رأي/ كرونيك

29 أكتوبر 1965: الذكرى 53 لاختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة…

حسن صعيب

تحل اليوم الذكرى الثالثة والخمسون، على اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة، في ظل استمرار الاحتقان الاجتماعي والسياسي، وفي مقدمته تنامي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ولا شك أن النضال من أجل الكشف عن مصير المختطفين، وحفظ الذاكرة،، وعدم الإفلات من العقاب يشكل بالنسبة لقوى التحرر ببلادنا أحد المفاتيح، للولوج إلى الديمقراطية والقطع مع الاستبداد.

ولعل أجمل احتفاء يليق بالشهيد هو تجديد العزم على مواصلة كفاحه الفكري والسياسي من أجل معركة الحرية والكرامة، والقيام بمجهود كبير بنفض الغبار عن خطه الكفاحي المتميز في الصيرورة الكفاحية للشعب المغربي، ويتجسد هذا المجهود في بلورة خط الاستمرارية النضالية التي تربط بين دروس الماضي ودروس الحاضر في جدلية مفتوحة على التطور والإبداع.
فبالعودة إلى الثرات الغني الذي خلفه لنا الشهيد، ومن خلال كتابه القيم”الاختيار الثوري” على وجه الخصوص، الذي يعتبر بمثابة وثيقة سياسية ذات دلالة بالغة وتؤرخ لمرحلة عصيبة من تاريخ المغرب الحديث، يمكن أن نستخلص منه دروسا وعبرا قد تسعفنا في توضيح ورسم ملامح المرحلة القادمة، على اعتبار أن المقدمات التي أسست “استقلال” المغرب الحديث هي التي تفسر لاحقا المآل والكبوات التي نعيشها في الوقت الراهن.

فعلى نقيض القراءة الرسمية لتاريخ المغرب الحديث، يعتبر الشهيد المهدي بن بركة أحد الرواد في كتابة تاريخ كفاح الشعب المغربي من أجل نيل الاستقلال والحرية، فهو يمدنا بأدق التفاصيل عن الخيوط التي نسجت ما سمي ب”الاستقلال” ويوضح بجلاء منقطع النظير المنحدر الذي سقطت فيه الحركة الوطنية إبان التفاوض مع السلطات الاستعمارية، وكيف استطاعت الحركة الوطنية أن تقبل ب”استقلال” هو في جوهره شكلي بحيث عوضت السلطات الاستعمارية الاستعمار القديم القائم على العنف والاستيطان بالاستعمار الجديد يقوم على تركيز سيطرته الاقتصادية والسياسية عبر وكلاء جدد من البرجوازية المغربية.

هذا النقد الجدري لتجربة الحركة الوطنية يتم اليوم وباستخفاف تغييبه والالتفاف عليه بل ويمارس ضده التضليل والتعتيم كما حصل بالأمس في السنوات الأولى من “الاستقلال”هذا هو الدرس الأول

أما الدرس الثاني الذي يجب علينا استيعابه فهو التقييم الذي يقدمه لنا الشهيد لتجربة خوض الحكم من طرف الحركة الوطنية من الوزارتين الائتلافيتين الأولى والثانية إلى حكومة بلافريج وعبد الله إبراهيم، بحيث يخرج بخلاصة مضمونها الفشل على جميع الأصعدة:”فقد فشل مشروع الإنعاش الوطني لأنه لم يعتمد قط المساهمة الفعلية لجماهير الفلاحين، وقد فشلت السياسة الاقتصادية لأنها كانت تعمل فقط على إرضاء مصالح الاستعمار الجديد دولة الامتيازات والاستغلال وفشلت التجربة الدستورية لأنها فرضت على الشعب في دجنبر1962 أسلوب حكم جائر يقوم على احتقار مطامح الشعب ويبيح لنفسه كل أساليب التلاعب والتزوير لمسخ تمثيل الإرادة الوطنية”.

يويرد أسباب هذا الفشل إلى ثلاثة أخطاء قاتلة:”الخطأ الأول يرجع إلى سوء تقديرنا لأنصاف الحلول التي كنا مضطرين لأخذها الخطأ الثاني:يتعلق بالإطار المغلق التي مرت فيه بعض معاركنا بمعزل عن مشاركة الجماهير الشعبيةالخطأ الثالث:نشأ عن عدم الوضوح في مواقفنا الإيديولوجية وعدم تحديدنا لهوية حركتنا”


إذا تعمقنا جيدا في مضمون هذا التقييم الثاقب، رغم تغير الظروف والملابسات، فإنه يدفعنا –نحن ورثته- إلى التساؤل عن مدى راهنيته، حيث نرى أنه ينطبق تمام التطابق حول تجربة حكومة التناوب التي قادها رفيق دربه عبد الرحمان اليوسفي، مما يفرض على الأجيال الحالية والقادمة التشبث بهذا التقييم ودعمه وإغنائه كأحد الدروس الأساسية للمساهمة في بناء وترسيخ آليات ديمقراطية حقيقية.

وأخيرا وليس آخر، نعتبر أن المعركة التي خاضها الشهيد المهدي بن بركة من أجل الديمقراطية كمضمون وهدف استراتيجي ما تزال تحتفظ براهنيتها وتشكل اليوم سلاحا مضاء لمواجهة التحديات الجديدة ، بحيث يقول:”فالديمقراطية لا يمكن أن تكون يافطة أو واجهة تعرض للسياح،بل يجب أن تكون حقيقة تفتح في وجه الجميع حظوظ التقدم والثقافة، وهي تستلزم نظاما للمجتمع يقوم على تغيير جذري لأسس بنائه، لا مجرد تعديل دستوري يفرض من أعلى، وفي غيبة عن الممثلين الحقيقيين للشعب”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى