الرئسيةسياسة

الجباية العقارية في المغرب: تعديل تشريعي يعيد رسم معالم القطاع

أقر مجلس الحكومة مؤخرًا مشروع القانون رقم 14.20 الذي يتضمن تعديلًا لمقتضيات القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، ويهم هذا التعديل بشكل خاص الرسوم المفروضة على الأراضي الحضرية غير المبنية،

وقد تم رفع سقف هذه الرسوم بشكل ملحوظ، حيث أصبح الحد الأدنى يساوي 10 دراهم للمتر المربع بدل 4 دراهم، في حين ارتفع الحد الأقصى من 12 إلى 30 درهمًا للمتر المربع، وذلك وفقًا لمستوى التجهيز المتوفر في المنطقة التي تقع فيها الأرض المعنية.

كما ينص التعديل الجديد على تصنيف الأراضي الحضرية إلى ثلاث فئات بناءً على مستوى البنية التحتية والمرافق المتوفرة، الفئة الأولى تشمل المناطق المجهزة بالكامل، والتي تتوفر على خدمات أساسية مثل الطرق، الكهرباء، الماء، الصرف الصحي، والمؤسسات الصحية والتعليمية، وتخضع هذه الأراضي لرسم يتراوح بين 20 و30 درهمًا للمتر المربع، أما الفئة الثانية فتضم الأراضي التي تتوفر على الحد الأدنى من التجهيزات الأساسية، من قبيل الطرق والكهرباء والماء، ويُفرض عليها رسم يتراوح بين 10 و15 درهمًا، في حين أن الأراضي المصنفة ضمن الفئة الثالثة، والتي تُعتبر ضعيفة التجهيز وتفتقر في الغالب إلى الخدمات الأساسية، فإن الرسم المفروض عليها يتراوح بين 0.5 و2 درهم للمتر المربع.

تُسند مهمة تصنيف الأراضي إلى رئيس المجلس الجماعي بناءً على المعطيات التقنية المتوفرة، مع وجوب التأشير على القرار من قبل عامل الإقليم أو العمالة، فيما ينص المشروع على حد أدنى للرسم المفروض لا يقل عن 200 درهم، بغض النظر عن موقع الأرض أو طبيعة تجهيزها.

و يرى عدد من المتابعين للشأن العقاري أن هذا التعديل يندرج ضمن إطار أوسع يهدف إلى مراجعة النظام الجبائي المحلي وتوسيع قاعدة الموارد الذاتية للجماعات الترابية، خصوصًا تلك المتعلقة بالعقار غير المستغل.

كما يعتبر هذا التوجه بمثابة دعوة ضمنية لإعادة النظر في تدبير الأراضي الحضرية غير المبنية، سواء من طرف المستثمرين أو من طرف مالكي العقارات.

في هذا السياق، قدم يوسف الحرشاوي، وهو خبير في الاستراتيجية العقارية، مجموعة من الملاحظات حول أثر هذا التعديل على ممارسات الاستثمار العقاري، ويرى أن التعديل الجديد يتطلب تفاعلاً سريعًا وفعالًا من مختلف الفاعلين في القطاع، موضحًا أن تغيّر القواعد الجبائية قد يدفع بعدد من المستثمرين إلى إعادة النظر في كيفية تدبير محافظهم العقارية، سواء من خلال التسريع بعمليات البناء أو تهيئة الأراضي، أو عبر إبرام شراكات مع المنعشين العقاريين، أو حتى من خلال بيع الأراضي بشكل مباشر.

كما أشار إلى أهمية التفكير في استراتيجيات بديلة تُمكّن من ملاءمة الوضع القانوني والجبائي الجديد، مثل اعتماد أساليب إعادة الهيكلة الداخلية عبر دمج أو تقسيم العقارات بحسب خصوصياتها وموقعها في خريطة التجهيز الجماعي، ومن ضمن الخيارات التي تم طرحها كذلك، اللجوء إلى استغلال مؤقت وعملي للأراضي في انتظار إطلاق مشاريع البناء، سواء لأغراض فلاحية أو تخزينية أو خدمية، مثل تحويلها إلى مواقف للسيارات أو ساحات للاستغلال الموسمي، وهو ما قد يساهم في تفادي التصنيف في خانة “الأراضي المهجورة” التي تخضع لرسوم أعلى.

من جانب آخر، أبرز الحرشاوي أهمية التتبع المستمر لوثائق التعمير الرسمية، مثل تصاميم التهيئة والتوسع الحضري، لكونها أدوات تخطيطية ذات أثر مباشر على قرارات الاستثمار، ويمكن أن تؤثر على تصنيف الأراضي وبالتالي على الرسوم الجبائية المترتبة عنها.

في المجمل، يندرج مشروع القانون الجديد ضمن توجه يروم إعادة النظر في استغلال الأراضي الحضرية وتكريس منطق التدبير الأمثل للموارد العقارية، في انسجام مع مساعي تحديث الإطار القانوني المنظم للجبايات المحلية.

هذا التغيير قد يفرض تحولات على مستوى العلاقة بين الجماعات الترابية والمستثمرين في العقار، ويطرح تساؤلات حول مدى استعداد مختلف الأطراف للتكيف مع واقع جديد يتسم بمزيد من الانضباط المالي والتخطيط العمراني المرتبط بالبنيات التحتية والخدمات العمومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى