ذاكرةرأي/ كرونيك

عبدالرحمان الغندور: هذه شهادتي للتاريخ في ذكرى رحيل الزايدي.. حول المصالحة داخل الاتحاد الاشتراكي وأشياء أخرى

عبد الرحمان الغندور

شهادة للتاريخ، ليس للترحم على الفقيد أحمد الزايدي، ولكن ليشهد المناضلون والمناضلات، وعموم المهتمين بحزب الاتحاد الاشتراكي، أن المرحوم كان من رواد المصالحة، من اجل الحزب والوطن.

قبل حوالي 60 ساعة من رحيل أخينا أحمد الزايدي رحمه الله، كان لنا لقاء معه بمنزل الأخ المناضل حسن الشرايبي، تقاسمنا فيه بعد نقاش طويل، وجبة كسكس.

حضر اللقاء الذي كان بدعوة منا، والذي استجاب له المرحوم بدون تردد، كل من عبد ربه، وحميد باجو، وجمال براوي، وعبد الله مديد، وندي أمين، ومحمد العلمي، وخالد المصلوحي (العمراني) والعربي حبشي، والزهرة قدوري.
قررت هذه المجموعة، تكوين مجموعة للتفكير والمصالحة ولم الشمل وإنقاذ الاتحاد الاشتراكي من مزيد من التشردم، الذي أصبح قاعدة بعد انتهاء المؤتمر التاسع ببوزنيقة.

وقررنا فتح نقاش أخوي مع كل من المرحوم احمد الزايدي والكاتب الأول إدريس لشكر، والبحث عن كل المخارج التي تمكن الحزب من تجاوز نتائج الزلزال الذي أحدثه المؤتمر التاسع.

واستطعنا الاتفاق على موعدين، الأول مع المرحوم أحمد الزايدي يوم الخميس 6 نونبر 2014، بمنزل الأخ حسن الشرايبي. والثاني يوم الجمعة 7 من نفس الشهر مع ادريس لشكر بمنزله.

لقد كان الحزب آنذاك، بعد مرور 22 شهرا عن مؤتمره التاسع بقيادة إدريس لشكر، قد عرف هزات كبيرة مست بناءه ووحدته، بدءا التصريحات والتصريحات المضادة لمرشحي الكتابة الأولى، واستقالة رضا الشامي من المكتب السياسي، مرورا بالصراع حول رئاسة الفريق الاتحادي بمجلس النواب، إلى تمزيق الفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى مركزيتين مدمرتين لوحدة الفعل النقابي، إلى التمزقات التي عرفها القطاع النسائي وشبيبة الحزب، إضافة إلى دعوات بالعودة إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتباره الحزب المرجعي للاتحاد الاشتراكي، شارك فيها العديد ممن لا غيرة لهم إلا على مصالحهم الخاصة.

وكانت مبادرتنا ترمي أولا إلى المساهمة في وقف هذه الهزات الارتدادية بالاستماع للطرفين المتصارعين وباعتماد الوضوح والصراحة وتجاوز لغة الخشب بغية السماح لنا بصياغة وثيقة توافقية بين الطرفين تسمح بتفعيل كل ما هو إيجابي فكريا وتنظيميا وأخلاقيا من أجل مصلحة الحزب ووحدته خاصة وأنه مقبل على استحقاقات سيكون لها ما لها على مسقبل الحزب وطبيعة حضوره في المشهد السياسي

في لقائنا مع المرحوم الزايدي، الذي دام حوالي 5 ساعات، كنا مستفزين بأسئلتنا، وأحيانا مستنطقين للأخ أحمد، من أجل معرفة رأيه في كل ما حدث، ورؤيته لمستقبل الحزب، راجين منه أن يضع الحزب والوطن فوق كل الأشياء الأخرى.
وكان المرحوم واضحا إلى درجة التعري، وكان إيجابيا إلى أقصى الحدود. وتأكدت إيجابيته بشكل عميق حين أخبرنا أن فكرة العودة إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ليست له، وهو غير مقتنع بها، وأنه لا ينظر للمستقبل بعين سلفية.

كما أن التفكير في بديل للاتحاد الاشتراكي، تفكير خارج زمانه، ولم تنضج بعد الشروط لذلك، وأننا لم نستنفذ كل ما يمكن فعله من أجل إنقاد حزب القوات الشعبية.
وختم نقاشه وردوده على أسئلتنا بقوله :
الاتحاد الاشتراكي لحد الآن خط أحمر، ولا يزال هو بيتنا المشترك الذي يجمعنا جميعا، وأنا مستعد لكل التنازلات الموضوعية والمتبادلة لإنقاذ الحزب واسترجاع استقلاليته.

أخبرْنا الأخ أحمد، أن لنا موعد مع الكاتب الأول في اليوم الموالي، وطلبنا منه إن كانت له رسالة يريد أن يوجهها له. وكانت رسالته هي أن نوضح للأخ إدريس انعدام إي خلاف شخصي، أو ذاتي معه، وأنه على استعداد لأي حوار فكري، تنظيمي، قانوني، وأخلاقي للاتفاق على خارطة طريق تضمن للحزب وحدته واستقلاليته.

في اليوم الموالي 7 نونبر 2014، كان لنا موعد مع الكاتب الأول، بمنزله بالرباط، حيث استقبلنا بحفاوة بالغة، مشحونة برسالة واضحة حين قال لنا:
انا أستقبلكم كصديق لكم، تقاسمنا الكثير من المحطات والعلاقات الأخوية، ولا أستقبلكم ككاتب أول للاتحاد الاشتراكي، وكل مداولاتنا هي مداولات أصدقاء أبناء مدرسة واحدة، نستفيذ فيها من بعضنا.

وكانت الرسالة تعني أني ككاتب أول غير مستعد لأي التزام، وأن التزاماتي كصديق لا تلزمني ككاتب أول، وبقدر ما كانت الرسالة موجهة لنا، كانت أيضا موجهة لأعضاء المكتب السياسي الذين استدعاهم لحضور اللقاء، وهم لحبيب المالكي، ومحمد بوزوبع، وعبد الكريم بنعتيق، الذين التزموا الصمت طيلة اللقاء، أو سايروا أطروحات الكاتب الأول ببعض التوضيحات، دون أن يصدر عنهم ما يفيد الالتزام بأي موقف.

ورغم وضوح الرسالة، تعمدت شخصيا، وشاركني الأخوان حميد باجو وعبد الله مديد،في أن نخاطبه ككاتب أول، وأن مبادرتنا تسعى إلى أن يكون الأخ إدريس كاتبا أولا لكل الاتحاديين والاتحاديات، وليس فقط لمن يناصرونه، وأن الظرفية تستدعي أن يكون الحزب موحدا وقويا لمواجهة التراجعات التي يعرفها الوطن والترديات التي تهز المشهد السياسي، لبس الكاتب الأول جبة المحامي الذي يدافع بالقانون، عن قضية ما، ولم يكن المحاور الذي يشاركك هم البحث عن مخارج للوضع الحزبي، وكانت قضيته هي الدفاع عن مواقفه وقراراته، دون الأخذ بعين الاعتبار انعكاساتها على الآخرين ممن يشاركونه العيش تحت نفس السقف الاتحادي، فجاء كلامه كنوع من خطبة عصماء تريد إقناعنا بأن الحزب في أحسن أوضاعه، وكل من يرى غير ذلك، ما عليه سوى أن يبحث لنفسه عن مخرج، كأنه يكرر بصيغة أخرى مقولة ” أرض الله واسع. ”

انتهى اللقاء حوالي منتصف الليل دون أن نلمس أي خيط يمكننا من التفكير في صيغة تصالحية لإنقاد حزبنا وانتهى تفكيرنا وانتهت مبادرتنا بعد أقل من 48 ساعة حين بلغنا نبأ الرحيل المأسوي لأخينا احمد الزايدي

ولن أنسى وأنا أنزل من السيارة في البيضاء، بعد مغادرتنا لبيت الكاتب الأول ما قلت للأخ حسن الشرايبي وعبد الله مديد:
الاتحاد في طريقه إلى الاختفاء من المشهد السياسي من خلال مواقف السي إدريس. واستحقاقات 2015 الجماعية، و 2016 التشريعية ستؤكد هذا بالملموس.

وهذا فعلا ما أكدته الأيام سياسيا، وتأكد تنظيميا في المؤتمر العاشر حين غادر 10 من أعضاء المكتب السياسي مركب السي إدريس، الذي فشل في استعادة المبادرة كما تصورها، مما أدى به على أعتاب استحقاقات 2020 و 2021 إلى ركوب فكرة المصالحة والانفتاح، التي لا تتوفر على شروط نجاحها الفكرية والأخلاقية، وسيكون مصيرها مثل كل المبادرات التي تتم بالحسابات الذاتية الشخصية، التي تعدم الآخر، وتنفي الحق في الاختلاف، وتقبر إيجابية النقد والنقد الذاتي.

فلا مصالحة إلا مصالحة مع ذواتنا أولا، ولا انفتاح سوى الانفتاح على بعضنا من خلال قراءة جديدة لراهننا السياسي وواقعنا الاجتماعي والاقتصادي، وبنائنا الحزبي فكريا وأخلاقيا وتنظيميا.

أقدم شهادتي هذه، التي يمكن أن يكذبها أو يصححها أو يكملها الإخوة الذين ساهموا فيها…وهي شهادة تؤكد أن عددا من المناضلين الاتحاديين، ليسوا ضد المصالحة، بل كانوا السباقين للدعوة لها في وقتها، في محطات متعددة، حيث كانت ممكنة، لكنها مع توالي الأيام أصبحت عسيرة، واليوم غدت مستحيلة.
ويمكرون، ويمكر التاريخ، والتاريخ خير الماكرين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى