رأي/ كرونيكسياسة

الجزء 2 من ثغرات تقرير بوعياش اللاحقوقي..مصطلح الحراك..السلمية من غيرها والتقدير السياسوي للتقرير..

عزيز ادمين الخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان

أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان تقريره حول التظاهرات التي عرفها إقليم الحسيمة، والمعروفة إعلاميا ب”حراك الريف”، وهو تقرير طال انتظاره كما جاء على لسان مُعديه، وباعتبار أن المجلس مؤسسة دستورية، باعتباره نتاج تعاقد سياسي لدستور 2011، وأنها تتلقى ميزانية من دافعي الضرائب بالمغرب، كما أن رأيها له أثر على عدد من الحقوق، وخاصة الحق في الحرية للقابعين في السجون، فإن مناقش هذه الوثيقة يُصبح التزاما معنويا على كل مُدافع عن حقوق الانسان.

وفيما يلي الجزء الثاني من القراءة في التقرير

  • تهريب حق التظاهر إلى احتجاجات

تبقى الحجج المقدمة من أجل تجاوز مصلطحي “الحراك” و”الريف” غير مقنعة، وأن تعويضها باحتجاجات إقليم الحسيمة غير ذي معنى، ببساطة لكون المتظاهرين والداعمين لهم هم من اختاروا تسميتهم بذلك، فلا يعقل مثلا أن نلغي مصطلح حركة 20 فبراير لكونه غير محدد في المكان، كما لا يمكن أن نلغي مصطلح انتفاضة “الكوميرا” وغيرها، وبالتالي نحن أمام تظاهرات “لحراك الريف” بإقليم الحسيمة.

كما أن مصطلح “الحراك” أصبح يتشكل كمفهوم جديد في الديناميات الاجتماعية والاحتجاجية، ودخل عدة معاجم سيولوجية وسياسية وأيضا حقوقية، بأنه ولج للقاموس اللغوي لبعض الدول كفرنسا وأمريكا HIRAK، لكون ليس له مرادف في هذه اللغات سابقا.

بل إن مفهوم “الحراك” ولج تقارير أممية في مجال حقوق الإنسان (الفقرة 29 التقرير A/ HRC/27/33 لسنة 2014) وتقرير هيومن رايت ووتش حول ” ردالحكومة اليمنية القاسي على احتجاجات الحراك الجنوبي سنة 2009، وتقرير أمنيستي تحت عنوان اليمن: القمع تحت الضغوط، الذي يتحدث عن الحراك الجنوبي، سنة 2010.

ويبقى اختيار مصطلح الاحتجاج عوض التظاهرات أو التجمعات السلمية كما هي متعارف عليها عالميا يطرح علامة استفهام كبرى، ونشير لأهم ملاحظة وردة في المجلس الدولي لحقوق الانسان في تقرير له بتاريخ 29 يناير 2014 “هناك قلق ازاء استخدام مصطلح “سلمي”و”غير سلمي” لوصف تجمع أو مظاهرة. ففي العديد من المظاهرات،  يظل السواد الأعظم من الحشد المشارك سلميا، وإن نعت المظاهرة بأنها “غير السلمية”، ومن تم تبرير الردود القمعية التي تصدر عن الدولة، قد يطرح إشكاليات، وقد يؤدي إلى حماية غير كافية لمن يشاركون في المظاهرة دون عنف، وبالتالي لا يجب تصور المظاهرات السلمية كتهديد.” (الفقرة35)، وبالتالي فإن منحى استعمال مصطلح احتجاجات عوض التظاهرات قد يكون من ورائه خلفية معد التقرير بأن ينحو نحو جعلها “غير سلمية”، وهو ما سوف نستشفه في موضوعات التقرير فيما بعد.

  • عدم حماية حرمة البيوت

ورد في التقرير أنه “نظمت مسيرتان للنساء باللباس الأسود، واحدة ليلا والثانية نهارا، مطالبة «بوقف مداهمات المنازل»، وداعية إلى «احترام حرمة البيوت» وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق المطالب. هذه الفقرة تحتوي على انتهاك خطير، انتهاك يمس الاتفاقيات الدولية وخاصة العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، وأيضا دستور 2011.

إلا أن معد التقرير ركز فقط على شكل التظاهرة بوصفها “اللباس الأسود”، ولكن تجاهل تماما في جميع صفحات التقرير التأكد هل تم “مداهمة المنازل؟ وهل تم المساس بحرمة البيوت؟ وهي عناصر تم تجاهلها بشكل خطير يمس من مصداقية التقرير ككل، لكون هذه الانتهاكات ذات طابع خطير.

وهنا نعود إلى لجنة مناهضة التعذيب التي تعتبر اقتحام المنازل والمكاتب وأعمال الترهيب “أعمال انتقامية خطيرة، وأن عدم تقديم معلومات حول أية تحقيقات حول مزاعم من هذا القبيل يثير القلق” (تقرير الدورة 74 نوفمبر 2011 الفقرة 35).

وبالرجوع إلى تقارير الهيئات الحقوقية التي زارت المنطقة فقد سجلت عشرات الجمعيات قناعة باقتحام المنازل والمس بحرمة البيوت، بل إن وزير العدل السابق صرح في لقاء حقوقي بأنه اتصل بوزير الداخلية للوقوف على “اقتحام المنازل وإصلاح الأبواب”، وأن نفس الموضوع طرح في البرلمان في إطار سؤال أني بتاريخ 11 يوليوز 2017.

وبالتالي هذا الانتهاك خطير كان من المفروض التحقيق وتحميل المسؤوليات فيه.

اقرأ ايضا..

ثغرات تقرير بوعياش اللاحقوقي بخصوص “حراك الريف” 2/1

  • أعمال الشغب والعنف الحاد

التزم التقرير باستعمال عبارة “أعمال الشغب”، إذ أكد في التقديم أن: “هذا التقرير يتمظهر في الاجتماعات والتجمهرات والتظاهرات السلمية أو الاحتجاجات التي عرفت طابع عنيف. وسيطلق التقرير على بعضها عبارة “أعمال شغب” (Les émeutes) وذلك لحدة العنف الذي عرفته.”.

إلا أن على طول متن التقرير استعمل مصطلح “العنف الحاد”، إذ تطرق إلى مصطلح “أعمال الشغب” خمس مرات في مقابل استعمل العنف الحاد 11 مرة، وهو ما يدل أن معد التقرير لم يضع خطوط فاصلة بين أعمال الشغب كمفهوم له تحديداته ومفهوم العنف الحاد الذي له معاني أخرى.

  • “تبخيس” الحق في الحياة

يعتبر الحق في الحياة أول الحقوق التي يدافع عنها المدافع عن حقوق الإنسان، باعتباره أصل باقي الحقوقي، ويخصص لانتهاكه وقت وجدية كبيرتين، إلا أن التقرير الذي تطرق إلى الوفاة المأساوية للمرحوم محسن فكري باستخفاف فقد وصف الأمر بـ”حادثة الحاوية”، وفي أقل من بضع كلمات تحدث عن وفاة المرحوم عماد العتابي بـ” أصيب السيد عماد العتابي بشظايا الرصاصة المرتطمة بالأرض”.

إن انتهاك الحق في الحياة لكل من محسن فكري وعماد العتابي كان يقتضي تخصيص حيز كبير من التقرير لتوضيح ملابسات الوفاة وتحديد المسوؤليات مع ترتيب الجزاءات في كل مستويات القرار الأمني، خاصة وأن التقرير يسجل يقينا أن الأمن استعمل الرصاص في مواجهة المتظاهرين، وهو الشيء الذي يفرض على معدي التقرير الجواب على سؤال التناسب، وهو هل القوة المستعملة والتي استعملت فيها الرصاص متناسبة مع حجم التظاهرة؟ وهي الأسئلة المشروعة التي وردت في بيان وكيل العام للملك ” أنه سبق للنائب العام بالمحكمة الابتدائية بالحسيمة، أن كلف الشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء بإجراء تحقيق معمق حول الواقعة، بغية الكشف عن ملابسات الوفاة وأسبابها، وتحديد المسؤوليات عنها لترتيب الآثار القانونية المترتبة على ذلك.”

أما القول أن “تسجيل حالة وفاة يمكن وصفها، ضمن ملابسات وقوعها، بأنها عملية دفاع عن النفس” يعتبر تستر على جريمة قتل.

وتبقى حالة وفاة السيد عبد الحفيظ الحداد، والتي لم ترد نهائيا في التقرير، مع العلم أنها وقعت في السياق العام لحراك الريف، ستبقى، مفتوحة لكون البعض لم يقتنع ببلاغ وكيل العام للملك بسبب مرض  الربو؟

  • السلمية وغير السلمية

تحدث التقرير في مرات عديدة أن التظاهرات كانت سلمية إلى غاية مارس 2017، ولكنه في الآن نفسه يتحدث عن ” تمت أولى الاشتباكات بين المحتجين والقوات العمومية في الخامس من يناير 2017″، و” منذ اشتباكات 6 فبراير، التي شهدت جرح 54 من رجال الأمن”، فهل المواجهات حسب التقرير التي وقعت في يناير وفبراير لم تشمل بالعنف؟ أم أنه حسب التقرير يريد تأكيد أن العنف الممارس من قبل المتظاهرين بدأ بشكل ممنهج وممأسس ابتداء من مارس؟ أم أن الغاية تكمن عند معدي التقرير في انحيازه السياسي ليسجل أن العنف مرتبط بتشكيل الحكومة؟، خاصة إذا علمنا أن إعفاء عبد الاله بنكيران وقع في 16 مارس 2017، والتقرير سجل بطريقة بشكل مباشرة “أن احتجاجات الحسيمة، والتي جاءت في سياق فريد، يتجلى في الصعوبات التي واجهتها عملية تشكيل الحكومة”.

إن تحديد شهر مارس كنقطة تحول في التظاهرات، يطرح أكثر من علامة استفهام على معدي التقرير، لكون تحديد هذا التاريخ لا يستند على أي حجة علمية أو حقوقية، بل تدفع في اتجاه القول أنوراءه اعتبارات سياسية.

  • التقديرات “السياسوية” في التقرير

تطرق التقرير إلى عدة تقديرات غير مطلوبة منه، كما أن طرحها تم بشكل غير علمي وغير موضوعي كالقول مثلا “فوتت أعمال الشغب والاحتجاج ذات الطابع العنيف الفرصة للحوار حول مطالب لترصيد مشاريع التنمية في مواجهة ضعف التمدرس وارتفاع نسبة البطالة والنهوض بالحسيمة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا”، فهل لمعدي التقرير إمكانية التنبؤ بمألات الوضع الاجتماعي والتنموي؟ هل يمكن قياس هذا التقدير في حالات مدن مغربية أخرى دخلت في حوار مع السلطة ولكنها لم تعرف لا مشاريع تنموية ولا النهوض الاقتصادي؟ ألا يطرح على عاتق المجلس تتبع لماذا لم تتحق هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟ وكذلك ألا يشكل “تفويت الفرصة” عملية انتقامية ضد ساكنة اقليم الحسيمة برمتها؟

تحدث التقرير أيضا أن المطالب “لم تأت متقطعة أو متدرجة وتبعا لأسبقيات، بل جاءت متصاعدة ودون تراتبية” وأنها تم “تقديمها ككتلة واحدة وبشكل متصاعد يمكن أن يشكل تعبيرا عن الرغبة في عدم التقدم نحو الحل، والرهان على التصعيد، مما أعاق الحوار حول تحقيقها”، ليطرح مرة أخرى أسئلة على معدي التقرير، هل من حق المجلس أن يكون وصيا على المتظاهرين في مطالبهم؟ هل من حق شخص آخر أن يضع للمتظاهرين لائحة مطالبهم؟ ألا تتحمل الدولة أيضا مسؤوليتها في  “اللامبالاة” وعدم التعاطي الجدي مع المطالب؟ وما هو السند الذي تم قياس به “الرغبة في عدم التقدم نحو الحل”؟ فإذا كانت المطالب مشروعة فلا يحق لأي كان أن يضع لها شكلها ومسطرتها.

أما القول أن”أزمة التمثيلية وآثار الاستقطاب التدريجي (polarisation) الذي يشهده الحقل السياسي المغربي، تأثيرات سلبية متشابكة، أدت في بداية الأمر إلى تنامي الشعوبية ثم إلى تطرف متزايد للضواحي التي يبقى إدماجها السياسي والاقتصادي محدودًا”، يبقى خير دليل على التقديرات السياسية وليس المواقف الحقوقية.

  • التظاهرات والتظاهرات المضادة

بشكل شارد تمت الإشارة في التقرير إلى “التظاهرات المضادة” وهي حق أيضا من حقوق الإنسان، إذ أورد أنه: “ويشمل هذا الحق مجموعة واسعة من التجمعات، بما في ذلك التجمعات السياسية والاقتصادية والفنية والاجتماعية. كما يمتد الحق أيضًا ليشمل المظاهرات المضادة، على الرغم من أن الدول ملزمة بضمان ألا تنتهك المظاهرات المضادة حق الآخرين في التجمع، كما تلتزم بحماية المتظاهرين من العمل “الاستفزازي لأي عنصر” قد يعيق عقد التجمع”.

إذا تجاوزنا هذه الإشارة النظرية المتفق عليها أمميا، فإن تنزيلها في التقرير غير موجود بالمطلق، ولا يعرف سبب الإحالة عليها، وبما أنها ذكرت، فوجب تذكير معدي التقرير على التظاهرات المضادة العنيفة التي تعرض لها شباب حراك الريف، ولم يكون محميين من قبل الأمن بل تمت الاعتداءات أمام أعين الشرطة مع “الحماية الخاصة” للمعتدين.

نذكر بواقعتين من عشرات الوقائع التي لم يتطرق لها التقرير، الأولى بالناظور بتاريخ      25دجنبر 2016، حيث استعمل العصي والعنف اللفظي والجسدي ضد المتظاهرين من قبل متظاهرين آخرين رافعين شعار “الحفاظ على الاستقرار الذي يعرفه المغرب”، والثانية  ببني بوفراح بتاريخ 4 ماي 2017، بالإضافة إلى عشرات الفيديوهات التي نشرت وتدعو إلى “قتل” المتظاهرين وتهديدهم.

فمادام التقرير تحدث عن التظاهرات المضادة، وحماية المتظاهرين، فلماذا لم يتطرق لأي حالة؟ بل ترك تلك الفقرة شاردة داخل التقرير

ختاما:

نختم المقال بخلاصة أن تقرير الأستاذة بوعياش، هو تقرير مسيّس جدا، ويعكس الأطروحة الرسمية والأمنية، وأنه من مئات الوقائع والأحداث تم انتقاء فقط محاضر الضابطة القضائية وتصريحات رجالات الأمن، وتجاهل عدة وقائع كانت لها أهمية في ما جرى، فلم يتم التطرق مثلا لا إلى بلاغ أحزاب الأغلبية الذي وقع صك الاتهام بالانفصال ضد المتظاهرين، ولا إلى تسريب ونشر فيديو الزفزافي عاريا والذي يعتبر بكل التشريعات الدولية انتهاكا لخصوصيته ومعاملة مهينة وحاطة بالكرامة ترقى إلى مستوى التعذيب النفسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى