رأي/ كرونيككورونا

متضامنون غاضبون..إقحام الفصل 40 من الدستور في منشور رئيس الحكومة خطأ لا ينبغي السكوت عنه

عزالدين بونيت

قبل كل شيء أجدد التأكيد على انني متضامن قولا وفعلا مع كل مواطني لمواجهة تبعات جائحة كورونا والتخفيف من حدتها على بلدي. وعندما وقعت على النداء الذي وقع عليه عدد من المثقفين والفاعلين المدنيين، كنت بالفعل أعني ما أقول وأفعل.

غير أنني اعتبر إقحام الفصل 40 من الدستور في منشور رئيس الحكومة الذي يخبرنا عن الاقتطاعات من أجور الموظفين، خطأ لا ينبغي غض الطرف عنه، حتى ونحن في هذا الظرف، وحتى وإن تغاضينا عن الخطأين الآخرين اللذين ينطوي عليهما المنشور (الإحالة على مقتضيات المرسوم بقانون الخاص بحالة الطوارئ، واستعمال عبارة “فقد تقرر أن يساهم الموظفون…”).

فكثير من الموظفين وأنا منهم، ممن عبروا عن انخراطهم التلقائي في جهود التضامن المالي ما كانوا سيجدون غضاضة في اقتطاع مساهمتهم من المنبع لكنهم بالتأكيد سيمتعضون مثلي من اعتبار ذلك بمثابة قرار إداري، وليس مساهمة طوعية

وسيمتعضون اكثر من إسناد هذا القرار بمقتضيات مرسوم بقانون الطوارئ الصحية الذي تتجلى حجيته القانونية في كونه يضع الإطار القانوني لعدد من الإجراءات والقرارات التنظيمية التي تكون خاضعة في الأوقات العادية لضوابط قانونية قد تكون مخالفة لما هو مطلوب في حالة الطوارئ، مثل تعطيل فعالية بعض الآجال القانونية او الإجراءات المسطرية، او الحد من ممارسة حقوق دستورية، كحق التنقل فوق التراب الوطني مثلا، او حق التجمع او حق التظاهر ، او تعطيل بعض مقتضيات قانون الوظيفة العمومية… لذلك، لا أرى اي معنى لربط مساهمة طوعية في صندوق التضامن بخلفية قانون الطوارئ، وهي اصلا لا تستدعي خرقا لأي مقتضى قانوني قائم. اللهم إلا إذا كانت الحكومة تعتبر ان الاقتطاع إلزامي، وانه ليس تطوعا.

ما أزعجني في ربط مساهماتنا المفترض أنها طوعية بقانون الطوارئ هو انه ليس من حق رئيس الحكومة أن يفرغها من بعدها التضامني ويضفي عليها بعدا إلزاميا والحال انه لم يكن بحاجة إلى ذلك قطعا هذا تصرف يفتقد إلى لياقة المواطنة

ويتضمن بصمة من بصمات الفيودالية البائدة، وكأنه يقول لنا: لست بحاجة إلى تضامنكم الطوعي، ولا اريدكم مرصعين بوسام التطوع بدافع حسكم ووعيكم الوطني؛ أريدكم بالأحرى موصومين بلافتة السخرة بمقتضى قانون الطوارئ. لقد اخرجنا منشور رئيس الحكومة من دوحة المواطنة الى زنزانة نظام السخرة، المحرم في المبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعتبر من بين أسس دستور بلادنا.

أما الاستناد إلى الفصل 40 من الدستور، فينطوي على مزالق تتجاوز البعد الرمزي الذي أشرنا إليه أعلاه. فهو استناد يخالف منطوق الفصل 39 الواقع فوقه مباشرة، والذي يحدد مبدأ تقاسم تحمل التكاليف بين عموم المواطنين، من جهة، ويحدد بالأخص كون إحداث هذه التكاليف هو اختصاص حصري للقانون، اي انه من اختصاصات السلطة التشريعية وليس من الممكن بأي حال التطاول عليه من طرف السلطة التنظيمية تحت اي تأويل من التأويلات، الا إذا كان تأويلا مخالفا للدستور يهدف إلى الإنقضاض على اختصاصات السلطة التشريعية. وفي ذلك هدم لمبدأ استقلال السلط وتوازنها.

يقول الفصل 39: “على الجميع ان يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده (أسطر على عبارة: “للقانون وحده”) إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور”..

الوجه الآخر لمزالق استعمال الفصل 40، في منشور رئيس الحكومة، يكمن في التأويل الذي ينطوي عليه استعماله في تأطير فعل يفترض فيه انه تطوعي، وإعماله تحت طائلة مرسوم بقانون يفترض فيه أنه يؤطر وضعا استثنائيا منح البرلمان فيه للحكومة، بمبادرة منها، تفويضا لتدبير المرحلة وفق بعض الإجراءات الاستثنائية، ولم يمنحها حق احداث اختلال بين المؤسسات الدستورية. واضح ان الحكومة تؤول الفصل 40 بطريقة مجتزأة تقوم على تعطيل مقتضى اسبق (وللترتيب دلالته ووظيفيته التأويلية في بناء الوثيقة الدستورية، بل واي نص قانوني.) هو منطوق الفصل 39.

حرصا على إعمال التأويل الديمقراطي للدستور، والوقوف في وجه التجاوزات التي قد تترتب عن ترسيخ اي انزلاق في قراءة الوثيقة الدستورية، من المفترض أن يبادر رئيس الحكومة إلى إصلاح منشوره، او أن يبادر البرلمان الى تنبيهه الى منزلقاته وعدم أحقيته في إعمال الفصل 40 بعيدا عن السلطة التشريعية التي تملك وحدها هذا الحق بالقانون وليس بالنصوص التنظيمية، أو اللجوء الى المحكمة الدستورية لإرجاع الأمور إلى نصابها . والأهم هو الإبقاء على يقظتنا كمواطنين ودورنا في حماية الرشد القانوني لمؤسساتنا الدستورية، عبر مناقشة كل انزلاق..

وفي الختام نقول: لا يحق للحكومة اليوم ان تهدر بشكل مقصود او غير مقصود، رصيد الثقة الشعبية والمجتمعية الذي تكون في هذه الظروف إزاء الدولة ومؤسساتها.

حفظ الله المغرب وبارك في صمود مواطنيه وتضامنهم التلقائي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الطامة الكبرى هي أنه أقحم النقابات في حماقاته أو حماقة الذين يتحكمون فيه. و هكذا وجهت له الكونفدرالية الديمقراطية للشغل رسالة ترفض من خلالها القرار الذي اتخذه تحت رقم : 78 2020 و من خلالها تكذيبه. هذا الشخص كارثة بكل المقاييس. لم يكن أحد يفهم كيف أن وزيرا فشل في الخارجية يتم تعيينه وزيرا أولا و لكن الآن اتضح المعنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى