رأي/ كرونيكميديا و أونلاين

قضية الصحافي سليمان الريسوني.. من أجل تصحيح ما حصل…

تطرح مسألة الصحافي سليمان الريسوني إشكالا حقيقيا لمسألة الثقة بين الحاكمين والمحكومين في بعدها القانوني والسياسي والأخلاقي. وطبيعي، والحالة هذه، أن يفرز هذا الإشكال جملة من الأعطاب، ويؤدي عمليا إلى أخطاء وتخلف في الفهم وسوء تقدير، إما من خلال القرارات والإجراءات المتخذة أو عبر بلورة المواقف المتسرعة.

نور اليقين بنسليمان

بداية، الزميل سليمان الريسوني هو صحافي في نهاية المطاف، ولا يهم إن كان “مزعجا” أم لا. لذا، إن من يربطون الوقائع المنسوبة إليه باعتباره صحافيا مزعجا فيه مبالغة زائدة، وتنطبق عليهم صفة من الصفات التي يفرزها الإشكال المذكور.

وببساطة، ماذا لو أن المتابع هو صحافي “مغمور”، وغير “مزعج”، ليس لديه علاقات متميزة، ولا يملك لا سيارة ولا مسكنا؟ هل سنلتزم الصمت؟ هل سنسلم الأمر للقضاء كما نسمع عادة عندما يتابع أشخاص عاديون في ملفات هتك العرض، التي تعد بالآلاف، ومنهم من برأته المحكمة بعد أن عانوا من الاعتقال والسجن؟

إن الزميل سليمان لا هو بالشخص المجهول ولا هو من ذوي السوابق، ولا هو من الفارين من العدالة، إنه مواطن يتوفر على كل ضمانات الحضور والامتثال لأي استدعاء قضائي. وإذا أضفنا لهذا المعطى الأساسي طبيعة التهمة وتاريخ الوقائع المنسوبة إليه، وكيفية تحريك المسطرة، سيكون من الصعب استيعاب ما أقدمت عليه الضابطة القضائية بأمر من النيابة العامة، وبالتالي فإن إيقافه بتلك الطريقة وإخضاعه للحراسة النظرية ثم للاعتقال الاحتياطي يطرح أكثر من سؤال، وهي إجراءات غير مفهومة على كل حال.

ألم يكن من المنطقي، والقانوني حتى، توجيه استدعاء عاجل للمعني بالأمر، وفتح بحث معه وفق الأبحاث القضائية التي تجري في ظل حالة السراح؟. نعم، الصحافي (ة) لم يكن ولن يكون فوق القانون. ومن حق الصحافي (ة) أن يتمتع بكل شروط ومبادئ المحاكمة العادلة، ومن جملتها المتابعة في حالة سراح، سيما في مثل حالة سليمان الريسوني، حتى يتسنى للمشتبه فيه التحضير للدفاع عن نفسه. هذا ليس بامتياز، والمتابعة وفق هذه الصيغة لا تشكل أي مساس بحقوق الطرف المشتكي، الذي يعتبر نفسه متضررا، بل ستكرس نوعا من مقتضيات الثقة المفقودة.

وعلى ذكر الطرف المشتكي، إن هذا الأخير لم يتقدم بأي شكاية في مواجهة الصحافي سليمان الريسوني، منذ سنتين خلت، حسب دفاع المشتبه فيه. لقد اختار نشر ما تضرر منه في تغريدة له عبر حسابه في إحدى وسائط التواصل الاجتماعي. وبفضل اليقظة الأمنية، كما قيل، تم التقاط مضمون التدوينة، وبناء عليها تحركت الضابطة القضائية. وهذه الأخيرة نجهل ما بحوزتها من معطيات قد تدفع بها لتبرير تعاملها.

صحيح لم تكن هناك شكاية من لدن الطرف الآخر الذي يتهم الصحافي بأنه انتهك عرضه بالعنف. وإزاء هذا المعطى، يطرح السؤال التالي: هل يمكن القول أن المتابعة القضائية لا تستقيم إلا بوجود شكاية تخضع، من حيث الشكل والمضمون، للشروط التي يتحتم معها الأخذ بها كما يجوز رفضها أو حفظها؟.

قد يكون هذا الفهم ضيقا وتمييزيا، نسبيا، خصوصا إذا استحضرنا أن هيئات وفعاليات، وفي مناسبات عديدة، سبق أن التمست وطالبت من السلطات القضائية التدخل لإجراء بحث أو لمتابعة شخص بسبب نازلة أثيرت عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

والأصوات والمناشدات من هذا النوع كثيرة ومتعددة، منها من تمت الاستجابة إليها على وجه السرعة، ومنها من ظلت بدون تجاوب. لذا إن من يثير مسألة خلفية وطبيعة تحرك الضابطة القضائية بدون وجود شكاية سابقة، من طرف من يدعي أنه متضرر، ينطبق عليه لا محالة مثل “الكيل بمكيالين”، وهو ما يتنافى وقيم المساواة والعدالة.

مسألة أخرى أكدتها قضية الزميل سليمان الريسوني، وتتمثل في إصرار جهات وأوساط على تغييب عنصر الثقة. هي أوساط محسوبة على الحاكمين والمحكومين على حد سواء، تدرك جيدا ما معنى الثقة، قيمة الثقة، وتعيى دواعي إجهاضها لهذه الثقة إما عن طريق القرارات والإجراءات أو المواقف والحملات الإعلامية أو المزايدات التي تقنها بعض الأصوات والأقلام التي لا تستطيع الدفاع عن أبسط حقوقها في المؤسسات والوظائف التي يعملون فيها، ومنهم من لا يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان كما يقال.

في اعتقادي المتواضع، إن عين العقل عكسته بشجاعة الموقف التي بلورتها فعاليات وتنظيمات تحترم ماضيها وقناعتها، حيث فضلت عدم التسرع في انتظار استجماع المعطيات وتصحيح ما حصل. فما بين 2018 و2020 قد تحدث أشياء كثيرة يجهلها حتى المقربون لأطراف النازلة.

لذا، إن مصلحة الزميل سليمان الآن، ومصلحة سمعة الوطن، تكمن أولا في تصحيح ما حصل، بالإفراج عنه فورا والتحقيق معه أو متابعته في حالة سراح، وثانيا تمتيعه بباقي شروط المحاكمة العادلة.هذا التوجه المطلوب لا يعطي لأي جهة التفريط في حقوق الطرف المشتكي، والكلمة الأخيرة طبعا هي للقضاء المستقل، القادر على توفير ما ذكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى