الرئسيةمنوعات

عبقري المجرات: كيف أعاد مراهق أمريكي رسم خريطة الكون بمليون ونصف جرم سماوي

في واحدة من أكثر القصص العلمية إلهامًا في السنوات الأخيرة، حقق الطالب الأمريكي في المرحلة الثانوية، “ماثيو باز”، إنجازًا فلكيًا غير مسبوق بعد أن تمكن من اكتشاف وتصنيف ما يقارب 1.5 مليون جرم سماوي لم تكن معروفة سابقًا، هذا الاكتشاف الاستثنائي لم يكن نتاج عمل فريق بحثي ضخم أو مؤسسة فضائية كبرى، بل جاء نتيجة مشروع فردي نفذه مراهق شغوف بالعلم، استعان فيه بخوارزمية ذكاء اصطناعي قام بتطويرها بنفسه، بالاعتماد على بيانات أرشيفية من تلسكوب NEOWISE التابع لوكالة ناسا.

تعود جذور هذا الإنجاز إلى برنامج علمي مكثف يُدعى “Planet Finder Academy”، تحت إشراف معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، أحد أبرز المراكز البحثية في العالم.
ضمن هذا البرنامج، أتيحت “لباس” فرصة فريدة للعمل تحت إشراف مباشر من عالم الفلك الشهير دافي كيركباتريك، كبير العلماء بمركز معالجة وتحليل الأشعة تحت الحمراء (IPAC).
لم يقتصر هذا التوجيه الأكاديمي عالي المستوى على التعليم التقليدي، بل فتح أمام الطالب أبواب البحث العلمي الحقيقي، ومنحه أدوات التحليل والنقد والابتكار.

اعتمد المشروع على تحليل كمية ضخمة من بيانات الأشعة تحت الحمراء التي جمعها تلسكوب NEOWISE طوال أكثر من عقد من الزمن قبل تقاعده، هذه البيانات تحتوي على معلومات ثمينة عن أجرام سماوية متغيرة، مثل الكوازارات والنجوم النابضة والثنائيات الخسوفية، لكن ضخامة حجمها وتنوعها كانت تحول دون معالجتها يدويًا أو باستخدام الوسائل التقليدية، وهنا برزت عبقرية “باز”، الذي جمع بين شغفه المبكر بعلم الفلك واهتمامه العميق بالبرمجة والرياضيات، ليبتكر خوارزمية تعلم آلي قادرة على رصد التغيرات الطفيفة في إشارات الأشعة تحت الحمراء، ما مكنه من التوصل إلى هذا الكم الهائل من الاكتشافات خلال فترة لا تتجاوز ستة أسابيع.

لم تبدأ قصة باز من هذا المشروع فحسب، بل تعود إلى سنوات طفولته الأولى حين اعتادت والدته اصطحابه إلى محاضرات عامة في علم الفلك ضمن فعاليات كالتك، أثمر هذا التكوين المبكر لاحقًا في صيف عام 2022، عندما انضم إلى برنامج تدريبي يجمع بين علوم الفضاء وعلوم الحاسوب، وهناك التقى بكيركباتريك، الذي لمس موهبته الفذة وقرر دعمه علميًا ومعنويًا، حيث لم يأت الدعم من كيركباتريك وحده، بل ساهم عدد من علماء الفلك في كالتك بتقديم الإرشاد لباس، من بينهم شوبانة همتي، دانيال ماسترز، آشيش ماهابال، وماثيو غراهام، حيث قدموا له خبراتهم المتقدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لرصد الظواهر المتغيرة في السماء.

لم تتوقف رحلة باز عند حدود المشروع الأول، إذ واصل لاحقًا تحسين النموذج الذي ابتكره، بل تولّى بنفسه تدريب طلاب آخرين في البرنامج ذاته، قبل أن يحظى بأول فرصة عمل مدفوعة الأجر في مركز IPAC، وهو إنجاز يعكس التحول الكبير الذي شهده مساره العلمي خلال فترة وجيزة.

أما الخطوة التالية، فهي إعداد كتالوج شامل للأجرام السماوية التي تم اكتشافها، يُرتقب صدورههلال هذا العام. و من المتوقع أن يفتح آفاقًا علمية جديدة حول فهم طبيعة الأجرام السماوية المتغيرة وتطورها، وسيكون بمثابة مرجع جديد للمجتمع العلمي العالمي. ورغم أن الابتكار نبع من مجال الفلك، فإن باز يرى أن الخوارزمية التي طورها تمتلك إمكانيات أوسع، إذ يمكن تطبيقها أيضًا في تحليل البيانات الزمنية ضمن مجالات أخرى مثل الاقتصاد وأسواق الأسهم، أو حتى في دراسة التغيرات المناخية.

إن ما فعله ماثيو باز ليس مجرد اكتشاف علمي، بل هو تأكيد حي على أن الشغف بالعلم، حين يُقابل ببيئة داعمة وتوجيه سليم، يمكن أن يحول مراهقًا إلى مكتشف يعيد رسم حدود معرفتنا بالكون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى