سياسة

حملة المقاطعة: مكسب اجتماعي قد تستغله الشركات لصالحها

تجاوزت حملة المقاطعة الشعبية لثلاث علامات تجارية ’’سيدي علي‘‘ ’’حليب سنطرال‘‘ و’’افريقيا غاز‘‘، شهرها الثاني، دون أن تظهر في الأفق معالم لحل الازمة أو التراجع.
الحملة التي انطلقت في العشرين من أبريل الماضي، كاحتجاج على غلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين، سرعان ما أرخت بظلالها على الأجندة السياسية للبلاد، لتعمق من حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يعرفه المغرب منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، انتهت إلى حد الآن باستقالة الوزير لحسن الداودي، وتراجع عزيز أحنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عن الظهور في الساحة العمومية، فضلا عن عودة النقاش إلى ازدواجية السلطة والمال، والتساؤل عن شرعية التمثيلية السياسية، وتطور الحركات الاجتماعية المغربية الجديدة منذ حراك ٢٠ فبراير ٢٠١١.

حملة المقاطعة….خلية نحل بدون ملكة

بعدما اصطدمت أغلب الحركات الاحتجاجية التي خاضها المغاربة بالمقاربة الأمنية المعتمدة من طرف الدولة، منذ حراك ٢٠ فبراير ٢٠١١، مرورا بالحركات الاحتجاجية الفئوية التي عبر عنها حراك الأطباء والأساتذة المتدربين، انتهاء بالاحتجاجات المجالية التي عبر عنها حراك الريف وحراك جرادة، انتقل المغاربة الى مجال الاحتجاج الافتراضي، من خلال إطلاق حملة المقاطعة لثلاث منتوجات استهلاكية، عبر الوسائل الرقمية، ما أعفاه من المواجهة المباشرة مع الدولة، التي وجدت نفسها عاجزة عن تسييد المقاربة الأمنية وتكثيف الاعتقالات للحد من زخم الاحتجاج، في ظل غياب قيادة مكشوفة للحملة، وبروز عقل جديد للمقاومة المدنية، وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، سعيد بنيس ’’ أن المتغير في حملة المقاطعة، الانتقال من النسق الواقعي إلى النسق الافتراضي، ما مكنها من تجاوز جميع البنيات السياسية والمدنية، وإعادة تصويب الحراك الاجتماعي والتفكير والتحضير لغزو فضاءات أخرى من خلال سلاح المقاطعة مثل الفضاء السياسي والفني وغيرهما‘‘ موضحا أنه بخلاف الاحتجاج الواقعي، فإن الاحتجاج الافتراضي، هو احتجاج رقمي وطني عابر للحدود يشكل فيه التشبيك والاتصال وثقافة « بارطاجي » أداة للإقناع والتوافق والانخراط الجماعي‘‘، مضيفا أن فعل المقاطعة الافتراضي ’’صار هو الضامن لاستمرارية فعل المقاطعة الواقعي. فتحولت المقاطعة إلى آلية للممانعة
والتعبئة وبالتالي الضغط والتأثير وأن العمق التفاوضي للمقاطعة يكمن في رمزيتها وجرأتها على تحدي السلطة السياسية والاقتصادية ‘‘ كما أكد بنيس على أن نجاعة حملة المقاطعة راجع إلى عنكبوتيتها وعدم
توفرها على قيادة مركزية او شكل تنظيمي محدد، قائلا ’’ إن السبب المباشرفي كون المقاطعة أضحت وسيلة جامعة ومؤطرة هو تواري أصحابها إلى الوراء وتجاوزهم وتملكها من قبل جماهير الأفراد المرتبطين بشبكة الأنترنيت‘‘موضحا أنه ’’مع انتفاء شرط المحاور، أضحت المقاطعة فعل احتجاجي يتحكم فيه موقف مجتمعي وليس هيأة أو ريادة معينة، ستستمر المقاطعة وستمتد إلى مواد وخدمات اجتماعية أخرى‘‘. كما اعتبر أنه “من المستحب مقاربة “فعل” المقاطعة على أساس أنه ليس فقط مسألة ترتبط بأفق ارتفاع الأسعار أوغلاء المعيشة أوبتداعيات خسائر وأرباح الشركات أو برهانات السوق الاقتصادية الداخلية بل يشكل بالأساس تحديا كبيرا لمنظومة العيش المشترك والتماسك الاجتماعي بالمغرب.

مكاسب لم تصل الى خفض الأسعار

بالرغم من عدم نجاح حملة المقاطعة في خفض أسعار المنتوجات الاستهلاكية الثلاث التي استهدفتها، إلا أنها تمكنت من تحقيق مجموعة من المكاسب في اتجاه تنشيط النقاش العمومي حول الأزمة الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب، وفي هذا الصدد، قال محمد حطاطي، القيادي بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل، إنه بالرغم من استحالة الوقوف على حجم الخسائر التي ألحقتها حملة المقاطعة بالشركات التي استهدفتها، في غياب الشفافية المالية والاقتصادية، وإحجام هذه الشركات عن الإعلان عن خسائرها وأرباحها بالارقام الدقيقة، إلا أن حركة المقاطعين، تمكنت من تحقيق مكاسب مهمة في اتجاه حلحلة المسلسل الديمقراطي والاجتماعي، بحيث أعادت النقاش الحقيقي حول الاحتكار والتوزيع العادل للثرواث، وزواج السلطة بالمال، كما أعادت النقاش لثائية المستغِلين والمستغَلين، وهو ما يساهم في تشكيل رأي عام مدني قوي، ينتقد الاختيارات السياسية والاقتصادية اللاشعبية للدولة، التي دشنتها حكومة عبد الاله بنكيران وخلفه سعد الدين العثماني، هذا الرأي العام سيشكل نقطة تحول في الصراع بين الدولة والحركات الاجتماعية التي تتقوى يوما بعد يوم.

حسن ضفير

من جهته اعتبر حسن ضفير، منسق معهد تكوين ومرافقة الجمعيات العاملة عن قرب، أن انطلاق حملة المقاطعة في حد ذاته مسألة ايجابية ’’باعتباره آلية من آليات المقاومة الناجعة ضد الاختيارات الاقتصادية الحالية، بالنظر إلى حجم ردود الحكومة في الأيام الأولى للمقاطعة، والتي تراوحت ما بين التهجم على المقاطعين، ونعتهم بنعوت قدحية من قبيل (المداويخ، الجيعانين، القطيع) ثم الزجر والتهديد بالمعاقبة قانونيا كل من أثبث أنه ينشر معلومات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، قبل أن تنتهي بطلب العفو وتلطيف الاجواء‘‘ وهو ما يعني،يضيف ضفير، أن حملة المقاطعة أصابت بشكل مباشر مصالح الفئات المتنفذة،
كما أبانت الحملة ضعف المسؤولين الحكوميين وعجزهم عن تدبير الأزمات، لافتقادهم أولا، يشرح ضفير، لاستراتيجية لتدبير الأزمات، وثانيا، لا يملكون الإنصات الكافي لحركية المجتمع، وبالتالي ظلت الحكومة حبيسة ردود أفعال انطباعية، انعكست على الموقف الحكومي.
الحملة أيضا نجحت حسب ضفير، في إعادة سؤال الشرعية التمثيلية للحكومة، قائلا إن الحملة أبانت على أن الحكومة تعمل من موقع حارس للمصلحة الشخصية، لا الصالح العام، كما يفترض في مؤسسة منتخبة، والذي بدا واضحا في انحياز الحكومة لصالح الشركات المعنية بالمقاطعة، كذلك نجحت الحملة في اعادة النقاش حول ازدواجية المال والسلطة، وتأثيره على مصالح المواطنين، كما بينت أن مجموعة من الأشخاص الذين يحتلون مواقع عمومية والذين من المفترض أن يدافعوا على مصلحة المواطنين، تحولوا للدفاع على مصالحهم الخاصة.
كما ساهمت الحملة في التأثير في الأجندة السياسية للبلاد، بإعادة ترتيب بعض آليات التقويم ضمن أولويات جدول الأعمال الحكومي من بينها تفعيل مجلس المنافسة، تسقيف الأسعار، واسترجاع ١٧ مليار من الأرباح غير الأخلاقية، التي جنتها شركات المحروقات، بعد تحرير أسعار المحروقات من طرق حكومة عبد الاله بن كيران.

مدونة الشغل …صمام أمان الشركات

بعد عدم تجاوب الشركات والحكومة مع المطالب التي رفعتها حملة المقاطعة، بالرغم من مرور أكثر من شهرين على انطلاقها، اتجه المقاطعون والمنظمات الداعمة لحملة المقاطعة، نحو طرح مجموعة من الامكانيات والبدائل الممكن اعتمادها من طرف الشركات، من أجل الالتفاف على أهداف الحملة، والحد من خسائرها، خاصة بعد العرض التسويقي الذي اختارته شركة سنطرال دانون، خلال شهر رمضان، بغية تحفيز المستهلكين لشراء الحليب، ومن بين هذه الاحتمالات، إمكانية تأويل الكتاب الخامس من مدونة التجارة، المخصص للمقاولات في حالة صعوبة، ومن أجل التأكد من هذه الفرضية، اتصل الموقع بالأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد طارق، الذي نفى هذه الفرضية، موضحا أن الكتاب الخامس من مدونة التجارة، يتعلق بـ’’صعوبة المقاولات، وهي مسطرة قانونية تحتاج إلى إذن من عامل العمالة أو الإقليم، بناء على تقرير ينجزه المدير الإقليمي للتشغيل، بعد عرض الأمر على لجنة المقاولة بالشركات المعنية‘‘.
وأضاف محمد طارق، أنه في حالة الشركات المستهدفة من حملة المقاطعة، فإنها تنطبق على مدونة الشغل، التي تتحدث عن مسطرة التقليص من ساعات العمل، أو من عدد الأجراء، في حالة الصعوبات الاقتصادية.
في السياق ذاته، أكد محمد حطاطي، عضو المكتب التنفيذي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، أنه إن جنت حملة المقاطعة مكاسب ايجابية على المستويين السياسي والاجتماعي، فإن لها تأثيرات سلبية ترافقها، على اعتبار أن الشركات المستهدفة لن تقف مكتوفة الأيدي، تحصي خسائرها، يقول القيادي الكنفدرالي، محمد حطاطي، ففي ظل عدم تجاوب الشركات مع المطلب الأساسي لحملة المقاطعة والمتمثل في خفض الأسعار، فإن الشركات ستستغل الحملة من أجل تسريح العمال والمستخدمين، كما هو بالنسبة لشركة سنطرال دانون، التي انطلقت فعلا في تسريح العمال، تحت ذريعة الخسائر التي تكبدتها منذ انطلاق حملة المقاطعة، حيث أفادت في بلاغ رسمي لها أنها تتوقع تراجعاً في رقم معاملاتها وأرباحها، في النصف الأول من السنة الجارية، كما تتوقع انخفاضاً حتى بالنسبة إلى السنة بكاملها، وتراجعاً في أنشطتها متمثلاً في تقهقر رقم المعاملات الموحد بـ50 في المائة، علما أنه، يضيف المصدر ذاته، أنه سبق لشركة سانطرال دانون، ان اعدت خطة عمل تقضي بتسريح نصف عمالها ومستخدميها، ما يعني أن الأمر يتعلق باختيارات خاصة بهده الشركة وليس بتأثيرات مباشرة من حملة المقاطعة، تحت غطاء قانوني تكفله لها مدونة الشغل، التي تمنح الشركات امكانيات كبيرة لتقليص عدد العمال، كما ستستغل هذه الشركات حملة المقاطعة، من أجل الضغط والتضييق على الحريات النقابية، وانتزاع امتيازات أخرى لصالحها من قبيل التخفيض الضريبي.
وأضاف حطاطي، أنه بالنسبة لهم في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، ’’يقع على عاتقنا تنبيه الدولة إلى جدية الأزمة الاجتماعية وتزايد الاحتقان الاجتماعي، وتنامي التعبيرات الاحتجاجية، كما ننبهها إلى ضرورة تملك القرار السياسي، واتخاد تدبيرات من شأنها تطويق الأزمة، من خلال الإسراع بتسقيف بيع المحروقات، وضبط السوق الداخلية مع الخارجية، وهو ما لم يتم بعد، بالرغم من الإجهاز على محطة لاسامير، وكذا التدخل لفرض الحماية الاجتماعية للعمال المهددين بالتسريح، كما ندعوها من جهة أخرى، إلى حوار وطني جاد من أجل الإصلاح الشامل العميق بما يحقق العدالة الاجتماعية والديمقراطية.

مصير المقاطعة رهين بالمؤسسات التشريعية

وحول مستقبل حملة المقاطعة، يقول حسن ضفير، إنه يجب التفكير في الاجراءات الممكنة لتحقيق التناغم ما بين صوت الشارع والمؤسسات التشريعية، مضيفا ’’نحن اليوم أمام مسلسل متقدم في أشكال المقاومة، حقق نتائح مهمة على المستوى السياسي، المفترض الآن هو التفكير في أشكال التأطير الممكنة لمواكبة هذا النوع من الاحتجاج‘‘
هذا التناغم، يتابع ضفير، يمكن أن نستشف بعض مداخله من المبادرات التي قام مجموعة من النواب البرلمانيين، الذين استطاعوا أن يكونوا صوتا لحركة المقاطعة من خلال طرح عدد من الأسئلة في هذا الموضوع داخل مجلس النواب، ناهيك عن انخراط بعض الاحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني من أجل دعم حملة المقاطعة.
واختتم المصدر ذاته، رأيه في هذا الاحتجاج الرقمي يالقول إنه ’’يجب التفكير في كيفية حصول التناغم بين هذه الفقرات، كي يؤدي إلى نتائح هيكلية منعكسة في السياسات العمومية وقوانين تحكم البلاد، لكن إذا ظل مجزءا فمن الممكن أ يتناقص تأثير هذه الالية مع مرور الوقت، لتصبح فقط فقاعة إعلامية بدون تاثير فعلي على مجريات الأمور في البلاد‘‘.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى