، رغم امتلاكها معطيات كان من الممكن أن تساعد في الحد من الخسائر عبر إخلاء المناطق المعرضة للخطر مسبقاً.
و في ظل هذا الإغفال الحكومي، برزت أصوات النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين قاموا بنقل مباشر لمعاناة المواطنين، مطالبين الدولة بتحمل مسؤوليتها والتدخل للتخفيف عن المتضررين بما يتناسب مع حجم الأضرار، في دعوة الى توفير بنية تحتية ملائمة في المناطق المتضررة، تشمل تحسين الطرقات، تجهيز المستشفيات، وتوفير بنية مدرسية كافية ولائقة.
وطالب هؤلاء النشطاء،إضافة إلى تعويض المتضررين من الفيضانات، لمساعدة السكان على تجاوز محنتهم وكسر دائرة العزلة واللامبالاة التي تتبعها الدولة تجاههم.
في خضم هذه الطروف المزرية، كانت الاستجابة الحكومية لأزمة الفيضانات غير كافية، لقد كشفت هذه الفيضانات الوجه الحقيقي للدولة في المناطق المهمشة والمهملة، التي لطالما صنفها الاستعمار بـ”المغرب غير النافع”، وعلى الرغم من مرور عقود على انتهاء الاستعمار المباشر، إلا أن هذه المناطق لا تزال تعاني من التهميش، تماما مثلما أظهرت أحداث زلزال الحوز في شتنبر 2023 حجم الخصاص في مناطق المغرب المنسي، حيث تعاني هذه المناطق من بنية تحتية متردية، مستشفيات معدومة أو تفتقر إلى التجهيزات والطاقم الطبي، بالإضافة إلى ضعف في بنيات الاستقبال المدرسي وغياب المرافق الرياضية والترفيهية.
هذه الأوضاع تعكس عقليةََ تستفيد من مناطق المغرب وفق مصالحها الشخصية، تاركةً خلفها مواطنين يعانون من نقص حتى في أساسيات الحياة الكريمة
إن معاناة سكان الجنوب الشرقي هي تذكير قوي بأن الكوارث الطبيعية تكشف أكثر من مجرد الدمار المادي، هي تكشف عن حجم الفجوة بين الوعود والواقع في المناطق النائية من المغرب، حد اعتبرها الناشط والإعلامي رشيد البلغيثي، باتت أكبر معارض للدولة.
إن معالجة آثار الكوارث الطبيعية في هذه المناطق تتطلب أكثر من مجرد استجابة سريعة، بل تحتاج إلى إعادة تقييم جذرية للتعامل مع مشكلات التهميش والبنية التحتية الضعيفة، وتقتضي أيضا عدالة مجالية تعيد بعضا من التوازن بين كل مناطق المغرب، كما تقتضي إعادة ترتيب أولويات المغرب لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
إن الاستجابة الفعالة والاهتمام الجاد بمعاناة المواطنين هي السبيل الوحيد لبناء الثقة بل هي أيضًا ضمان للعدالة الاجتماعية، والمجالية والاهتمام الحقيقي بكل أقاليم البلاد.