الرئسيةسياسة

“سيارات المصلحة”.. من أدوات لخدمة المواطن إلى وسائل للجاه المحلي والأغراض الشخصية

أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرًا حديثًا يسلط الضوء على تجاوزات في تدبير حظيرة سيارات الجماعات الترابية بالمغرب، مع تقديم توصيات لتجاوز او الحد من هذا الوضع.

تحرير: جيهان مشكور

كشف المجلس الأعلى للحسابات عن إحدى الظواهر المستمرة التي تستحق الوقوف عندها طويلًا، و تتمثل في تطبيع منتخبين مع “ريع سيارات المصلحة”.

في زوايا الجماعات الترابية، وعلى طرقات المدن والقرى، لا تزال “سيارات المصلحة” تتجول وكأنها تردد أغنية “في غياب الرقابة، كل شيء مباح”، تلك السيارات التي كان يُفترض أن تكون عصب العمل الإداري لخدمة المواطنين، تحولت إلى “وسائل راحة شخصية” لعدد من المنتخبين، في مشهد يختزل أزمة الحكامة وانفلات الرقابة عن المال العام.

منذ 1998، حين صدر منشور الوزير الأول داعياً إلى تنظيم استخدام سيارات المصلحة، لم ير المواطن المغربي شيئاً سوى وعود تلاشت في أدراج البيروقراطية، خمس وعشرون سنة مرت، وما زلنا نعيش على وقع العشوائية نفسها، بل إن الأمر استفحل لدرجة أن المجلس الأعلى للحسابات قرع ناقوس الخطر، مشيراً إلى أن أكثر من 33% من حظيرة السيارات تُخصص لأوامر مأمورية دائمة، هذا المصطلح الإداري الذي يبدو أن البعض يترجمه إلى “سيارة خاصة بتمويل عمومي”.

ولأن التفاصيل تكشف المستور، فإن هذه السيارات التي تموّل من جيوب دافعي الضرائب لا تُستخدم في خدمة الصالح العام كما يُفترض، بل تتنقل بحرية مريبة بين الأسواق الشعبية، ومراكز التسوق، وربما الشواطئ في عطلة نهاية الأسبوع، ما يثير السخرية، بل المرارة، أن المواطن نفسه الذي يمول هذه السيارات والتي انتقلت من سيارات عادية للخدمة إلى سيارات فارهة لتباهي(من أموال الضرائب) الذي يقف عاجزاً أمام المطالبة بحق استغلالها لمصلحته طبقا للقانون .

المفارقة الكبرى أن هذه الممارسات تجري تحت أنظار الجميع، فتقارير المجلس الأعلى للحسابات توثق التجاوزات بالأرقام، والصحافة تسلط الضوء على الانفلاتات المتكررة، والمواطنون يرونها بأم أعينهم، ومع ذلك، تظل الأمور على حالها، أما السبب، فربما يكمن في غياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذا الملف، أو في محاولة خلق نوع من تطبيع الجميع مع هذه الظاهرة، وكأنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من “الثقافة المؤسسية”.

ليس الأمر مجرد سيارات تجوب الطرقات بلا هدف، بل المسألة أعمق بكثير، فهي تعكس أزمة هيكلية في إدارة المال العام وترسيخ قيم المسؤولية والمحاسبة،.
كيف يُعقل أن يستمر غياب إطار قانوني ينظم حظيرة سيارات الجماعات لعقود؟ هل هو مجرد إهمال، أم أن هناك من يخشى المساس بـ”مكتسبات” اعتاد البعض على اعتبارها حقاً مكتسباً لا يقبل النقاش؟

في ظل هذه الفوضى، يبقى المواطن هو الضحية الأولى، يدفع ضرائب يأمل أن تتحول إلى خدمات حقيقية، ليجد نفسه يشاهد سيارات المصلحة تنقل عائلات المسؤولين إلى مناسبات خاصة، أو تُستخدم كرمز للوجاهة في مدن وقرى لا تزال تفتقر إلى أبسط ضروريات العيش الكريم.

ولأن القاعدة تقول إن غياب الرقابة يولد الاستغلال غير المشروع، فإن غياب نظام صارم لإدارة هذه السيارات جعلها أداة للترف، بدل أن تكون وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، والأدهى أن هذا الوضع يتناقض تماماً مع الشعارات الرسمية التي تردد الحديث عن الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لتبقى هذه القيم حبيسة الخطابات، بينما الواقع يروي قصة أخرى.

في النهاية، تظل سيارات المصلحة شاهداً صامتاً على عقلية الريع المؤسسي التي استوطنت بعض دواليب الإدارة، لتتحرك بحرية أكبر من القانون نفسه، وكأن هذه السيارات، بغياب الرقابة، تحمل رسالة واحدة مفادها: “المصلحة.. لمن يدفع أكثر!”، وفي تقرير سابق، تم الإشارة إلى أن الجماعات الترابية وحدها تُنفق مئات الملايين من الدراهم سنويًا على سيارات المصلحة.

إن تكلفة ميزانيات الإدارات، بما في ذلك النفقات المتعلقة بسيارات المصلحة، تختلف حسب طبيعة الإدارة، حجمها، وميزانيتها العامة. وفي السياق المغربي، تشير التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات ومصادر مالية إلى أن جزءًا مهمًا من الميزانية يُخصص لتدبير سيارات المصلحة.

وفيما يلي التوصيات الاساسية للمجلس:

وضع إطار قانوني وتنظيمي شامل:

دعا المجلس وزارة الداخلية إلى تطوير إطار قانوني وتنظيمي متكامل وحديث لتنظيم إدارة حظيرة السيارات والآليات، يشمل تحديد مكوناتها ومعايير تخصيصها واستعمالها.

تحديد معايير واضحة لتخصيص السيارات:

أكد التقرير على ضرورة وضع معايير واضحة وملزمة لتخصيص السيارات، لضمان استخدامها في الأغراض المهنية فقط والحد من الاستغلال الشخصي.

اعتماد سياسة اقتناء فعّالة:

أوصى المجلس باعتماد سياسات اقتناء تراعي الاقتصاد والفعالية، بناءً على الحاجيات الحقيقية وأولويات العمل الجماعي، لتجنب التوسع غير المبرر في أسطول السيارات.

تحسين تدبير الصيانة:

شدد التقرير على أهمية تحسين تدبير الصيانة، من خلال اعتماد برامج سنوية للصيانة وتوفير أدلة خاصة بمساطر الصيانة، لضمان الحفاظ على السيارات والآليات في حالة جيدة.

توفير مرائب مستوفية لشروط السلامة:

أشار المجلس إلى ضرورة توفير مرائب تستوفي معايير السلامة، بما يضمن الحفاظ على ممتلكات الجماعات واستمرارية تقديم الخدمات للمواطنين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى