شهدت أسعار لحوم الدواجن في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معظم الأسواق الوطنية، حيث أصبح هذا الارتفاع مصدر قلق حقيقي لدى المهنيين والمستهلكين على حد سواء.
ففي ظل هذه الزيادات المتصاعدة، حذر خبراء ومهنيون في قطاع تربية الدواجن من تأثير سلبي مباشر على القدرة الشرائية للمواطن المغربي، الذي أصبح يعاني من الضغوط المتزايدة في تأمين المواد الأساسية.
بحسب مصادر مطلعة، وصلت أسعار الدجاج في أسواق الجملة إلى 20 درهماً للكيلوغرام الواحد، بينما تجاوزت في أسواق التجزئة الـ 22 إلى 23 درهماً للكيلوغرام.
هذه الأسعار الجديدة جاءت لتزيد من العبء على المستهلك المغربي، الذي يعتمد بشكل كبير على لحوم الدواجن كمصدر أساسي للبروتين، نظراً لكونها تعتبر من بين الخيارات الأقل تكلفة مقارنة باللحوم الحمراء التي تعرف هي الأخرى ارتفاعات مستمرة.
في هذا السياق، تشير العديد من المصادر المهنية إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه الزيادة يعود إلى دور “الشناقة” أو الوسطاء الذين يتحكمون في سلسلة التوريد من المنتج إلى المستهلك، و ذلك من خلال تضييق العرض وزيادة تكاليف الانتاج.
هؤلاء الوسطاء يستغلون الظروف السوقية من خلال رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، مما يزيد العبء على المواطن، وتعتبر هذه الظاهرة ليست جديدة على السوق المغربي، إذ لطالما اشتكى المهنيون من تدخلات الشناقة التي تضاعف الأسعار دون مبررات اقتصادية واضحة
وأضافت مصادر مهنية مطلعة أن أسباب هذا الارتفاع في أسعار لحوم الدواجن يعود لعدة عوامل مترابطة إضافة لدور الشناقة ، أول هذه العوامل هو “ارتفاع الطلب” على الدواجن، حيث يزداد استهلاك المواطنين لهذا النوع من اللحوم في ظل تراجع قدرتهم على شراء أنواع اللحوم الأخرى الأكثر تكلفة، كما أن “تراجع الإنتاج” خلال هذه الفترة من السنة يلعب دوراً كبيراً في اختلال التوازن بين العرض والطلب، حيث تشهد هذه المرحلة انخفاضاً في كميات الدواجن المتاحة بسبب تراجع عدد المربين النشطين.
علاوة على ارتفاع أسعار الأعلاف التي تشكل العامل الأبرز في هذه المعادلة، فقد شهدت الأعلاف الموجهة لتغذية الدواجن ارتفاعات متتالية خلال الأشهر الأخيرة، مما أثر بشكل مباشر على كلفة الإنتاج.
ووفقاً لنفس المصادر المهنية، فإن أسعار الأعلاف تعد من أكبر التحديات التي تواجه المربين حالياً، إلى جانب “أثمنة الكتاكيت” التي سجلت بدورها زيادات ملحوظة، مما اضطر عدداً من المربين إلى التوقف عن نشاطهم في تربية الدواجن، وهو ما أدى بدوره إلى تقليص العرض المتاح في السوق.
إن هذه الزيادات المتواصلة في أسعار لحوم الدواجن تثير تساؤلات حول مدى قدرتها على الاستمرار في توفير بديل ميسر للمواطنين ذوي الدخل المحدود، الذين يعانون بالفعل من ارتفاع أسعار معظم المواد الغذائية الأساسية، وتكمن المشكلة في أن الارتفاعات المتكررة في أسعار الدواجن قد تدفع المستهلكين إلى تقليص استهلاكهم منها، مما قد يزيد من حجم التوترات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن توفر التوازن الغذائي الملائم.
وفي المقابل، يحذر المهنيون من أن استمرار هذه الوضعية دون تدخل حكومي فعّال ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة، حيث يتوقع أن يشهد القطاع مزيداً من الانكماش في العرض، وبالتالي استمرار ارتفاع الأسعار، كما أن توقف العديد من المربين عن مزاولة نشاطهم يهدد استقرار السوق، مما يتطلب حلولاً عاجلة لضمان استمرارية الإنتاج بأسعار معقولة.
هذا و يؤكد المهنيون على ضرورة إعادة هيكلة قطاع تربية الدواجن من خلال دعم المربين وتوفير تسهيلات في ما يتعلق بتكلفة الأعلاف، خاصة وأن المغرب يعتمد بشكل كبير على الاستيراد في هذا المجال، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.
ويطالبون بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من الضغط على المنتجين الصغار، والعمل على دعم استقرار الأسعار بشكل يضمن استمرارية الإنتاج مع الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.
من جهة اخرى يمكن للحكومة التي ترفع شعار الدولة “الاجتماعية” أيضًا النظر في إجراءات رقابية أكثر صرامة على سلاسل التوريد، لضمان عدم استغلال الوضع من قبل الوسطاء.
وفي إطار مسؤوليتها “الاجتماعية”، يُنتظر من الحكومة وضع خطط واضحة لحماية الفئات الأكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار وضمان استقرار السوق في فترات الأزمات