الرئسيةمجتمع

أزمة أراضي “اصبيح المرابيح” بين الحقوق التاريخية والتفويت المثير للجدل

في خضم النزاعات العقارية التي تشهدها مناطق عدة في المغرب، تفجرت قضية جديدة تتعلق بأراضٍ سلالية شاسعة بإقليم القنيطرة، تحديدًا بجماعة “المناصرة” بدائرة “بنمنصور”.

هذه الأراضي، التي تمتد على مساحة تناهز 400 هكتار، كانت لعقود طويلة موطنا لعائلات تنتمي إلى الجماعة السلالية “اصبيح المرابيح”، حيث استغلتها أجيال متعاقبة في الأنشطة الفلاحية وبناء مساكنها، غير أن هذه المعطيات تغيرت جذريًا عقب إبرام عقد إيجار مثير للجدل لصالح شخصيات نافذة، من بينهم نجل رئيس فريق برلماني وبرلماني سابق، ما دفع المتضررين إلى طرق أبواب المحكمة الإدارية بالرباط للطعن في هذا القرار.

وتكشف تفاصيل هذه القضية عن إشكالية كبرى تتعلق بطرق تدبير العقارات السلالية، حيث تم توقيع عقد الإيجار دون المرور عبر مسطرة طلب العروض، وهو إجراء قانوني يهدف إلى تحقيق الشفافية والتنافسية، وتم تحديد سومة الكراء في 5 آلاف درهم للهكتار سنويا، وهو مبلغ يثير التساؤلات بالنظر إلى القيمة الاقتصادية لهذه الأراضي واستغلالاتها المتعددة، إذ تشمل حقولا زراعية، منازل، آبار مياه للسقي، ومساحات غابوية تمتد على 200 هكتار، تضم أشجار الكالبتوس ومسالك طرقية يستخدمها السكان المحليون.

إشكالية تفويت أراضي الجماعات السلالية ليست جديدة، بل تندرج ضمن سياسة تعبئة هذه العقارات لأغراض استثمارية، وفق ما أكدته مديرية الشؤون القروية التابعة لوزارة الداخلية،

و تستند هذه السياسة إلى مبدأ تمكين الفاعلين الاقتصاديين، سواء العموميين أو الخواص، من استغلال الأراضي السلالية في مشاريع تنموية، عبر آليات طلبات العروض أو التفاوض المباشر بناءً على دفاتر تحملات محددة، وتعد عمالات وأقاليم عديدة جزءًا من هذه الاستراتيجية، من بينها سلا، الصخيرات تمارة، سيدي قاسم، سيدي سليمان، القنيطرة والخميسات، حيث يتم تخصيص مساحات واسعة من هذه الأراضي للاستثمار.

فيما تشير المعطيات الرسمية إلى أن عمالة سلا وحدها تتوفر على رصيد عقاري يناهز 3 آلاف هكتار من الأراضي السلالية، يُستغل جزء منها في الفلاحة والسكن، بينما يتم توظيف مساحات أخرى في مشاريع استثمارية بعقود كراء، أما عمالة الصخيرات تمارة، التي تضم تسع جماعات سلالية وتمتلك 640 هكتارًا، فتتميز بقدرتها على احتضان مشاريع تنموية متنوعة، بالنظر إلى توفر عقاراتها على رسوم توثيقية قانونية، ما يسهل عملية استغلالها في مجالات متعددة.

وفي السياق ذاته، يشهد إقليم سيدي قاسم تحولات كبيرة في تدبير الأراضي السلالية، حيث تمت برمجة 1042 هكتارًا لمشاريع استثمارية، مع إبرام عقود كراء لنحو 233 هكتارًا، وتسوية استغلال غير قانوني طال أكثر من 3150 هكتارًا من الأراضي السلالية، أما في إقليم القنيطرة، فتظهر الأرقام حجم التحركات الواسعة لتعبئة الأراضي السلالية، إذ تم تخصيص 6200 هكتار لفائدة المستثمرين، مع دراسة 286 طلب كراء، حصل 173 منها على موافقة الوزارة، ليتم تفويت ما مجموعه 2357.34 هكتارًا.

وبالرغم من هذه المعطيات، يظل السؤال مطروحًا حول مدى احترام هذه العملية لمبدأ العدالة الاجتماعية والشفافية القانونية، خصوصًا في ظل احتجاجات ذوي الحقوق الذين فقدوا أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم، فبينما تسعى الدولة إلى خلق بيئة مشجعة للاستثمار، تبقى معاناة السكان المحليين قائمة، ما يستوجب إعادة النظر في آليات تدبير هذا النوع من العقارات، بما يضمن حقوق المالكين الأصليين ويحفظ في الوقت ذاته التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى