الرئسيةمجتمع

التأمين الإجباري على السكن في المغرب: حماية للمواطن أم عبء جديد يثقل كاهله؟

في خطوة جديدة قد تغير واقع التأمين في المغرب، تعمل الهيئة المغربية لمراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS) على دراسة فرض التأمين الإجباري على السكن.

هذه المبادرة، التي توصف بأنها ضرورية لتعزيز الحماية المالية للأفراد، تستند إلى دراسة متخصصة أجرتها الهيئة بالتعاون مع مكتب استشاري في الهندسة الاكتوارية “ARM “Consultants، تهدف إلى تقييم الاحتياجات الفعلية للسوق المغربي، وتحليل المخاطر التي تهدد المنازل، واستعراض التجارب الدولية المشابهة لتطوير استراتيجية وطنية تتماشى مع السياق المحلي.

ورغم أن ظاهر هذه الخطوة يبدو حماية لممتلكات الأفراد في مواجهة الكوارث والمخاطر، إلا أن التوقيت والسياق يثيران تساؤلات عميقة حول ما إذا كان هذا القرار يخدم المواطن أم أنه أداة جديدة لامتصاص دخله المحدود اصلا في ظل واقع معيشي ضاغط.

يعاني المواطن في المغرب، من تبعات ارتفاع تكاليف المعيشة، و يشهد فجوة واسعة بين الطبقات الاجتماعية، مما يجعل تنفيذ أي قرار يمس جيب المواطن قضية شائكة، فهل يمكن اعتبار التأمين الإجباري خطوة مدروسة بالفعل؟ أم أنها محاولة لتوسيع قاعدة شركات التأمين على حساب الطبقة المقهورة؟

التأمين على السكن في المغرب ظل اختيارياً لعقود، ومع ذلك، لم تحظ هذه الخدمة بالإقبال المطلوب. رغم التوصيات المتكررة بأهميته لحماية الممتلكات من مخاطر الحرائق، الفيضانات، والسرقات، فإن قلة الوعي بأهميته وارتفاع التكلفة النسبي جعلا منه خدمة نُخبوية إلى حد كبير.

فأسعار الباقات التأمينية تتراوح بين 300 و500 درهم سنوياً للباقات الأساسية، وقد تصل إلى 1000 درهم عند إضافة ضمانات إضافية، في حين تتجاوز 3000 درهم حسب المساحة و القيمة المصرح بها للسكن و للاثاث و ما إلى ذلك، ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو متواضعة للبعض، إلا أنها تمثل عبئاً على العديد من الأسر التي تكافح لتغطية نفقاتها الأساسية.

في هذا السياق، تحاول الهيئة استلهام تجارب دولية لإقرار استراتيجية تأمين إلزامي تتلاءم مع الوضع المغربي، لكن ماذا عن الخصوصيات المحلية؟ هل يمكن ترجمة هذه التجارب إلى حلول واقعية تراعي القدرات الشرائية للمواطن؟ التحدي يكمن في كيفية ضمان أن تكون هذه الخطوة وسيلة لتعزيز العدالة الاجتماعية، وليس مجرد وسيلة جديدة لتحقيق أرباح شركات التأمين.

المنتقدون لهذه الخطوة يرون أنها تأتي في وقت يعاني فيه المواطن المغربي من ضغوط اقتصادية هائلة، وأنها قد تزيد من فجوة الثقة بين المواطن والجهات الرسمية. فبدلاً من البحث عن حلول حقيقية لتحسين الأوضاع المعيشية وتخفيف الأعباء عن الأسر، يتم التفكير في فرض تأمين جديد، قد يُنظر إليه كأداة لامتصاص ما تبقى من ريالات في جيب مخروم، ضاربين القدرة شرائية لدى الأفراد عرض الحائط كما اعتاد المواطن في ظل الحكومة الاجتماعية.

ومع ذلك، هناك من يرى أن هذه الخطوة قد تكون ضرورة في ظل تنامي الكوارث الطبيعية والأضرار التي يتعرض لها السكن.
التأمين الإجباري يمكن أن يخفف الأعباء المالية الناتجة عن هذه الكوارث، خاصة في ظل ضعف استعداد العديد من الأسر لتحمل هذه الخسائر، لكن يبقى السؤال: هل ستُنفذ هذه المبادرة بطريقة تضمن شمولية الحماية لجميع الشرائح الاجتماعية؟ أم أنها ستظل محصورة في إطار يخدم مصالح شركات التأمين دون تحقيق فائدة ملموسة للمواطن العادي؟

في نهاية المطاف، يظل التأمين الإجباري على السكن قضية محورية تتطلب نقاشاً معمقاً حول أبعاده الاجتماعية والاقتصادية، فنجاح هذه السياسة يعتمد على مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين حماية المواطن وتجنب تحويلها إلى عبء جديد يُثقل كاهله.

وبين الطموحات الرسمية والواقع المعاش، يبقى المواطن المغربي مترقباً بحذر، متسائلاً عن الجهة التي ستحميه فعلاً: سياسات الدولة أم جيبه المثقل بالهموم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى