الرئسيةثقافة وفنوندابا tvمنوعات

أول سلسلة رسوم متحركة مغربية تُعنى بإحياء التراث وتقديمه بأسلوب معاصر يجمع بين الدقة العلمية والسرد المشوّق

"بصمة التراث": التاريخ مفتاح السيادة السردية

التاريخ ليس مجرد سجلّ للأحداث بل هو مرآة تعكس وعي الشعوب بذاتها ومساحة تتقاطع فيها الروايات والصراعات حول الماضي والحاضر والمستقبل. فالتراث بوجهيه المادي واللامادي ليس مجرد إرث محفوظ بل رهان أساسي في بناء الهوية وتعزيز الانتماء. من هذا المنطلق، جاءت بصمة التراث أول سلسلة رسوم متحركة مغربية تُعنى بإحياء هذا التراث وتقديمه بأسلوب معاصر يجمع بين الدقة العلمية والسرد المشوّق.

مشروع يربط الماضي بالحاضر
انبثقت فكرة السلسلة من رؤية المؤرخ والباحث في المركز الوطني للبحث العلمي الدكتور محمد نبيل مُلين الذي يؤمن بأن التاريخ ليس ملكا للنخب وحدها بل يجب أن يكون في متناول الجميع. ومن أجل إضفاء طابع حيوي على هذه الرؤية تعاون مع مصطفى الفكاك أحد أبرز صنّاع المحتوى الرقمي في المغرب. هذا التعاون أتاح الجمع بين العمق الأكاديمي والتقنيات الحديثة في السرد البصري ليولد مشروع يربط المغاربة بماضيهم بأسلوب معاصر وجذاب.

رحلة أسبوعية عبر الزمن
تُعرض حلقات بصمة التراث مساء كل يوم جمعة خلال شهر رمضان حيث يُقدَّم كل أسبوع موضوع جديد من صفحات التاريخ المغربي. وقد استُهلّت السلسلة بحلقة مخصصة لتينمل، تلك القلعة الجبلية التي شهدت ميلاد الإمبراطورية الموحدية، إحدى أعظم القوى السياسية والعسكرية في العالم خلال العصر الوسيط وأكبر إمبراطورية في تاريخ المغرب. فتينمل ليست مجرد موقع أثري بل مركزا دينيا وفكريا وعسكريا حيث تشكّلت ملامح مشروع سياسي غيّر وجه تاريخ المنطق وطبع عادات وتقاليد المغرب بشكل دائم.

أما الحلقات القادمة، فستتناول موضوعات شيّقة تكشف جوانب من التراث المغربي لم تُروَ بعد بالشكل الذي تستحقه، مع الإبقاء على عنصر التشويق لاجتذاب المشاهدين وإثارة فضولهم لاكتشاف المزيد.

التاريخ ليس مجرد ذكرى، بل قوة فاعلة
لا تقتصر أهمية بصمة التراث على تقديم المعرفة، بل تتجاوز ذلك إلى ترسيخ وعي المغاربة بقيمة تراثهم في سياق التحولات الثقافية الراهنة. فالجدل المستمر حول أصول بعض العناصر التراثية – من القفطان إلى الكسكس – ليس مجرد نقاش عابر بل يعكس حاجة ملحّة إلى استعادة السيطرة على السرد التاريخي، وإبراز مكانة المغرب في نسيج الحضارات. إن معرفة الماضي ليست ترفًا فكريًا بل أداة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل.

بإيجاز شديد، تهدف بصمة التراث إلى المساهمة في ترسيخ السيادة السّردية ذلك المفهوم الجوهري الذي يؤكد أن الطريقة التي يروي بها أي شعب ماضيه تحدد رؤيته للحاضر وللمستقبل.

مشروع ينقل المعرفة ويعزز الإشعاع الثقافي
إلى جانب دوره التوعوي، يسهم هذا المشروع في تعزيز مكانة المغرب الثقافية على المستوى الدولي. فالتراث ليس مجرد إرث وطني بل هو لغة عالمية تعبّر عن هوية الشعوب وتسهم في بناء جسور الحوار والتفاعل مع الآخر. إنّ تقديم هذا التراث برؤية معاصرة وبأسلوب جذاب يجعل منه قوة ناعمة تساهم في تعزيز صورة المغرب عالميا.

بصمة التراث ليست مجرد سلسلة وثائقية بل هي مشروع ثقافي ممتد يطمح إلى إعادة تشكيل علاقة المغاربة بتاريخهم وإحياء الذاكرة الجماعية بأسلوب يليق بعراقة هذا الإرث. إنها دعوة للنظر إلى الماضي لا باعتباره زمنًا قد انقضى بل باعتباره جزءًا حيًّا من الحاضر وبوصلة توجّه المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى