الرئسيةسياسة

أزيلال.. حيث يُحمل المرضى على النعوش و«الإحصاء» يبتسم على الورق

ومن أكادير إلى أزيلال الذي يعيش على وقع مأساة جديدة تفضح واقع المنظومة الصحية في المغرب، حيث اضطرت أسرة إلى حمل مريض على نعش لعدة ساعات من منطقة تاغيا بزاوية أحنصال.. ، بعدما عجزت سيارة الإسعاف عن الوصول بسبب عاصفة رعدية قطعت الطريق.. مشهد مؤلم يتكرر في هذه المناطق الجبلية النائية، لكنه يتجاوز حدود التعاطف ليطرح أسئلة عميقة عن معنى «التنمية» في بلد يراهن على صورة حديثة في الخارج بينما يترك مواطنيه في مواجهة العزلة والقدر.

نعش بدل سرير إنعاش

أن يُحمل مريض على الأكتاف في القرن الواحد والعشرين، في واقعة تجسد المعاناة اليومية التي يعيشها سكان القرى الجبلية.. طرق تنقطع عند أول عاصفة، سيارات إسعاف تتحول إلى عربات ديكور مركونة، ومستشفيات تبقى بعيدة المنال.

هنا، يصبح النعش بديلاً لسرير الإنعاش، والجهود الشعبية تحل محل الحق الدستوري في الصحة.

أرقام تفضح الفوارق

تكشف الأرقام الرسمية حجم الفجوة بين الواقع والشعارات، فمعدل وفيات الأمهات في المغرب ما يزال في حدود “70 وفاة لكل 100,000 ولادة حية” ، وهو رقم يتضاعف تقريباً في المناطق القروية مقارنة بالمدن، أما وفيات الأطفال دون الخامسة فتبلغ حوالي 17 وفاة لكل 1,000 ولادة حية، رغم التراجع الطفيف خلال العقد الأخير.. أما من حيث الموارد البشرية، فلا يتجاوز المعدل الوطني 7.2 أطباء لكل 10,000 نسمة، مع تركز واضح في المدن الكبرى، فيما تقدّر الدراسات أن نحو ربع السكان في الوسط القروي يواجهون صعوبات كبيرة للوصول إلى أقرب مركز صحي بسبب المسافة وغياب النقل وانعدام الطرق المعبدة.

الميزانيات المرتفعة والنتائج المتواضعة

ورغم أن ميزانية الصحة العمومية ارتفعت من 23 مليار درهم سنة 2022 إلى حوالي 28 مليار درهم سنة 2023، فإن هذا التطور المالي لم ينعكس على تحسين الخدمات في القرى والجبال ولا حتى في المستشفيات العمومية بالمدن.. البرامج المعلنة، مثل «فك العزلة» و«النموذج الجديد للصحة المجتمعية»، تبقى بطيئة التنفيذ وغير كافية لمواجهة الخصاص البنيوي، بينما تتزايد الاستثمارات في قطاعات أخرى كالبنية التحتية الرياضية، في مفارقة صارخة بين أولويات الدولة واحتياجات المواطن البسيط.

الفجوة بين الخطاب والواقع

تتحدث الحكومة عن تعميم التغطية الصحية وعن العدالة المجالية، لكن الصور القادمة من أزيلال تقوّض هذا الخطاب.. فبينما تؤكد المؤشرات الرسمية أن نسبة الولوج إلى الخدمات الصحية في الوسط القروي بلغت 60%، تفضح الممارسة اليومية أن جزءاً كبيراً من المواطنين ما زالوا خارج الخدمة الفعلية، ينتظرون الطرق المعبدة والمراكز الصحية المجهزة قبل أن يتحدثوا عن «التغطية الصحية الشاملة».

ما بين الأمل والمحاسبة

المطلوب اليوم ليس بيانات تعزية ولا وعوداً مؤجلة، بل إجراءات ملموسة: تعبيد الطرق في القرى الجبلية، تجهيز المستشفيات بالمعدات والموارد البشرية الكافية، وضمان سيارات إسعاف تصل في كل الظروف.. فالمشهد في تاغيا ليس حادثاً عرضياً، بل ناقوس خطر يذكّر بأن حياة المواطنين ليست مجرد أرقام في تقارير، بل حقوق أساسية تستوجب المحاسبة والإنجاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى