الرئسيةصحةمجتمع

داء الصرع بين التفسير العلمي وسوء الفهم المجتمعي

يعد داء الصرع من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعًا، ومع ذلك لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض وسوء الفهم، خاصة في مجتمعات ترى المرض بعين الخرافة بدلا من العلم، وبينما يواجه المصابون بهذا الداء نوبات تربك الجسد وتربك من حولهم، تظل المعركة الأثقل في نظرات الناس، وفي غياب الوعي اللازم للتعامل مع الحالة بكرامة ومسؤولية.

الصرع: اضطراب لا يعني الجنون

الصرع ليس مرضا نفسيا، ولا مسًّا شيطانيًا كما يعتقد البعض، بل هو اضطراب عصبي ناتج عن اختلال مفاجئ في النشاط الكهربائي داخل الدماغ، يُحدث نوبات تتفاوت في الشكل والتكرار.

وجدير بالدكر أن بعض هذه النوبات يمرّ بصمت، وبعضها الآخر يرافقه فقدان للوعي أو تشنجات حادة تُثير القلق لدى المحيطين، لكنها لا تعني بالضرورة خطرًا دائمًا إذا أُحسن التعامل معها.

ويعتبر الصرع من الأمراض العصبية الشائعة، حيث يقدر عدد إصابات مرض الصرع بحوالي 65 مليون شخص حول العالم، ويعتبر الأشخاص الصغار والكبار في السن أكثر عرضة لحدوث هذا المرض.

حيث هناك نوعان من نوبات الصرع التي تصيب الإنسان، أحدها نوبات الصرع العامة، وتؤثر هذه النوبات على كل أجزاء الدماغ، والأخرى هي نوبات الصرع الجزئي التي تؤثر فقط على جزء معين من الدماغ.

وتستمر نوبات الصرع الخفيفة أو المعتدلة فقط لعدة ثوان، وقد لا يتم تمييز حدوثها، أما نوبات الصرع القوية فهي تسبب تشنج في العضلات، وتستمر عدة ثوان إلى عدة دقائق. وقد تسبب هذه النوبات فقدان الوعي عند المريض، وقد لا يتذكر ما حدث له، ويظهر هذا المرض في الرجال بنسبة أكبر من النساء.

ما وراء الأسباب

الأطباء يشيرون إلى أن أسباب الصرع متعددة، منها ما يرتبط بإصابات الدماغ، أو سقوط على الرأس أو مضاعفات الولادة، أو التهابات الجهاز العصبي،أو ارتفاع درجة حرارة الجسم أو بعض التشوهات الخَلقية، كما أن التوتر الشديد، قلة النوم، أو نسيان تناول الأدوية قد تكون محفزات مباشرة للنوبات، لكن في كثير من الحالات، يظل السبب مجهولًا دون أن يقلل ذلك من خطورة الحالة أو من حق المريض في الرعاية.

تصريح طبي: لا نوبة دون سياق

يقول الدكتور عبد الرحمان المساوي، اختصاصي أمراض الأعصاب:

“الصرع ليس مرضًا واحدًا، بل مجموعة من الحالات التي تشترك في العرض وتختلف في السبب، المهم أن نكفّ عن التعامل معه كوصمة أو عبء اجتماعي، وأن نفهم أن النوبة لا تعني فقدان العقل، بل هي فقط لحظة كهربائية مضطربة داخل الدماغ.”

ويضيف: “المصاب بالصرع قادر على أن يعيش حياة عادية إذا توفرت له الرعاية والمتابعة والاحتضان الأسري والمجتمعي.”

الوقاية تبدأ من الرعاية

الوقاية من الصرع ليست ممكنة دائما، لكن يمكن تقليص عوامل الخطورة عبر العناية الصحية بالحوامل، تفادي إصابات الرأس، تلقيح الأطفال ضد التهابات الجهاز العصبي، وضمان ظروف ولادة سليمة، كما أن التتبع الطبي المنتظم للأطفال الذين تظهر عليهم نوبات مبكرة يساعد على التشخيص المبكر والعلاج المناسب.

ولتعايش مع الصرع وتخفيف نوباته ينصح الدكتور المساوي ب:

  • تسجيل مسببات الصرع وملاحظتها إن أمكن.
  • ارتداء سوار تنبيه طبي حتى يعرف الناس ما يجب عليهم فعله إذا كان لدى المريض نوبة ولا يستطيع التحدث.
  • تعليم الأقارب والأصدقاء بما يجب فعله في حالات الطوارئ.
  • طلب المساعدة المهنية لأعراض الاكتئاب أو القلق.
  • انضمام المريض إلى مجموعة دعم للأشخاص الذين يعانون من مرض الصرع.
  • تناول نظام غذائي متوازن وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

كيف نتصرف أثناء النوبة؟

حين تحدث النوبة، أول ما يحتاجه المريض هو بيئة آمنة لا ذعر فيها:

  • يجب وضعه على جانبه، لحمايته من خطر الاختناق.
  • إبعاد الأجسام الصلبة أو الحادة من محيطه.
  • وضع وسادة أو قطعة قماش طرية تحت رأسه.
  • الامتناع تمامًا عن إدخال أي شيء في فمه أو محاولة السيطرة القسرية على حركاته.
  • عدم رش الماء عليه أو محاولة إفاقته بالقوة.
  • الامساك بشيء في يده لاثارة انتباهه ان كان واعيا مع الحرص على عدم أديته لنفسه

بعد انتهاء النوبة، يُنصح بترك المريض يستعيد وعيه تدريجيا، دون إشعاره بالذنب أو الفضيحة، بل بالتفهّم والطمأنينة.

مغالطات شائعة: لا ماء ولا حديد

لا تزال بعض الممارسات الشعبية المغلوطة تلاحق مرضى الصرع حتى اليوم، أبرزها رش الماء على وجه المصاب أثناء النوبة، أو إجباره على لمس الحديد، اعتقادًا بأن ذلك “يفك النوبة” أو “يطرد المسّ”.

في الواقع، يؤكد الأطباء أن هذه التصرفات ليست فقط غير مفيدة، بل قد تكون خطيرة، رش الماء قد يُسبب اختناق، ولمس الحديد لا يؤثر على الدماغ ولا يُنهي النوبة، فمن فالنوبة ليست طاقة تُفرّغ في المعدن، بل خلل عصبي مؤقت يحتاج للهدوء لا للمبالغة.

المريض ليس وحده…

مريض الصرع قادر على متابعة دراسته، العمل، وممارسة حياة طبيعية إذا التزم بالعلاج وتلقى الدعم من محيطه،لا يحتاج إلى الشفقة بل إلى التفهّم، ولا إلى العزلة بل إلى المشاركة.

إن أكثر ما يُتعب المريض ليس المرض في حد ذاته، بل الخوف من نظرة المجتمع، والارتباك الذي تثيره النوبة أمام الآخرين، خصوصًا عندما تفتقر البيئة المحيطة للوعي.

لا وصمة مع الوعي

الصرع ليس عائقًا أمام النجاح، بل هو امتحان للوعي الجماعي، حين نفهمه ونتقبله، يصبح التعامل معه إنساني وفعال فالمعرفة هي السلاح الأول، والخرافة هي أول أبواب الألم، والمريض ليس عبئ، بل إنسانٌ يُطالب فقط بحقه في أن يعيش دون خوف… ودون أحكام مسبقة.

اقرأ أيضا…

المغرب يدخل عصر الأدوية المستخلصة من القنب الهندي: خطوة في علاج الصرع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى