الاختلاف في الدين لا يفسد للمشاعر الإنسانية قضية: قراءة في رواية إيمانويل شميدت
قبل الدخول في صميم هذا الموضوع، لا بد من التعريف، ولو بإيجاز، بصاحب الرواية الموسومة ب”السيد إبراهيم وأزهار القرآن”.
باستشارة موسوعة ويكيبيديا نجد أن مؤلفها المسمى إيمانويل شميدت ولد في 28 مارس 1960، وأنه روائي، و كاتب مسرحي، ومخرج فرنسي من أصول بلجيكية..قدمت أعماله في المسارح العالمية، وحاز على شهرة كبيرة في الوطن العربي بفضل هذه الرواية التي مرجعنا إليها في هذه المحاولة.
لعل ما ضمن للكاتب شهرة في الآفاق العربية هو تناوله، من منظور إنساني رحب، لقضية الصراع التاريخي بين اليهود والمسلمين حيث وظف مقدراته الخيالية لنسج علاقة مثالية، متينة بأواصرها الإنسانية بين هذين المجتمعين المتحاربين من خلال قضة جرت أطوارها بين فتى يهودي (موسى) وبقال مسلم (إبراهيم).
وبما أن الشخصينين تعيشان في حي باريسي تخيم عليه أجواء سلمية، أمكن للكاتب أن يطور العلاقة بين الفتى اليهودي والبقال المسلم إلى أقصى مدى ممكن، إذ نبض في قلب كل منهما أرقى المشاعر (الأبوة والبنوة). في ظل جو من الهدوء والهناءة، كان الفتى، من حين لآخر، يزور صديقه البقال وهو في حانوته ليتبادل معه أطراف الحديث. هكذا استمر ديدن الفتى الى أن نشأت بينهما علاقة مبنية على تواصل إنساني، لا سيما وأن الشاب في أمس الحاجة إلى أذن تصغي الى آهاته ومعاناته.
من خلال هذا السياق التنفيسي، يقف القارئ على أن الشاب اليهودي يشكو من الوحدة ومن تحمله لمسؤوليات الكبار قبل الأوان.
هجرته أمه وتركته وجها لوجه أمام أب فظ القلب، مارس على ابنه التعس ساديته مما جعل الأخير يشعر بالحرمان والقهر، ويميل إلى هامش الانحراف والضياع، لولا أن إبراهيم أحبه وأشفق لحاله، فمد له طوق النجاة، وساعده على فهم الحياة والناس، ووقف إلى جانبه في المحن والشدائد، وكأن الاختلاف الديني بينهما لم يخلق العداوة، بل عزز الأحاسيس الإنسانية.
بصراحة، تبقى هذه المحاولة ناقصة إذا لم تفرد حيزا، ولو على شكل فقرة أو فقرتين، للوقوف على جمالية عنوان الرواية: “السيد ابراهيم وأزهار القرأن الكريم”. هنا، من خلال الدلالة العامة للعنوان، يحق لي اعتبارها أهم سبب على الاطلاق كامن وراء الشهرة النجومية التي اكتسبها الكاتب بين معشر القراء العرب، خاصة وأنها تمنح لهم مرتبة “الأنا” بينما تجعل اليهود هم “الآخر”.
وفي تأويل أخر، فقد أزهر الحب بين الفتى اليهودي والبقال وبات وجها آخر للدين، وبذلك انفتح المسلم المتصوف على اليهودي معتمدا على تعاليم دينه، التي أشار اليها الروائي ب”أزهار القرآن”.
وبما أن الأخير على علم بتقديس المسلم للنص الديني فقد جعل هذه العلاقة جزءا لا يتجزأ من جماليات العنوان، بحيث شخص لنا لإبراهيم كرجل ورع يتخذ من آيات الذكر الحكيم نبراسا هاديا له في حركاته وسكناته،
ونورا ينير به علاقاته الإنسانية، لهذا بات ضرورة حياتية وجمالية، كالأزهار تماما. ليس غريبا، في كنف هذه العلاقة المنفتحة، أن تسفر لصالح كلي الطرفين، بشكل متبادل، عن تعويض لنقص دفين في الأعماق. بالنسبة لإبراهيم، وجد فيها تعويضا نفسيا عن نقص يشعر به جراء عزلته عن الدفء العائلي.
أما موسى فكانت غنيمته منها (العلاقة) عبارة عن تعويضه عن الحرمان من حنان الأم والأب كليهما. ويبدو أن اسم ابراهيم قد اختير عن رغبة في تأكيد أن المرجعية الدينية واحدة، لأن النبي إبراهيم (عليه السلام) هو أبو الأنبياء جميعا، يلتقي في ظلاله المسلم واليهودي، لهذا بقي اسمه ثابتا على مر العصور بسبب ثراء دلالته.