حبل الكذب يلف عنق بوليف.. أو حين يلبس الوزير طربوش الافتصادي بالنهار وطاقية الفقيه بالليل والويكاند
يقول المثل العربي “حبل الكذب قصير” ويقول المثل المغربي الدارج “اتبع الكذاب حتى لباب الدار”. السيد بوليف حين تقمص دور الفقيه حرّم فوائد القروض الموجهة لدعم الشباب المقاول، مفضلا القروض”الحلال” التي تمنحها الأبناك التشاركية عن تلك التي تُقرضها الأبناك التقليدية.
بينما حين يرتدي جبة الاقتصادي يتغير تحليله ورأيه، ويمكن بيان تناقضات بوليف من خلال مقالة لها نشرها بالموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية بتاريخ 6 فبراير 2020، كالتالي:
: 1 ــ التمويل لا دين له ولا عقيدة، لهذا لم يشترط بوليف العقيدة / الإسلام في التمويل حتى يصير عصب النمو الاقتصادي (يرتبط النمو الاقتصادي لبلد معين بمستوى القيمة المضافة المحدثة من طرف مختلف فاعليه الاقتصاديين.. فإن عصب كل ذلك مرتبط بمستوى وشروط “التمويل”.. وبالتالي فإن أي حديث عن مستوى معين من النمو يتطلب الحديث عن إيجاد “أفضل” السبل بالنسبة للتمويل وكلفته).
فالمقاول الشاب بحاجة إلى تمويل بشروط مشجعة وبنسبة فوائد قليلة بغض النظر عن الخلفية العقدية للجهة المموِّلة، ومن ثم فمسألة الحلال والحرام في التمويل لا تستقيم مع تحريم بوليف لتمويل الأبناك التقليدية للمقاولين الشباب.
2 : ــ هاجس المقاولين الشباب المال وليس الدين، هذا ما قاله بوليف (فإن الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة يهمها أن تجد التمويل المناسب لقدراتها، وهو الأمر الذي يؤرقها على أكثر من صعيد، ونفس الشيء بالنسبة للشباب حاملي المشاريع المبتكرة الذين يبحثون عن تمويل -وفي كثير من الأحيان تمويل بصيغة “دعم”- لكي ينطلقوا و/أو يستمروا في الإنتاج والابتكار، وبالتالي المساهمة في دعم النمو الاقتصادي للبلد).
مادام الأهم بالنسبة للشاب المقاول هو حصوله على التمويل بصيغة”الدعم” أي بفوائد ضئيلة وهذا ما تتوخاه وتحرص عليه المبادرة الملكية “انطلاقة” فإن تحريم القروض التي توفرها الأبناك التقليدية للشباب هو تعطيل للنمو الاقتصادي وحرمان المجتمع من كفاءات أبنائه وخبراتهم ومصادرة طموحات وأحلام الشباب.
3 : ــ أولويات النموذج التنموي تمويل الشباب، حقيقة فرضت نفسها على بوليف(واعتبارا لكون المقاولة المتوسطة والصغيرة هي حجر الأساس والمكون الرئيسي للنسيج الاقتصادي المغربي (حوالي 95%)، من حيث العدد وفرص الشغل المتاحة، فإن الاهتمام بتمويلها أصبح من الأولويات في النموذج التنموي المقبل.. ستكون له آثار إيجابية على إدماج القطاع غير المهيكل وعلى إشراك الشباب والنساء في الدورة الاقتصادية والإنتاجية، بما يمكن من رفع معدل النشاط والمردودية العامة).
مادامت مبادرة “انطلاقة” متعددة النتائج والفوائد (دعم المقاولات الصغرى، خلق فرص الشغل، إدماج القطاع غير المهيكل لتوفير موارد إضافية للدولة، إشراك الشباب والنساء في الدورة الإنتاجية الخ )، فإن الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني يلزم بوليف وأمثاله بدعم المبادرة الملكية والانخراط فيها بتشجيع الشباب ومساعدتهم على إعداد الملفات والمشاريع لتقديمها إلى الأبناك قصد الحصول على التمويل .
لكن ما فعله بوليف وأمثاله هو مهاجمة المبادرة وتحريم القروض وتعطيل قدرات الشباب وحرمانهم من فرص الإنتاج والاندماج
4: ــ الإغراء والتغرير بالبديل التشاركي العاجز عن التمويل، في تدوينته التي حرّم فيها القروض البنكية التقليدية، أغرى بوليف الشباب بالتمويل البديل (أي الأبناك التشاركية/الإسلامية) كالتالي: ( والأبناك التشاركية المغربية والحمد لله موجودة لتقوم بما يلزم )، وفي هذا الإغراء تحريض للشباب على رفض القروض البنكية وإعداد الملفات، أي مقاطعة الأبناك التقليدية واللجوء إلى الأبناك التشاركية كما لو أن هذه الأخيرة مستعدة بما يكفي للتمويل ولها عروض داعمة بشروط أفضل وفوائد ربحية منعدمة.
وهذا تغرير بالشباب وكذب عليهم، لأن بوليف يعلم جيدا عجز الأبناك التشاركية عن توفير التمويل الكافي من جهة، وبدون فوائد من جهة ثانية، وهذا اعترافه ( والناظر لمختلف طرق التمويل ببلادنا يلحظ أن الأسواق المالية البديلة ليس بإمكانها في الوقت الراهن -لأسباب ذاتية وموضوعية مختلفة ملأ مكان “ملائم” في مجال التمويل، بما يمكن من الاستجابة لمختلف الاحتياجات المالية للفاعلين الاقتصاديين للقيام بمشاريعهم، وبالتالي يبقى القطاع البنكي هو المعول عليه ليقوم بهذا الدور “الحيوي” للاقتصاد).
إذن الإقرار بأن القطاع البنكي التقليدي هو المعول عليه يكشف كذب بوليف وسوء نيته في الدعاية للأبناك التشاركية والتغرير بالشباب قصد اللجوء إليها وإضاعة القوت والجهد دون جدوى .وليس لهذا التغرير الخبيث من دلالة سوى التآمر على مصلحة الشباب والمجتمع والوطن ليبقى الفقر والبطالة والركود الاقتصادي وتعطيل وتهميش طاقات الشباب والنساء وتشجيع فوضى القطاع غير المهيكل وحرمان خزينة الدولة من موارد إضافية.
5ــ الأبناك التشاركية لا تمول المقاولات
تدوينة بوليف التي تغري الشباب بقدرة الأبناك التشاركية على تمويل كل مشاريعهم ودعم مقاولاتهم ليس إلا دعاية كاذبة . فالتمويل الذي توفره تلك الأبناك جد محدود وموجه لقروض السكن والبيع بالمرابحة .وهذا ما أقره في مقالته (بالرجوع للأرقام “الماكرو” في هذا الصدد، نجد أن حجم التمويل التشاركي مثلا لا يمثل إلا 0.6% من حجم التمويل البنكي (6.1 مليار درهم)، يذهب في غالبيته العظمى لتمويل السكن.وبالتالي ليس هناك أثر حاليا لأية منافسة ممكنة للأبناك التشاركية لمثيلاتها التجارية، وخاصة إذا علمنا أن المنتوجات المقدمة من طرفها لا زالت قليلة و ضعيفة لم ترق بعد للاستجابة لمختلف حاجيات الزبائن، وتبقى مركزة على الجوانب التجارية كالبيع بالمرابحة).
فما الداعي، إذن، إلى التحريض ضد الأبناك التقليدية والحث على مقاطعة قروضها إلا أن يكون الهدف هو التشويش على المبادرة الملكية والسعي إلى إفشالها، ومن ثم ضرب أسس وشروط النمو الاقتصادي.
6 : ــ التشويش على المبادرة ثم الإقرار بجهود التمويل. جاءت تدوينة بوليف في سياق التكالب الإخواني/السلفي، باستثناء أحمد الريسوني، ضد المبادرة الملكية .
فجميعهم يريدون أن يستفحل الفقر والتهميش لتتسع القاعدة الاجتماعية لضحاياه التي تشكل القاعدة الانتخابية للبيجيدي . إنه استثمار سياسوي في الفقر والتهميش. علما أن تجارب الدول التي عرفت أزمات اقتصادية اعتمدت على تمويل المقاولات الصغرى باعتراف من بوليف (فالإحصائيات المتوفرة تشير إلى أن حصة القروض المقدمة للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة بلغت 37% من إجمالي القروض البنكية الممنوحة للمقاولات. وبدراسة مقارنة بسيطة، نجد أن هذه النسبة تصل بإيطاليا 18%، وبتركيا 32%، وبإسبانيا 55%، وباليونان 54%، لكن الملاحظ هو أن الدول (كاليونان وإسبانيا) التي عرفت إشكالات مالية وتراجعا اقتصاديا واضحا بعد أزمة 2008 وانهيارا لنسيجها المقاولاتي الصغير، خصصت نسبا هامة من التمويل البنكي (54-55%) لدعم إنتاجها ومقاولاتها الصغيرة. إذن هناك جهد كبير وجب القيام به في المغرب تجاه هذا النوع من المقاولات).
إن الإقرار بالجهد الذي ينبغي للمغرب القيام به في دعم المقاولات الصغرى لتحقيق النمو الاقتصادي يشترط في بوليف ونظرائه الاتصاف بالحس الوطني السليم والتجرد من كل العقائد الإيديولوجية والحسابات السياسوية الضيقة وجعل مصلحة الشعب والوطن فوق كل انتماء حزبي أو دعوي أو عقائدي.