ذاكرة

رحلة العشاق الى مدينة اللقلاق…عاصمة الغرب..مدينة القنيطرة

بقلم علال بنور

دفعتني رعشة حب وعشق بمعية زملاء، للقيام بزيارة للصديق إلياس بمدينة القنيطرة، فاستقر الرأي على السفر، ركبت و الزملاء سيارتي، فخرجت كالبرق نحو الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء و مدينة اللقلاق / القنيطرة، فعند وصولنا إلى غابة البلوط، بعاصمة الغرب كما يحلو لبعض المتعاطين للسياسة أن ينعتونها، اختلطت في ذهني المتعب بدروس التاريخ و الجغرافية، صور الماضي و الحاضر لهذه المدينة، فعند وصولنا إلى مدارس تكوين رجالات السلطة، تبعثرت الصور القديمة في ذهني من جديد، أحسست بالغثيان لم اعد اعرف أين نحن من هذه المدينة التي لم أزرها منذ 29 سنة خلت، وجدت نفسي أمام مدينة غريبة برونقها المتجسد في شوارعها و متاجرها و عماراتها، لا زالت تحافظ على بناياتها الاستعمارية .إلى جانب العمارة المغربية .

تاهت زنوبة /سيارتي في شوارع المدينة، ثم توقفت بجانب الرصيف، فأمددت برأسي من نافذتها، سألت حسناء لقلاقية، عن اسم الشارع، فبجبليتها أجابتني، إنه شارع محمد الخامس، سرت فيه طولا، حيث يقطع المدينة إلى جزأين، فهو يمثل مدخلها و مخرجها .فلم يسعفني سوى الهاتف النقال، حيث اتصل الأخ اباجلول بالأخ إلياس ليخرجنا من هذه الورطة، سأله من أين سنأتيه .

اجتمعنا عند الأخ الياس ببيته نمثل الوحدة الوطنية، الياس له جذور من قبيلة الخلط التي تستقر بالقصر الصغير، الحسين ايت عدى له اسم جميل، ينتمي لقبائل ايت عطا التي كان لها شأن عظيم أيام الاستعمار، تغلب عليه النبرات الامازيغية عند كلامه، الأخ مجيد من قبائل شتوكة القريبة من مدينة أزمور له ملامح أمازيغية، لاشك قبيلته هاجرت في ظروف غامضة من منطقة سوس العالمة حيث قبائل شتوكة ايت باها، اما ابا جلول فله قامة عملاقية و ملامح عربية، و صوت جوهري، يلازم في هندامه الأنيق ربطة عنق ذات ألوان ناصعة لذلك سميته (مول لكرافاطة الحمراء ) فهو ينتمي لقبائل أولاد زيان /الكارة القريبة من الدار البيضاء، التي قادت المقاومة بالدار البيضاء سنة 1908.

بعد غذاء لذيذ تفضل به علينا الأخ إلياس، وللأسف أن اباجلول كان مضربا عن الطعام تقربا من الله، فرغم إدلالي له بدلائل سنية /مالكية عن فطم الصيام أمام مائدة الأكل الشهي، واستشهادي له بأحاديث نبوية،بقي متشبثا بحكم الشرع حسب رأيه، كم هو صلب ياإلاهي.

بعد الظهيرة، جال بنا الأخ إلياس، المواقع السياحية لمدينة اللقلاق الذي يعشش في قمة أعمدة الكهرباء يا للعجب؟ مرورا بالقاعدة العسكرية الأمريكية سابقا، إلى المهدية المجال الطبيعي الذي يربط بين مصب نهر سبو والمحيطالأطلسي، ثم عبرنا إلى محمية طبيعية التي تعد الطريق إليها صراطا مستقيما، هذه المحمية تجمع بين الغابة ومستنقع مائي تعيش فيه الطيور المهاجرة من العالم،وهي الأخرى تمثل الوحدة الدولية.

بعد عودتنا، تعاملت بمكر مع الأخ إلياس حيث تحايلت عليه لأعرف موقع مكانين مهمين بالمدينة، هما “بور ليوطي” وهو ميناء بني في عهد المقيم العام ليوطي لذلك سميباسمه، ثم السجن المركزي. أخذنا إلياس إلى مقهى يطل مباشرة على مجرى نهر سبو، فعندما أخذت مكاني بين الزملاء تأملت خلفي و امامي، أحسست بشعور غريب ينتابني، اقشعر جسدي، فقلت مع نفسي، لابد أن هذا المكان به مجال مغنطيسي، أو على الأقل به تيار كهربائي قوي .

فسألت الياس، ماذا تمثل البناية شمال النهر في الضفة الأخرى، فقال لي : انه ميناء ليوطى، لم يعد نشيطا اليوم، ثم قلت له، وذلك السور، غرب النهر الذى تعلوه أسلاك وبه برج، قال لي : انه السجن المركزي .

إذن أنا جالس بين مكانين تاريخيين : بور ليوطي الذى بناه الاستعمار الفرنسي لسرقة خيرات بلادنا، وخلفي السجن المركزي الذى شهد على اعتقال رجال المقاومة الأشداء و رجال السياسة الأقوياء، المناضلين الحقيقيين .

في تلك اللحظة حضرتني ذكرى لا زالت امي، أطال الله في عمرها، تبكيها، حكت لي عند عودة جدي من الجندية، من مدينة “بوردو” أثناء الحرب العالمية الثانية، اقنع بحكم تجربته الحربية في صفوف اخوته من شمال افريقية، ابنيه محمد ومبارك وهما فقيهان في الأمور الدينية، بالمقاومة الى جانب رجالات الحركة الوطنية بين مدينة الجديدة و الدار البيضاء . فتم اعتقال مبارك بمنطقة شيشاوة ثم استشهد، نجهل قبره بالمنطقة، اما محمد فاعتقل ليسجن بالسجن المركزي بالقنيطرة، كان جدي يزوره بالسجن، بحكم النياشين التي كان يحملها على صدره، وهى من هدايا الحرب، التي جندته فيها فرنسا لمحاربة المانيا و التي قتل فيها مغاربة مجانا.

في إحدى الليالي المظلمة المطيرة، أتاه غريب ليخبره أن ابنه محمد قتل بالسجن المركزي، فعليه الالتحاق بإدارة السجن لسحب ملابسه، طبعا رفض، لأنه في حاجة لابنه وليس ملابسه.

منذ ذلك اليوم إلى الآن، نجهل قبر محمد ومن قتله، لذلك كان لهذه الزيارة لمدينة اللقلاق أثر أليم وذكرى قاسية، ولو انني لم أعشها. فهذا السجن عمر فيه مناضلون نعتبرهم امتدادا لأبناء الحركة الوطنية الحقيقية، الذين دافعوا عن حرية وكرامة هذا الوطن الذي ننتمي إليه ويتسع للجميع لنا فيه حقوق.
بدأت الرحلة بعشق وانتهت بألم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى