الرئسيةرأي/ كرونيك

هل يجعل المغرب من 2025 سنة مساءلة الأمم المتحدة؟

حميد اجماهري
بقلم الصحافي والكاتب حميد اجماهري

هل سيجعل المغرب من 2025 سنة مساءلة الأمم المتحدة بخصوص تجاوز الظلم الذي لحقه في قضية وحدته الترابية، والطيّ النهائي لقضيةٍ عمّرت نصف قرن؟ لا يجد هذا السؤال شرعيّته فقط في القلق الذي يشغل المغاربة، يخترقهم نخباً وشعباً، من خلال كلّ ما يكتب حالياً عن القضية “المُقدَّسة” للمغرب والمغاربة، بل لعلّ نبرته الأولية بادر إليها الملك محمد السادس نفسه في خطابه بمناسبة المسيرة الخضراء، في نوفمبر 2024.

وهذه النبرة كانت تُسائل الهيئة الأممية من منطق “تحمّل مسؤوليتها”، إذ اعتبر العاهل المغربي أنه “حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضّح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثّله المغرب في صحرائه، وعالم متجمّد، بعيد من الواقع وتطوراته”.

قامت هذا المبادرة/ المساءلة، في الواقع، على أسس عديدة، كما سبقتها مقدّمات أعلنها الملك في خطاب افتتاح البرلمان، كرّسه كلّياً لقضية الصحراء “باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة”. ويمكن من خلاله أن نعتبر أن الملك قام بتقدير الموقف على أساس الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، والانتقال من مقاربة ردّة الفعل، إلى أخذ المبادرة والتحلّي بالحزم والاستباقية. ولعلّ في هاته الخلاصات فكرة عن التدبير الذي اختاره المغرب مع محمد السادس لملفٍّ يعتبر، في تقدير الالتزام السياسي الوطني، ملفّاً وجودياً، وليس ملفّاً حدودياً. ومن عناصر التغيير التي حصلت العمل على تغيير موازين القوة عبر الندّية تارةً مع العواصم الفاعلة في الملفّ، وعبر الصدمة في أحايين كثيرة، كما وقع مع فرنسا وإسبانيا وألمانيا في مواجهات همّت القضية المغربية، أو عبر العمل من داخل مجلس الأمن لتغيير معايير الحلّ، لتسيير الشرعية وتحديد منطوق القضية لفائدة المغرب بإسقاط فكرة الاستفتاء شكلاً وحيداً في تقرير المصير، كما يريد الانفصاليون ذلك، وتغيير ذلك بأفق جديد ينبني على اعتبار الحكم الذاتي هو الشكل الواقعي والمقبول والسلمي لتقرير المصير، وغير ذلك لا يقبل به المغرب بتاتاً.

أهم ما حقّقه المغرب في قضية الصحراء تحويل مقترحه للحكم الذاتي صيغةً متداولةً دولياً

يضاف إلى هذا الدفع نحو تغيير الجالسين إلى طاولة المشاورات بشّأن مستقبل “الصحراء” من طرفَين فقط، المغرب وجبهة بوليساريو، إلى أربعة أطراف، المغرب والجزائر وموريتانيا و”بوليساريو”، مع تركيز الطابع الإقليمي للنزاع بين الدولتَين المغاربيتَين الجارتَين. ولعلّ أهم ما حقّقه المغرب هو نجاحه في تحويل مقترحه للحكم الذاتي صيغةً متداولةً دولياً، تحظى بالتنويه، ويُسلّم بتفوّقها على مائدة الأمم المتحدة، وفي قرارات مجلس الأمن. أمّا في ما يخصّ بأخذ المبادرة، والتحلّي بالحزم والاستباقية، فلعلّ الأكثر تعبيراً عن هذا هو الدفع بإقامة الشراكات وتبادل المصالح على قاعدة الموقف من “الصحراء”، وفي هذا المضمار، لا داعي للتردّد في القول إن جعل الإقرار بوحدة المغرب المُحرَّر قاعدةً للتعامل في مجال الشراكات الاقتصادية، وتبادل المصالح، أمرٌ غير مسبوق في المحيطين القريب والبعيد معاً.

وعادة ما كانت المصلحة الاقتصادية تبرّر كثيراً من “التردّد الدافئ في السياسة”. أمّا في مغرب محمد السادس، فقد وُضعت السيادة باعتبارها وحدةَ القياس الوحيدة في ضبط تبادل المصالح، وهو أمر زعزع كثيراً من الثوابت الثنائية في الدبلوماسية والاقتصاد، وحرّك التاريخ بالاتجاه الصحيح، كما وقع مع ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي. ولعلّ التغيير الجوهري هو الإعلان الواضح والصريح للولايات المتحدة، حاملة القلم في ملفّ الصحراء، بسيادة المغرب على صحرائه، وهو المُعطى الذي غيّر كثيراً من معادلات المنطقة الأورومتوسّطية والقارّية أيضاً.

في النقاش العمومي المغربي، كما في الخطاب المصاحب له، تعتبر دعوة العاهل المغربي لتحمّل المسؤولية من طرف الأمم المتحدة دعوةً مستقبليةً، تفتح الباب على مصراعيه لرفع الظلم الذي يستشعره المغاربة جميعاً، لكنّ صيغته العملية في النقاش العمومي تتمحور حول القضايا التالية:

أولاً، مطالبة جزء من الرأي العام بإخراج ملفّ الصحراء من مداولات اللجنة الرابعة داخل الأمم المتحدة. ولفهم المعادلة لا بدّ من الرجوع إلى ميلاد هاته اللجنة، وجدول أعمالها المنصوص عليه في قوانين الأمم المتحدة.

ومن المعلوم أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة أصدرت قرارها رقم 1467 في 03/01/1960، وبناء عليه، طالب المغرب بمغادرة إسبانيا أراضيه الجنوبية عندما بعث الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة برسالة مؤرّخة في 14/05/1960 تحت رقم 377/NU للأمين العام للأمم المتحدة، وهي الرسالة التي سيردّ عليها هذا الأخير برسالته المؤرخّة في 24/05/1960 تحت رقم TR326 حول وضع “الصحراء” المستعمرة.

وقتها كانت ثلاثة أطراف من بين الأربعة الجالسة حول مائدة المفاوضات لم تولد بعد (موريتانيا، الجزائر لم تستقلّ بعد، و”بوليساريو” لم يكن لها وجود)، كما أن المغرب سيضاعف من تحرّكاته، إذ طرح قضيته في‮ ‬اللجنة المنبثقة عن اللجنة الرابعة المكلّفة بالشعوب المُستعمَرة سنة‬ 1963، ثمّ تقدّم بـشكاية ضدّ إسبانيا أمام الهيئات الدولية سنة ‮،‬1964 متبوعة بملتمس‮ ‬بوجود نزاع على السيادة في هذه المنطقة.

وفي السنة الموالية، اتخذت ‮الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم XXI-2072 المطالب إسبانيا بإنهاء استعمارها للصحراء.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ليس التذكير بهذه النقاط المفرطة في التفاصيل القانونية هو التركيز على هذا الجانب، ولا إعطائه الصبغة المفضلة عند القانونيين، بل للقول إن الرأي العام يجد في هذا المسار والمعطيات التاريخية المرافقة له قاعدةً شرعيةً للمطالبة بسحب القضية من اللجنة الرابعة، التي تُعنى بتصفية الاستعمار باعتبار أن المغرب هو البلد الذي له الملكية الوطنية وحقوق التأليف التحرّرية، ثمّ باعتبار أن تصفية الاستعمار هذه تمت في 1975، بعد قرار محكمة العدل الدولية التي أقرّت بعلاقات بيعة وأواصر ارتباط بين الدولة المغربية وساكنة “الصحراء”.

يسعى المغرب إلى الانتقال من حصرية الأمم المتحدة في معالجة ملفّ الصحراء إلى حصرية مجلس الأمن

ثانياً، يستحضر الدفع بسحب القضية من اللجنة الرابعة قضيةً مغربيةً في تصفية الاستعمار، ضمنياً، موقفي الدولتَين المعنيتَين باستعمار المغرب (إسبانيا وفرنسا)، اللتان تزكّيان بعْدِياً مطالب المغرب بسيادته على إقليمه الجنوبي. ثمّ ترصيد الاعتراف الإسباني (دولة الاحتلال هي إسبانيا) بمغربية “الصحراء”، عبر اعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو القاعدة الوحيدة للحلّ، استدراك تاريخي يرى المغاربة أنه يجب أن يتحوّل “واقعاً قانونياً” بعد هذا التاريخ كلّه.

ولذلك يترافع المغرب بأن قضيته هي الوحيدة التي تناقش أمام هيئتَين من هيئات الأمم المتحدة هما مجلس الأمن واللجنة الرابعة، وهو ما بات المغرب يعتبره استثناءً لا مبرّر له، وعليه فإنه يسعى إلى الانتقال من حصرية الأمم المتحدة في معالجة الملفّ إلى حصرية مجلس الأمن، وينتظر أن تتخذ الأمم المتحدة القرار بذلك.
ثالثاً، المرتكز الثالث في حسم الملفّ يتعلّق بالحكم الذاتي نفسه، ومن ذلك هناك دعوات إلى تطبيق المقترح المغربي من دون انتظار تبنيه بقرار من مجلس الأمن. والحال أن هاته الدعوات يغيب عنها أن المغرب تقدّم بالمقترح في 2007 إلى مجلس الأمن، أيّ للمجتمع الدولي، أمّا داخلياً فقد نهج سياسة الجهوية الموسّعة في ترابه كلّه، ومنها ترابه الوطني في “الصحراء”. وجاء ذلك المقترح حلّاً لمأزق وجدت الأمم المتحدة نفسها فيه، بعد تعذّر تطبيق الاستفتاء وتعذر التوافق حول تنفيذه. وبالتالي، فإن المقترح بالحكم الذاتي هو اليوم عَرض لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا يمكن الانتقال إلى تطبيقه من دون اعتماده من طرف الهيئة الأممية.
ختاماً، يعتبر المغرب، على لسان ملكه، أن أمر مغربية “الصحراء” حُسِم باعتراف أزيد من 100 دولة بهذه السيادة، وبتزكية التكتّلات الجيوسياسية (الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، منظّمة التعاون الإسلامي) لها، علاوة على أهم العواصم صانعة الحدث. ولهذا، تمثّل خطابُ العاهل المغربي الآيةَ الكريمةَ عن الفتح ودخول مكّة: اليوم ظهر الحقّ، والحمد لله؛ والحقّ يعلو ولا يعلى عليه، والقضايا العادلة تنتصر دائماً. قال تعالى: “وقل جاء الحقّ وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً”. وبقي أن تنتقل الأمم المتحدة إلى تحمّل مسؤوليتها إزاء الأغلبية داخلها، التي تناصر المغرب في حقّه، وإزاء القرارات التي اتخذتها هيأتها العاملة، وكذلك إزاء التغيرات التي تحدث وتتوافق وحقّ المغرب في إقليمه الجنوبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى