اقتصادالرئسيةرأي/ كرونيك

الاقتصاد المغربي وصناعة السيارات.. ما هي حقيقة نسبة النجاح؟

تحرير: جيهان مشكور

يُقال إن المغرب بات رائداً في صناعة السيارات بأفريقيا، وإنه منصة صناعية واعدة تنافس الكبار، يقال أيضاً إننا نصنع مركباتنا بأيدينا، ونصدرها للعالم، ونحقق مليارات الدراهم من العائدات.

لكن حين نزيل الغبار عن هذه الشعارات الوردية، نجد حقيقة مختلفة تماماً: 170 مليار درهم هو رقم معاملات قطاع السيارات في 2024، ولكن المفاجأة أن المغرب، شعباً ودولة، لا يمتلك سوى 6% من رأسمال الشركات التي تحقق هذه الأرباح الضخمة، أما الحصة الكبرى، فكما العادة، ذهبت لماما فرنسا، و التي لا تزال تُرضع شركاتها من خيرات مستعمراتها السابقة، باعتراف من الاتحاد العام لمقاولات المغرب نفسه، مما يعيد إلى الواجهة تساؤلات حول الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد في هذا القطاع الحيوي.

لنعد قليلاً إلى الوراء، إلى اللحظة التي بدأ فيها المغرب يفكر في دخول عالم تصنيع السيارات، حيث تم إنشاء شركة صوماكا لتجميع السيارات بمدينة الدار البيضاء ثلاث سنوات بعد “الاستقلال” برأسمال عمومي مغربي (38%).

وبينما استوجب المنطق توسيع الدولة لحضورها في المصنع ماليا وتقنيا، بل والدخول في تجارب أخرى أكثر قيمة مضافة من حيث التصنيع ونقل التكنولوجيا، استمر المغرب في الانسحاب التدريجي من شركة (صوماكا) حتى سلمها 100% ل(رونو) عام 2005.

هكذا، و ببساطة، ومن دون أي عناء، حصلت فرنسا على مصنع متكامل، فوق أرض مغربية، وبأيدٍ عاملة مغربية، لكن بأرباح فرنسية صافية.

لم تتوقف الحكاية عند هذا الحد، ففي 2009، قررت رينو إنشاء مصنع جديد في طنجة، بما يمكن اعتباره صفقة الأحلام! إعفاءات ضريبية، أراضٍ شبه مجانية، عمالة منخفضة التكلفة إلى درجة الإحراج، وبنية تحتية حديثة ممولة من أموال دافعي الضرائب المغاربة.

كل الظروف كانت مواتية لتحقيق مشروع مربح، لكن فجأة قررت نيسان، الشريك الياباني لرينو، الانسحاب من المشروع، فوجدت الشركة الفرنسية نفسها في مأزق مالي كبير، وهنا، تدخل المغرب، لكن ليس لحماية مصالحه، بل لإنقاذ رينو من الورطة، حيث اشترى المغرب 46.7% من رأسمال “رينو-طنجة” عبر صندوق الإيداع والتدبير، ليكون المستثمر الذي يخاطر بأمواله، فيما تحصل الشركة الفرنسية على الضمانات الكافية للمضي قدماً، وفيما كان يفترض أن هذا الاستثمار سيعود بالنفع على المغرب، إلا انه لم يستمر طويلاً، ففي 2014، وبشكل غامض، قرر الصندوق بيع حصته والانسحاب، بدعوى “تغيير الاستراتيجية”، والنتيجة؟ استحوذت رينو على كل شيء، وبدأت في حصد الأرباح، بينما خرج المغرب صفر اليدين، مفرطًا في فرصة بناء قاعدة صناعية محلية تدر أرباحًا ضخمة على الاقتصاد الوطني.

اليوم، رينو تحقق 63.1 مليار درهم من الإيرادات في المغرب، ما يمثل 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

كانت هذه الأرقام ستعني شيئاً لو كان للمغرب نصيب منها، لكن الواقع أن كل هذه الأرباح تذهب مباشرة إلى فرنسا، تخيلوا، البلد الذي يوفر الأرض، الموارد، العمالة، والبنية التحتية، لا يحصل على شيء تقريباً، بينما الشركة الفرنسية، التي جاءت بأموالها فقط، تأخذ كل الكعكة! والمضحك المبكي أن المغرب لا يملك حتى نسبة 6% التي يرددها البعض، فحصة صندوق الإيداع والتدبير في مصنع بيجو-سيتروين لا تتجاوز 5%، والبقية؟ مجرد أوهام محاسبة.

ولأن المسرحية لا تكتمل إلا بنهاية رمزية، فإن من يستنزف خيرات “أجمل بلد في العالم” ليس حتى شركة خاصة، بل دولة بكاملها، ف 80% من أسهم رونو مملوكة للحكومة الفرنسية أو مؤسساتها العمومية، مما يعني أن أرباح هذه الشركة لا تذهب لمستثمرين أفراد، بل تصب مباشرة في خزينة فرنسا، ليعاد استثمارها في رفاهية مواطنيها، أما في الجانب المغربي، فالعامل الذي يُفترض أن يكون جزءًا من هذا النجاح، لا يحصل حتى على الفتات.

كل ما يجنيه هو بضعة دراهم زيادة في الأجر، قد تكفيه لشراء عبوة زيت الزيتون، مقسومة إلى نصفين، تمامًا كما قُسمت أحلامه وأوهامه على مدار العقود الماضية، فيما يظل أجمل بلد في العالم “المغرب” يعتمد على القروض و الضرائب المحلية لتمويل مشاريعه التنموية.

وإذا كان البعض يفرح لرقم 260 شركة عاملة في القطاع، فالحقيقة أن هذه الأرقام تخفي وراءها واقعًا اشدُّ مرارة: معظم هذه الشركات ليست مغربية، وحتى تلك التي يُقال إننا نملك فيها شيئًا، فنصيبنا منها بالكاد يُرى بالعين المجردة.

أما الحديث عن “65% من مكونات السيارات المصنعة محليًا”، فهو أشبه بمحاولة إقناع الناس بأن وضع الملح المغربي على طبق فرنسي الصنع يجعله وجبة مغربية خالصة، لإن الحقيقة أن هذه النسبة تشمل المواد الأولية التي تُستخرج من الأرض المغربية، ثم تُرسل إلى شركات أجنبية لتصنيع القطع، ليعاد تركيبها في المغرب مجدداً، “ما يعني استخدام المواد الأولية المغربية في الإنتاج، بينما تبقى القيمة المضافة التقنية والتكنولوجية مملوكة بالكامل للشركات الأجنبية”، باختصار، نحن نوفر المواد الخام، العمالة، والتسهيلات، وهم يحصدون الأرباح.

أما الطرفة الكبرى، فهي حين يخرج علينا من يردد أن فرنسا سجلت عجزًا تجاريًا معنا بقيمة 11.9 مليار درهم عام 2023، وكأن ذلك يعني أننا أصبحنا نتحكم في زمام الأمور، والحقيقة؟ فرنسا لم تخسر معنا، بل خسرت مع نفسها، على أرضنا، في مصانعها التي نمنحها كل شيء تقريبًا بالمجان.

أما جماركنا، فلا يبدو أن لها دورًا سوى جمع الفُتات، والتأكد من أن العائدات تصب في الجهة الصحيحة.

ولأن المغرب كريم مع مستثمريه الأجانب، فقد قدم لهم بيئة مثالية للاستثمار: إعفاءات ضريبية سخية، اتفاقيات تجارة حرة مع 90 دولة، قوانين عمل مرنة تمنع الإضرابات وتحد من حقوق العمال، ومدونة شغل جديدة تجعل رجال الأعمال أكثر راحة واطمئناناً.

و بينما يقنعنا إعلامنا أننا “قوة صناعية صاعدة” فالواقع اليوم، يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة للاستفادة من هذه الاستثمارات في بناء صناعة وطنية حقيقية.

وفي ظل تصاعد التيارات السياسية في أوروبا الداعية إلى إعادة توطين الصناعات، قد يجد المغرب نفسه في مأزق مستقبلي إذا قررت الشركات الأجنبية نقل إنتاجها إلى بلدانها الأصلية، إن استمرار هذا النموذج الاقتصادي قد يؤدي إلى فقدان فرص استثمارية ثمينة، كان يمكن أن تساهم في بناء اقتصاد أكثر استدامة وتنافسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى