رأي/ كرونيك

بونيت:صكوك غفران بالمجان..ونقاش مع أصدقائي من التيار الأمازيغي بمناسبة مسيرة الأحد

عزالدين بونيت

استغربت ما قرأت من تعاليق لعدد من أصدقائي، المنتمين إلى التيار الأمازيغي تحديدا، في أعقاب مسيرة أمس الأحد التي خرجت بالرباط تنديدا بصفعة القرن، وتضامنا مع الشعب الفلسطيني المضطهد، والمغتصبة أرضه.
استغربت البرودة البالغة حد التجمد، في تفاعلهم مع المسيرة. واستغربت نغمة السخرية والتسفيه التي علت محيا بعض المعلقين، وهم يتفننون في تدبيج تعاليقهم، حين لم يروا في المسيرة إلا حركات يائسة لا جدوى منها، أو مجرد حيل للمتاجرة بالقضية، وانتهاز الفرص، أو إخفاء أهداف غير معلنة…

استغربت هذه الروح المتيبسة على نحو مبالغ فيه، لم أجد له تفسيرا سوى ما بلغه بعض هؤلاء الأصدقاء من تكلس إيديولوجي ضد ما يسمونه بالعروبية، ويردفونها بالإسلاموية، من باب التمويه والإيحاء بموقع تقدمي مزعوم في موقف يقطر رجعية في حقيقته.

يكتب بعض هؤلاء المعلقين أن المغاربة لم يتمكنوا من حل مشاكلهم الخاصة، فأنى لهم أن ينشغلوا بمشاكل الآخرين. ويكتب آخر إن هؤلاء المتظاهرين الذين يصرخون في شوارع الرباط يضرون القضية أكثر مما ينفعونها، وهناك من كتب أن العروبيين والإسلامويين هم المسؤولون عما وصلت اليه القضية الفلسطينية من تأزم.

ويمعن معلق آخر في التأكيد على أن الفلسطينيين أخطأوا منذ أكثر من نصف قرن، وما زالوا يراكمون الأخطاء بسبب في تأكيدهم على عروبتهم.

لا يعنيني الرد على كل هذه التأكيدات، التي ترد على نفسها بمجرد التحلي بقدر يسير من يقظة الضمير الإنساني، لكنني أجد نفسي مدعوا للرد على نوع محدد من الاستدلال أرى انه يؤدي إلى منزلق فكري وإيديولوجي خطير، يتعلق الأمر بقول من يقول، إن أوضاع الفلسطينيين وقضيتهم، سببها عدم اختيارهم منذ عقود التخلي فكرة العروبة لانها فكرة تأكد عقمها.

لا علاقة للأمر بالعروبة ولا بالإسلام (سواء عروبتنا نحن وإسلامنا، أو عروبة الفلسطينيين او إسلامهم..) رأيي منذ زمان هو إننا لا نملك ان نملي على أصحاب الشأن مضمون هويتهم. إذا كانوا يعتبرون أنفسهم عربا، فبأي حق نتدخل نحن لنقول لهم: أنتم مخطئون في تحديد هويتكم؟ إذا كنا نحن لا نعتبر أنفسنا عربا، فذلك لا يبيح لنا أن نسفه من يعتبر نفسه كذلك. مشكلتي مع المنطق الثاوي خلف هذا الموقف، لا تتعلق بدرجة تماسكه، وإنما بكونه ينطوي على تبرير لجرائم الصهيونية العنصرية.

أن نقول إن ما يتعرض له الفلسطينيون منذ نشأة ذلك الكيان العنصري الامبريالي، هو بسبب إصرار الفلسطينيين على كونهم عربا أو مسلمين، أمر في غاية الخطورة من حيث مؤداه البعيد المدى.

هل نظن حقا أن إسرائيل ستكف عن أن تكون دولة مجرمة وعنصرية بمجرد أن يكف الفلسطينيون عن عروبتهم وإسلامهم؟ هل عندنا ضمانة بذلك؟ ثم لماذا يعتبر أصحاب هذا الاستدلال ان الفلسطينيين هم وحدهم المخطئون؟ هل ينبغي أن نفهم من ذلك أن الصهاينة العنصريين لا مسؤولية لهم فيما يتعرض له الفلسطينيون؟ هذه هي مشكلتي مع مع هذا، ولا مشكلة لدي مع الفكرة التي تقول انه ينبغي البحث عن أفكار جديدة وآفاق اخرى لحل المشكلة الفلسطينية.

كن على يقين، أنك حين تواجه سياسة ممنهجة لتجريدك من أرضك ومائك وأشجارك وكل ما يمكن أن يتيح لك العيش السوي والمساوي لعيش المواطن اليهودي الذي يعتبره دستور الكيان الغاشم وحده مواطن الدولة العبرية، عندئذ ستدرك أن لا معنى لأي حلول تقبل بالأمر الواقع الحالي، وأن الضحية ليس مطلوبا منه ان يعتذر للجلاد، وليس مقبولا منه ان يمنح للجلاد صك غفران يرفع عن كاهله أوزار جرائمه، كما نفعل نحن هنا نيابة عنه.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى