
البوحسيني: تجربة عريضة مليون توقيع من طرف مناضلات منظمة العمل خلقت حملة مهمة تعبوية بهوية نسوية حول القضية النسائية
قالت الناشطة والباحثة، لطيفة البوحسيني، إن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، انطلقت في مشروعها من فكرة التأخر التاريخي، وطرحت مشروعا ديمقراطيا إصلاحيا بعناوين عريضة، والتي لخصتها في شعار مركزي هو "دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع"، والمتتبع حينها للحياة السياسية سيلمس أصالة هذا الشعار، حيث يركز ليس فقط على دمقرطة مؤسسات الدولة، ولكن أيضا على المجتمع وعلى أهمية الاشتغال في عمقه وعلى الاجتماعي والثقافي فيه، معتبرة، أي المنظمة، أن أحد أهم المداخل في هذا الجانب هو قضية النساء.
جاء ذلك، خلال المناظرة الدولية التي نظمها مركز محمد بنسعيد ايت إيدر يومي الجمعة والسبت 7 و8 فبراير بالدارالبيضاء بشراكة مع مجلة “زمان”، تحت عنوان “محمد بنسعيد ايت ايدر” مسار متعدد.
وقالت لطيفة البوحسيني في عرض لها حول تجربة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والقضية النسائية، والتي كان يشغل أمانتها العامة انداك محمد بنسعيد، بأنه ينبغي التوقف عند الاهتمام الكبير للمنظمة في تعاملها مع هذه القضية، ليس لأن باقي التيارات لم تكن تنتبه لها، وإنما لفرادة المنظمة على هذا المستوى، إذ إلى جانب حضور القضية في أدبياتها وقرارتها ووثائقها، عملت على نقل تلك المقررات والأدبيان إلى تجربة سياسية وميدانية، عبر اليات عمل يمكن تحديدها على الأقل اولا، في تأسيس قطاع نسائي شأنها في ذلك شأن باقي التنظيمات السياسية الحزبية وخاصة تجربة الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، وهو القطاع الذي كان غايته بالنسبة للمنظمة تأسيس كواد وأطر نسائية قادرة على الانخراط النوعي في الاستحقاقات الانتخابية وغيرها، ولذلك كانت المنظمة حريصة على تمثيل النساء في أجهزتها التقريرية والتشريعية، سواء على المستوى المركزي أو المحلي عبر تمثيلية وازنة وذلك قبل ظهوزر ما يسمى بالكوطا.
كما أن المنظمة، ثانيا، بادرت إلى اصدار جريدة 8 مارس في نوفمبر 1983، وهي الجريدة، التي لم تكن فقط منبرا إعلاميا، بل إنها كانت تعتبر نفسها معنية بإنضاج كافة الشروط الثقافية والفكرية، لبروز حركة نسائية جماهيرية ديمقراطية تقدمية ومستقلة، كما أنها كانت أيضا منبرا إعلاميا لتشكل هوية نسوية، وهي فضلا عن ذلك أسستها قياديات في المنظمة، وبعض الأقلام من نساء مستقلات، وبدعم واضح من المنظمة لوجستيكيا وماديا و بمساعدات تقنية من طرف من كانوا يشتغلون حينها في جريدة أنوال.
وإلى جانب الجريدة تضيف البوحسيني في مداخلتها خلال المناظرة، عملت المنظمة ثالثا، على تحفيز مناضلات على تأسيس جمعية نسائية في مارس 1987، وهي الجمعية التي حملت اسم “اتحاد العمل النسائي”، والتي سبقتها كما هو معروف تأسيس الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب من طرف حزب التقدم والاشتراكية.
وكان أهم ما قام به اتحاد العمل النسائي من معارك، والتي كان لها أثرها وصداها في المغرب،حيث انه و في سياق الحديث عن الإصلاح السياسي والدستوري في 1992، التقطن قياديات نسائية في المنظمة واللواني كن أيضا قياديات سياسية، اللحظة وطرحن حينها حملة كان عنوانها من أجل جمع مليون توقيع على عريضة بغاية إصلاح مدونة الأسرة المغربية، وبالضبط تم الاعلان عنها في مارس 1992، وفي هذا السياق، قالت زكية داود في كتابها حول الحركة النسائية، إن تلك اللحظة كانت عقد ميلا الحركة النسائية المغربية.
وأضافت البوحسيني في السياق ذاته، أن تلك اللحظة فجرت نقاشا واسعا، و الذي كان فيه من مع ومن هو ضد المبادرة والدعوة، وفي هذا الاطار اظهرت مثلا حركة الإصلاح والتجديد معارضة قوية.
وأشارت البوحسيني في المداخلة ذاتها، أنه كان الى جانب المعارضين الكثير من المساندين، حيث انه وفي وسط هذا النقاش الواسع، والذي تدخل فيه إلى جانب السياسيين، الإعلاميون ومنظمات حقوق الإنسان والمثقفين وغيرهم.. عمدت الكتلة الديمقراطية، الى ممارسة ضغط كبير على محمد بنسعيد، وأساسا من طرف حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، بهدف ان يضغط بدوره على مناضلات اتحاد العمل النسائي لإيقاف عريضة مليون توقيع، بمبرر أنها ستشوش على مسار الإصلاح السياسي والدستوري، وهو مالم يخضع له محمد بنسعيد، وبهذا الخصوص ينبغي التذكير بالمساندة البارزة لايت ايدر، و التي قام بها مولاي اسماعيل العلوي الأمين العام انداك لحزب التقدم والاشتراكية داخل الكتلة.
وأشارت البوحسيني في السياق نفسه، أنه كان من النتائج المباشرة بعد هذا الجدل والنقاش الواسعين، ولأول مرة تدخل الملك الحسن الثاني، باعتباره رئيس الدولة لاستثمار هذه اللحظة المعقدة التي تشهد من جهة تفاوضا على الاصلاح الدستوري، ومن جهة اخرى لحظة سجلت لحضور قوي للاسلام السياسي، ولحضور لافت للصوت النسائي، و ايضا حضور طبقة سياسية تعتبر قضية المرأة تدخل في حقل إمارة المؤمنيين ولا ينبغي التدخل فيها، وكان تدخل الملك اعلانا عن تشكيل لجنة برئاسة عبدالهادي بوطالب عهد اليها باقتراح تعديلات طفيفة وتقنية، بدون ان تدخل في صميم المطالب وجوهرها، والذي طالبت به الحركة النسائية المغربية انداك، وبدون أن تدخل أيضا لتمس بالفلسفة الدكورية.
في السياق ذاته، اعتبرت البوحسيني، أن قيمة تلك اللحظة أنها سيست وعلى نطاق واسع قضية النساء، ووضعتها في قلب النقاش العمومي وفي قلب الفضاء العمومي، وأنها وعلى محدودية الحدود الذي طبعت المرحلة، خلقت تعبئة مهمة، إذ لاول مرة في تاريخ المجتمع المغربي سنكون أمام حملة تعبوية نسوية حول القضية النسائية، وسنكون أمام تواجد نسائي بارز في فضاء النقاش العمومي.