رأي/ كرونيك

خطاب العرش محاسبة للدولة أنجع من مساءلة حكومتها

كثير منا يركز على تقييم أداء الحكومة عوض حصيلة السلطة التنفيذية برأسيها، وعلى الخصوص في ظل تماهي الصلاحيات والمسؤوليات، وفي مجالات استراتيجية، والتي تمر وجوبا عبر المجلس الوزاري، من المالية إلى الأمن .

وإذا كان مقبولا أن نحاسب السياسات العمومية، رغما عن هشاشة آليات الرقابة؛ فإن خطاب الملك بمناسبة ذكرى الجلوس، سيكون أنجع لو حاسب الدولة، خلال السنة الجارية، ومن خلال التزامات العهد الجديد المتراكمة، وذلك أنجع من مساءلة الموظفين والمنتخبين، ليس فقط في إطار النقد الذاتي الواجب، ولكن من باب رد الاعتبار لإرادة استرداد الثقة وتحيين مقتضياتها انسجاما مع روح الرقابة و تقييم مفعول الدستور ومدى تأثير الروح التي سادت منذ بسط مطالب الحراك الفبرايري وعرض الملك السياسي منذ خطاب 9 مارس 2011، خاصة مطلب الخيار الدمقراطي المتعثر، بسبب الصفقة التي ابرمتها الدولة مع حكومتها الأولى ( المصباحية الرأس )، رغما عن التدرج المقترح من خلال حل الملكية البرلمانية، كحل انتقالي لتجاوز الوضع السياسي المأزوم، والذي يعود السبب فيه الى عدم المأسسة وعدم المصداقية لانعدام الثقة، فما يسمى بالديموقراطية التمثيلية، بمعناها الفني والدرامي، لم تستطع تأطير الصراع مؤسساتيا، الشيء الذي جعل المعارضة الحقيقية تكون في الفضاء العمومي المفتوح، أي في الحقل الاجتماعي لا في المجال السياسي المغلق .

لربما حصل استيلاب عارض لدى بعض مهندسي العقل الأمني بكون تحولات قد حصلت في ظل الملكية التنفيذية، وبالتالي لا حاجة إلى ” دكاكين سياسية ” تزعم إختلاق ملكية برلمانية قد تشوش على أي ضبط، والحال أن الضبط الذي لا يخضع نفسه لرقابة السلطات المعنوية المضادة يؤكد فرضية وجود إرادة قمينة تتحكم وحدها في تأويل مقتضيات قانونية مجازية وأخرى دستورية على الورق، فكل البياضات توحي بامكانية إعادة إنتاج الماضي بوصايته التاريخية وأبويته المستندة للشرعية الدينية وفي نفس الوقت مشروط صمودها بحمايات افتراضية مستمدة من الولاء للخارج، فكيف لهذا العقل الأمني أن يتجاهل بأن التحكم لن يزيد سوى مزيد من تبعية الحقل السياسي الوطني للحقل المالي والاقتصادي المحلي والدولي ايضا، مادام عنوان التعاقد الكمبرادوري لا يخرج عن الوساطة أو العمالة في أحسن الأحوال، وقد أكد التاريخ على أن ثنائية المخزن المركزي والسيبة في الهوامش والمحيط، كانت لها الدور السلبي على الوضع الاعتباري للمؤسسة السلطانية، ولا أحد يمكنه ان ينكر الاختراق الذي حصل والخيانات التي تفرخت عن الوساطات والحمايات، باعتبار أن الوساطة لم تكن فقط مالية أو استشارية معرفية إدارية أو فنية عسكرية، وانما عبر مقدمي الخدمات والسخرات في إطار الفتوى والدفاع والأمن، توجت بالاندماج التدريجي في دواليب الدولة، ولعل مراجعة قرائية عابرة للتوترات والانتفاضات التي وقعت في المغرب لتبين بأن « الصهد » من الداخل، لذلك فإن سؤال الثقة يطرح نفسه بالحاح، بدليل أن جهات معينة تشتغل من نفس العقل الأمني، وإن من زاوية معينة أكثر عقلانية، تقدم الاستشارة لمن يجب من باب التنبيه والنقد الذاتي المنتج والمفيد للمصلحة، فهي تحاول أن ترصد المواقف الرصينة وتنقلها بكل أمانة، طبقا لقاعدة « من يحب شخصا ما، عليه أن يقول له الحقيقة ً»، فالانتهازية مرض فتاك ومعدي، ينتقل مع حامله، وليس كل من يفتح دكانا تجاريا أو سياسيا، هو بالضرورة يبتغي مصلحة الوطن أو النظام حتى، لأن النضال ليس وظيفة يلبسها المرتزقون والمستبيحون لكل ما هو غير مشروع، فهم هؤلاء هو تملك مساطر وقنوات حيازة المنفعة والسلطة بأقل تكلفة أو بدونها حتى .

من هنا لا يكفي تبجح البعض بصناعة الوهم وابتداع جهاز مفاهيمي جديد، الذي هو من مهمة المختصين الذين لا تخلو صدورهم من حب للوطن وغيرة على سلامته، اما اختلاق معركة خدام الدولة ضد خدام الوطن فهي كالشجرة التي يحاولون بها، عبثا، إخفاء إشكالية الولاء والانتماء المؤسساتي، لان هناك ارادة قوية للاعتراف بالفساد من اجل الإقرار الضمني بشرعنة الاستبداد، وكل هذه الأشكال من الصراعات الفوقية المفتعلة تهدف في اخر التحليل إلى طمس سؤال دمقرطة التعاقد حول الثروة والقوة العمومية والمعرفة، طبقا للوعد بمفهوم جديد للسلطة يؤطره المفهوم الجديد للعدل، والذي ليس سوى اعتراف بالآخرين، أي المعارضة الناشئة في قلب الوطن وفي ثنايا اختلالات العدالة الاجتماعية والأمن الإنساني، وهي التزامات تشكل العمود الفقري لرجال ونساء العهد الجديد / المخضرم، وهي تتبلور في شكل آليات للتعاقد بين الدولة والمجتمع، حيث لكل طرف تعبيراته الثقافية والسياسية، لأن الفراغ العميق والفاصل بين الحقلين الاجتماعي والثقافي والحقل السياسي، هو الذي يكرس مفاهيم كالمغرب العميق تجاه الدولة العميقة، ومفهوم دولة المجتمع عوض مجتمع الدولة، ورعايا الآيالة بدل مواطني الوطن، و خدام النظام السياسي عوض موظفي الدولة . ومادام الفساد قناع لكل نزعات الاستبداد، فإعمال آليات نقد الذاتي والرقابة الذاتية أولى، لأن انتهاك العرض يبتدئ من انتزاع حيازة الأرض، في سياق ثنائية مفارقة جدا : خوصصة القطاع العام و نزع ملكية أراضي الفلاحين البسطاء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى