المصباحي: مع كورونا نعود لابن رشد في كتابه”الكليات” ودخول مجال العلم يستتبعه مغادرة مجال العقيدة
قال الفيلسوف محمد المصباحي، إنني أريد اليوم أن أتحدث عن ابن رشد، انطلاقا من هذه الأزمة التي تجتاحنا اليوم، ممثلة في وباء كورونا، إذ حين نتحدث عن هذا الفيلسوف يتبادر إلينا خصومه من الأشعرية وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي، الذين كانوا ينكرون السببية، أي أن تكون للطبيعة أفعالا تقوم بها، والحال أن أفاعيل الطبيعة في هذه الأيام أقعدتنا في بيوتنا، وأوقفت اقتصادنا ولا نعلم المآلات الذي يمكن أن تؤدي إليها.
وأضاف المصباحي ضيفا على الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة 1967، في ندوة عن بعد حول راهنية ابن رشد، إن الأمر في حالة الاشعرية وفسلفة ابن رشد، تتعلق برؤيتين، رؤية تؤمن بالإنسان والطبيعة، ورؤية تنفي وجودهما الفعلي، إن الرؤية الأشعرية رؤية تشاؤمية لاتؤمن بالتقدم ولا بالعقل، ولا تؤمن بالحرية والإبداع، وبحق الطبيعة في امتلاك الفعل.
في نفس السياق، أشار المصباحي، أن الرؤية الرشدية رؤية متفائلة، لأنها تؤمن بالعقل وبالإنسان وبالطبيعة وبالعلم، مشيرا أنه والحديث عن العلم، أن الجائحة مكنتنا من إعادة اكتشاف شيء رائع في العلم، وهو أنه ومهما تقدمنا في المعرفة، أي مهما تغلبنا على المشاكل التي يطرحها التاريخ وتطرحها الطبيعة وتطرحها الإنسانية، يبقى علينا دائما أن نكثر من البحث والمعرفة فلا حد للعلم ولا حد للمعرفة، إننا اليوم يضيف المصباحي، بتمعننا في المدارس الطبية وهم يتسارعون في تفسير هذا الوباء الخبيث، نكون أمام أمر يبعث على الاطمئنان إزاء مصدر العلم، حقا لا يقين نهائي في العلم، ولكن في هذا اللايقين يكمن يقيننا آخر، وهو أن العلم لا بد أن ينتصر، لابد أن يصل لحلول للمسائل العويصة، طال الزمن أو قصر.
إلى ذلك، أوضح المتحدث ذاته، أنه وماذام العلم يأخذ بزمام الأمور بين يدي الإنسان، فالأمل معقود أن يصل العلم إلى حلول، وأنه حين ندخل مجال العلم، نغادر تماما مجال العقيدة، فنحن يؤكد المصباحي، حين نقول اليوم، إن العلم متردد وتتسارع مدارسه، فهذا فأل خير بالنسبة للعلم.
إن كل ما ذكرت يقول المصباحي، يذكرنا بابن رشد، الذي هو مجرد رمز لسائر العلماء والفلاسفة المسلمون الذين سبقوه، أو الذين أتوا بعده، لقد مكنتنا جائحة كورونا يشير المصباحي، من أن نعود لأهم كتبه وهو الكليات، وهو عنوان في حقيقة الأمر تلخيص لفلسفة ابن رشد، ويفيدنا أن نستأنس به، للنظر في هذه الكارثة الكونية الجامعة، والتي سارت كارثة شاملة للأرض بأجمعها، وهي الكارثة التي تقتضي النظر إليها من جانب الكليات، أي نظرة عامة شاملة عامة، صحية اقتصادية واجتماعية وأخلاقية، ومن تم يجب البحث عن أسبابها واستشراف عواقبها ومخلفاتها بشكل كلي، وبعبارة مختصرة، إذا كان الوباء كلي، ينبغي أن تكون معالجته كلية كذلك.
في السياق ذاته، ابرز المصباحي في المداخلة ذاتها، أن جائحة كورونا ذكرتنا بأمر جميل يتعلق بوحدة العقل البشري، وهي النظرية التي كانت آثارت زوابع خلال القرون الوسطى وابتداء من القرن 13 إلى القرن 17، وهو النقاش الذي يعود اليوم.
المتحدث ذاته، أكد أن جائحة كورونا حلت بكوننا بغتة، فهددت وجود البشرية وأرضها وكأن الطبيعة تنتقم من الإنسان، الذي لم يكتف، بتخريب غاباتها وجبالها، بل امتد مجال بحثه حتى إلى ما يمكن أن يعتبر ممنوعا كالاستنساخ وتعديل الجينات وتحسين نسل الإنسان، وربط البيولوجيا بالتكنولوجيا وتغيير الخلايا، وأبحاث زيادة في عمر الإنسان، وهي ابحاث تهدد مصير الإنسان ومصير مآواه في الأرض، ولكن مع ذلك، لا نقول إن هذا الوباء جاء انتقاما، أو جاء كرد فعل، أو أن لهذا الوباء غاية هو تأذيب الإنسانية بسبب طغيانها، ولكن هذا الوباء الذي لا يملك حتى الحياة استطاع يشير المصباحي، أن يخلخل حياتنا ويحدث قلقا كبيرا، وهزة فكرية طابعها العام، هو التخلي عن التراث وعن المعلومات المتدفقة علينا يوميا، وهو الأمر الذي يعلمنا اليوم شيئا هاما وجدير بالاهتمام وهو عدم الإيمان بشيء نهائي سواء أكان حلا أو تفسيرا، لأن المعلومات تتناقض فيما بينها تتسارع فيما بينها، ولأن العلم يتقدم بالحوار ويتقدم باختلاف المدارس، وفي التأويل والمعالجة والمقاربة، ولكن عندما يصلون إلى وضع اليد على نظام هذا الوباء وعلى قانونه يجري الانفتاح على حل، وعلى طريقة صياغة علاج له، إما عن طريق دواء أو ترياق له.
إلى ذلك، أفاد محمد المصباحي الباحث والدارس وصاحب العديد من المؤلفات عن الفيلسوف ابن رشد، أن جائحة كورونا هي امتحان لنا جميعا، وهي أن المعلومات التي تتهاطل علينا يوميا وبشكل كبير، علينا أن نتحلى تجاهها من اليقظة للتمييز فيها بين الحق والباطل، ومن هنا يضيف المصباحي، ينبغي ان نتذكر ابن رشد، في زاوية من زوايا تفكيره القوية، وهي تصديه لطريقة التفكير الجدلي الكلامي في النظر للأمور، وينصحنا بأن نبتعد عن هذا الطريق لأنه لا يؤدي إلى المعرفة، وإنما يؤدي إلى دغدغة أحلام الجمهور، الذي لا يفيدنا في أي شيء.
في نفس السياق، قال المصباحي، نحن إذا اليوم أمام وضع جديد كل الجدة، وينبغي أن نكون حذرين، لأنه يمكن أن يحدث أي شيء، إذا نحن لم نلتزم بالبرهان بمعناه الواسع، كذلك تحدي كورونا تحدي كبير لأنه بعد سلسلة من الاكتشافات في الطب والتكنولوجيا وعلى رأسها اكتشاف الفيروس في القرن التاسع عشر، وأصبح الإنسان أكثر معرفة بالطبيعة وبعالم الأمراض والأوبئة، ولكن هذا الوباء في نفس الوقت بعثر كل الحسابات، ولم نعد نعرف شيئا بصفة يقينية حوله.