
شهدت محكمة الاستئناف بمراكش فصلاً جديدًا في ملف الفساد المالي المرتبط بالبرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، حيث أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية حكمًا يقضي بإدانة المدير السابق للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة، علي براد، بعقوبة حبسية نافذة تصل إلى سنتين ونصف، وذلك بموجب الحكم رقم 87 الصادر بتاريخ 7 مارس 2025. هذا الحكم جاء في إطار ما بات يُعرف بملف “متابعات البرنامج الاستعجالي”، الذي أثار اهتمام الرأي العام بالنظر إلى طبيعة التهم الموجهة للمسؤولين المتورطين وحجم الأموال العمومية التي شابتها شبهات اختلاس وتبديد.
وفي تطورات المحاكمة، قررت الهيئة القضائية تبرئة المتهمين مولاي أحمد كاسي ومحمد روبيو وأحمد أدراق من التهم المنسوبة إليهم، في حين أدانت بشرى جبران ونور الدين المزابي وحكمت عليهما بالسجن لمدة سنتين حبسا نافذا، مع إصدار أحكام بالسجن على بقية المتهمين بنفس المدة، لكن مع إيقاف التنفيذ في جزء منها.
كما حملت المحكمة جميع المتهمين الصائر وألزمتهم بالإجبار في الأدنى في حق من يجب، مما يبرز الطابع الزجري للحكم وحرص القضاء على تحميل المدانين تبعات أفعالهم.
على المستوى المدني، حسمت المحكمة في المطالب المدنية التابعة، حيث قبلت الدعوى شكلاً وموضوعًا، وألزمت المتهمين نور الدين المزابي وبشرى جبران بأداء تعويض مالي قدره عشرة آلاف درهم لفائدة الجهة المطالبة بالحق المدني، بينما رفضت باقي الطلبات، ما يعكس توجهاً قضائياً يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأضرار المالية المترتبة على هذه القضية.
هذا الملف الذي استأثر بمتابعة واسعة كان قد انطلق بناءً على شكاية رفعتها الجمعية المغربية لحماية المال العام إلى النيابة العامة، تضمنت معطيات موثقة حول تجاوزات خطيرة في تدبير الأموال المرصودة للبرنامج الاستعجال، وقد قامت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بفتح تحقيق معمق، استمعت خلاله إلى المتهمين في عدة مناسبات، قبل أن تحيل الملف إلى القضاء، الذي أسدل الستار مؤقتًا على هذه القضية بحكم أولي قد يكون له ما بعده في مراحل الاستئناف المقبلة.
هذه القضية ليست إلا واحدة من العديد من الحالات التي تظهر حجم الفساد والتجاوزات في المؤسسات العمومية، خاصة في قطاع التعليم الذي يجب أن تكون موارده موجهة لخدمة الأجيال القادمة، إلا أن ما يعكسه هذا الحكم ليس كافيًا لمنع حدوث مثل هذه التجاوزات مجددًا. فمعالجة هذه التجاوزات يتطلب إجراءات صارمة وآليات رقابة فعالة على المال العام لضمان عدم تكرار مثل هذه الاختلالات مستقبلاً، مع ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة الفساد واستعادة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.