رأي/ كرونيك

ورشة البحرين فاشلة قبل أن تبدأ والفلسطينيون قادرون على قلب الطاولة

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

فليستخدم الفلسطينيون أوراقهم الكثيرة التي لم تستخدم بعد، وليقلبوا الطاولة أولا على رؤوس الجميع، وفي مقدمتهم المتخاذلون من العرب، ويأتي من بعدهم نتنياهو وترامب والثالوث الصهيوني الاستيطاني العنصري الأمريكي المشرف على ما يسمى «صفقة القرن» التصفوية، وورشة المنامة الاقتصادية، التي ترمي إلى استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام، الذي تدعو إليه مبادرة السلام العربية، التي طرحها من لا يحترم كلمة أو عهدا، بمبدأ المال مقابل السلام، وهؤلاء هم: جاريد كوشنر عراب الصفقة، الذي دفعته عنصريته إلى القول إن الفلسطينيين غير مهيئين لادارة شؤونهم، وأعمته صهيونيته عن رؤية حقيقة يعلمها القاصي والداني، لا سيما تلك الدول الخليجية، وهي أن الشعب الفلسطيني هو الأكثر تعليما في الشرق الاوسط، ويحتل مرتبة متقدمة بين شعوب العالم في هذا المضمار، وإن كان هناك شعب في العالم مهيأ لإدارة شؤونه بنفسه فهو الشعب الفلسطيني، وليسأل كوشنر أصدقاءه في الأنظمة الخليجية الحليفة، عمن علمهم في صغرهم؟ ونذكر كوشنر أن مستحضرات الشعر التي يستعملها سيده في البيت الأبيض من تصنيع شركة يمتلكها فلسطيني، وهل سمع كوشنر عن مئات المحاضرين الفلسطينيين في الجامعات الامريكية فقط، وفي مقدمتهم الراحل صاحب كتاب «الاستشراق» وأستاذ الأدب المقارن إدوارد سعيد.

وجيسون غرينبلات مساعده الذي تنكر لكل القرارات الدولية، بقوله في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي «يجب وقف الادعاء بأن القرارات الأممية الموجودة حاليا تحل هذا الصراع». وحذّر الفلسطينيين من رفض صفقة القرن ومقاطعة ورشة البحرين، «ولكن هذا قرارهم. وحان الوقت لاتخاذ قرارات صعبة، كما هو في عالم الراشدين».

وثالثهم ديفيد فريدمان، السفير المستوطن الذي وصلت به الوقاحة لأن يعطي لإسرائيل الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية. واستنتج أن «دولة فلسطينية بين إسرائيل والأردن ستكون فاشلة، وأنها آخر ما يحتاجه العالم»، رغم أن كل دول العالم باستثناء إدارة بلاده وبعض الجزر الكاريبية وإسرائيل، تعترف بدولة فلسطين. وتابع القول إن الفلسطينيين قد لا يقبلون بصفقة القرن، وقد لا تحقق لهم الحد الأدنى من مطالبهم، لكننا نعتمد على حقيقة أن الخطة المناسبة في الوقت المناسب ستحصل على رد الفعل المناسب مع مرور الوقت». وتفسير كلامه أن الفلسطينيين قبلوا في تسعينيات القرن الماضي بما كانوا يرفضونه في سبعينياته، وسيقبلون بما تعرضه صفقة القرن لاحقا. ليس في ما يقولونه انتقاص من الشعب الفلسطيني، بل تعبير عن الإحباط الذي يشعرون به، منذ ترويح فكرة صفقة القرن قبل نحو عامين، والرفض الفلسطيني لها، وما لحق بها من ورش ووعود مالية لم تغر الفلسطينيين.

من يظن أن لا حيلة للفلسطينيين في وجه الطاغوت الأمريكي الإسرائيلي، والتخاذل العربي الذي اعتاد عليه الفلسطيني منذ ما قبل وعد بلفور قبل نحو مئة عام، وحتى الان، فهو مخطئ جدا، فلا يزال لدى الفلسطينيين الكثير من الأوراق الرابحة، التي لم يستخدموها بعد. وحان الوقت لاستخدامها بعقلانية وحكمة بدون تأخير، لأن التأخير ليس في صالحهم، وكما يقول المثل «أضرب على الحديد وهو سخن». نعم باستطاعة الفلسطينيين خلط الأوراق وقلب الطاولة فوق رؤوس المتآمرين من العرب، ووضع العالم أجمع، وفي مقدمته الولايات المتحدة ودولة الانتداب بريطانيا وصاحبة وعد بلفور المشؤوم أمام مسؤولياتهم، وكذلك الأمم المتحدة، التي فشلت على مدى عقود طويلة في تنفيذ قراراتها، والردود أو الخيارات الفلسطينية الأكثر نجاعة على ما يسمى صفقة القرن، وورشة البحرين التمهيدية، وإحباطهما كثيرة.

*يأتي في مقدمتها الحفاظ على الإجماع الفلسطيني في رفض أي حلول، أو أي صفقات تقل عن إقامة دولة مستقلة قادرة على العيش في الضفة وعاصمتها القدس الشرقية. وصفقة القرن لا يمكن لها أن ترى النور في غياب العنصر الفلسطيني، الذي سيبقى الرقم الصعب، ويجمع المحللون الإسرائيليون على أن هذه الصفقة في طريقها إلى الزوال.

*ثانيا عدم المماطلة في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، وهي كثيرة ويجب ألا تستخدم هذه القرارات، كورقة للمساومة، يجب أن نبدو أمام العالم أننا نحترم كلمتنا وقراراتنا. وفي مقدمة هذه القرارات تعليق أو سحب اعتراف منظمة التحرير بدولة الاحتلال. هذا الاعتراف الذي منح مجانا لدولة الاحتلال عشية توقيع اتفاق اوسلو في سبتمبر 1993، مقابل اعترافها بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.

لا يزال لدى الفلسطينيين الكثير من الأوراق الرابحة لم يستخدموها بعد وحان الوقت لاستخدامها بدون تأخير، لأن التأخير ليس في صالحهم

وقف التنسيق الأمني الذي اصبح مطلبا شعبيا، وحوله إجماع فصائلي خاصة بعد اعتداء جنود الاحتلال على مقر جهاز الأمن الوقائي في نابلس. وقد يكون ذلك خطوة نحو إنهاء الانقسام. ووفقا لمواقع إسرائيلية، وبما يعكس مخاوف إسرائيل من احتمالات وقف التنسيق، أن جيش الاحتلال قرر أن يقلل نشاطه العملياتي في نابلس، لمنع الاحتكاك مع رجال الأمن الفلسطينيين، وتقليل مستوى التوتر، تحسبا لإمكانية انفلات الوضع الأمني مع تدهور الاوضاع السياسية.

وقف التعامل في بروتوكول باريس الاقتصادي الذي أصبح كالسكين التي تذبح بها اسرائيل اقتصاد السلطة، كيفما ومتى شاءت، لارتباطه بموجب هذا البروتوكول باقتصاد اسرائيل، وليس أوضح مثالا على التحكم الاحتلالي بالاقتصاد الفلسطيني من قرار حكومة الاحتلال، استقطاع ما يعادل المستحقات التي تدفعها السلطة لأسر الشهداء والجرحى والأسرى من أموال المقاصة التي تجمعها اسرائيل باسم السلطة من جمارك البضائع، التي تستوردها السلطة عبر الموانئ الإسرائيلية، وذلك ليس مجانا بل مقابل نسبة تصل إلى 3% .

*ثالثا حل السلطة وتسليم إدارة الضفة الغربية لسلطات الاحتلال، التي تنعم منذ اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 باحتلال مجاني، احتلال تسدد فواتيره الدول الخليحية والاوروبية، وحل السلطة سيضع دولة لاحتلال أمام مسؤولياتها القانونية الدولية، وإن كانت لا تلتزم بقانون ولا تحترم اتفاقا. وستحرر منظمة التحرير من الخدمات الوظيفية التي تقوم بها السلطة وتلقي بها على كاهل الاحتلال، حل السلطة يعني أن تتحمل دولة الاحتلال وإدارتها المدنية مسؤولية التعليم والصحة والأمن والبلديات، وكل ما يتعلق بالشؤون اليومية للفلسطينيين في الاراضي المحتلة، وان تتحمل الأعباء المالية التي تصل إلى مليارات الدولارات.

البعض وربما المستفيدون بشكل مباشر من وجود السلطة يصفونها بالإنجاز الوطني الكبير، وقد لا نختلف حول ذلك لو كان في اخر النفق نور يعيد الامل في تحقيق الحلم الفلسطيني في إقامة الدولة وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، والعكس هو القائم، وهو أن ما يسمى عملية السلام دخلت نفقا مظلما يصعب الخروج منه إلا بحل السلطة.

*رابعا الانتفاضة الشعبية التي ستعيد اللحمة للشعب الفلسطيني وتجدد روح النضال والمقاومة لديه، وستكون الرد الحقيقي على كل هذه المؤامرات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية واختزالها إلى مجرد مشكلة اقتصادية وتنموية، يمكن أن تحل ببضع مليارات الدولارات تدفعها الدول الخليجية، وليس دولة الاحتلال، لتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، ومثلها هذه المليارات للدول المستضيفة للاجئين.

وأخيرا وفي محاولة لزرع اليأس في النفوس، يتحدث البعض عن أن صفقة القرن قد طبقت، وأنه لم يبق منها سوى إعلانها، وأن ورشة البحرين الاقتصادية ما هي إلا «العرس» الذي سيقدم فيه النقوط للعروسة وتوزع فيه الحلوى.

واختتم بالقول إن ما يفكر في تحقيقه كوشنر وأسياده ليس إلا أضغاث أحلام، فالشعب الفلسطيني باق شاء كوشنر أم لم يشأ، وسيكون مصير ورشة البحرين، كما مصير مؤتمر وارسو، مزابل التاريخ، ولن تغير شيئا مشاركة الأردن ومصر والمغرب، رغم أنوفها وبأمر من الصهيوني كوشنر، الذي اضطر لأن يعلن هو شخصيا عن مشاركتها، لا الناطقين الرسميين باسمها، فغياب هذه الانظمة لاسيما الأردني والمصري الوحيدين اللذين يرتبطان بمعاهدات سلام مع دولة الاحتلال، كان يعني إعلان فشل ورشة البحرين قبل انطلاقها. ولكن سواء شاركت هذه الدول أم لم تشارك، فإنه لا يمكن تجاوز الرقم الفلسطيني الصعب، وورشة البحرين فاشلة قبل أن تبدأ، وسيجر كوشنر ومن لف لفه، أذيال الخيبة، كما في العديد من المرات. ولا نقول ذلك من باب المبالغة أو التهديدات فارغة المحتوى.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى