رأي/ كرونيكميديا وإعلام

السجال الذي يكاد لا ينتهي مع مندوبية حقوق الإنسان

تقدم المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها “أحدثت بتاريخ 11 أبريل 2011 وهي بنية ملحقة برئاسة الحكومة، مكلفة بتنسيق وإعداد وتتبع تنفيذ السياسات العامة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني”، وهو تقديم يخالف أحكام المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.19.954 الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 2019، إذ لم تعد المندوبية الوزارية بنية مستقلة تابعة لرئاسة الحكومة، بل أصبحت مديرية ضمن هياكل وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، وتابعة مباشرة للوزير الوصي وليس رئاسة الحكومة.

بقلم عزيز غدامين

كانت المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان سابقا بنية مستقلة وتخصص لها ميزانية داخل القانون المالي السنوي، أما وضعها القانوني الحالي، فإنها بنية إدارية تابعة للوزارة وليست لها أي ميزانية مستقلة، بل أجور موظفيها ومستخدميها يتم استخلاصها من الغلاف المالي المخصص لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، وفي هذا السياق يطرح السؤال ما هي العلاقة الإدارية أو التنظيمية التي تربط بين وزير الدولة في حقوق الإنسان والمندوب الوزاري لحقوق الإنسان؟ مع العلم أن هذا الأخير هو مشرف على المندوبية، وفي نفس الوقت يوجد شخص ثالث كمدير عام هو المسير والمدبر لهذه البنية الإدارية، ومن ضمن الأسئلة الجوهرية: ما هو مصدر الأجر الشهري والتعويضات الذي يتلقاه المندوب الوزاري وما هي مرجعيته القانونية ؟ لكون المندوب لا تربطه أي علاقة وظيفية أو تعاقدية مع وزارة حقوق الإنسان، وليست هناك أي ميزانية مستقلة مخصصة للمندوبية الوزارية، وأن الآمر بالصرف في هذا المجال هو وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، أخيرا فإن المندوبية الوزارية ليست مدرجة في لائحة القانون التنظيمي رقم 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور والمعدل بتاريخ 17 يناير 2019.

هذا النقاش المطروح يأتي في سياق إصدار المندوبية الوزارية لتصريح بتاريخ 17 أبريل 2021 عبر وكالة المغرب العربي للأنباء بخصوص قضية الصحافي عمر الراضي حيث ألحت على ضرورة احترام القانون مما يدفعنا للسؤال عن المرجعية القانونية والصفة لها ك”سلطات مغربية” لهذا التصريح

وبالرجوع إلى تصريح المندوبية الوزارية الذي يدخلنا كما العادة، دائما في سجالات منهجية ومفاهيمية أكثر منها نقاش العمق الحقوقي، وتعزيز وحماية الحريات والحقوق، ونقف على ثلاث نقط أساسية.

أولا: شروط المحاكمة العادلة

اعتبرت المندوبية أن البيان الصادر عن المنظمات غير الحكومية بخصوص قضية الصحفي عمر الراضي يسعى إلى “التأثير على السير العادي للعدالة في معالجة ملفات قضائية بعينها من خلال تحريضه على التدخل في عمل القضاء كسلطة مستقلة لدولة ذات سيادة، وهو أمر مخالف للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولاسيما المتعلقة منها باستقلال السلطة القضائية”.

و”أن ضمانات المحاكمة العادلة كما يوفرها القانون لا يتأتى الوقوف على إعمالها إلا بالتتبع الميداني لمجريات وأطوار الملف القضائي” وأخيرا فإن “حملات للضغط الإعلامي غايتها تغليط الرأي العام بمعطيات على غير حقيقتها من أجل محاولة التأثير على صورة المؤسسات الدستورية بالمملكة المغربية.”.

بخصوص التتبع لمجريات وأطوار الملف القضائي، وفق شروط المحاكمة العادلة، لا تتعلق فقط بما يجري داخل جلسات المحاكمة، بل إن الضمانات تنطلق من لحظة الاعتقال مرورا بصك الإيداع المتابعة والوضع في الحراسة النظرية، والمتابعة في حالة اعتقال، وقاضي التحقيق والمرافعات داخل المحكمة والنطق بالحكم هل هو متناسب أو لا، والمدة المعقولة التي تمت فيها هذه المحاكمة ومحيط المحاكمة إعلاميا والسياق الذي جرت فيه … وبالتالي أي خلل يقع في أي مرحلة من هذه المراحل المتعددة، يعتبر إخلالا بإجراءات المحاكمة العادلة.

فلا يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تنتظر طول الإجراءات القضائية لتصدر مواقفها، في مقابل وجود شخص مسلوب الحرية تنتهك حقوقه يوم بعد يوم.

إن مفهوم “المدة المعقولة” وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان، ليست مرتبطة بسنة أو سنتين وفق بعض القوانين الوطنية، بل مرتبطة بنوع القضية والأدلة والتحقيقات، وأيضا بالوضع الصحي والعائلي والمهني للمتهم، مما يدفع بالقول أن وضع الصحفي عمر الراضي في السجن حوالي تسعة أشهر، مع التأكيد أن قاضي التحقيق لم يضف شيئا فيما يتعلق بصك المتابعة من قبل النيابة العامة… هو خرق لمبدأ أساسي هو “إجراء المحاكمات في آجال معقولة”.

المبدأ الجوهري الآخر، وهو مبدأ قرينة البراءة، باعتبار أن الحرية هي الأصل، ففي غياب أدلة دامغة وغياب حالة التلبس، ومع وجود “الشاهد” لصالح الصحفي عمر الراضي، فالأصل أن تتم المتابعة في حالة سراح وليس الاعتقال، خاصة إذا كانت هناك امكانات قانونية كثيرة يمكن اللجوء إليها من غير سلب الحرية الذي يعتبر إجراء استثنائيا، وللمعني بالأمر كل ضمانات الحضور، وذلك حتى يستطيع البحث عن أدلة النفي في التهم المنسوبة إليه.

“السياق” الذي جرى فيه اعتقال عمر الراضي، سواء بعد صدور تقرير منظمة العفو الدولية بخصوص اختراق هاتفه الشخصي أو حملة التشهير الواسعة التي تعرض لها، بالإضافة إلى التضييق على حياته الخاصة في المقاهي/المطعم … تشكل قناعة قوية بكون ملفه ليس ملفا عاديا، بل ملف يشم فيه الانتقام والتربص والانتقائية.

وأخيرا، تعتبر المندوبية أن بيانات المنظمات غير الحكومية تمس باستقلالية القضاء، وإذا كان تصريحها المدافع عن الجهات القضائية لا تعتبره هي مسا هو الآخر باستقلال القضاء، فإننا نذكرها بالردود الصادرة عنها أمام الهيئات الأممية لحقوق الإنسان، وهذه الهيئات منها ما هم خبراء ومنها ما هم سياسيين وديبلوماسيين.

ففي المراسلة الموجهة للسلطات المغربية بتاريخ 27 يوليوز 2020 من قبل كل من المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالحق في الحياة الخاصة، بخصوص ما يتعرض له عمر الراضي من تحرشات ومتابعة قضائية، فقد كان الجواب المغربي بتاريخ 18 شتنبر 2020 خالي من أي اتهام لهؤلاء المقررين الخاصين بكونهم يمسون باستقلال القضاء أو أن المغرب له سيادة وطنية لا يمكن التطاول عليها، بل قدم المغرب أطروحته وفق القوانين الجاري بها العمل.

ثانيا: حقوق ضحايا الاعتداء الجنسي

استغربت السلطات المغربية على لسان المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان كون “موقف المنظمات غير الحكومية الموقعة على هذا البيان المتعلق بتغافل حقوق ضحايا الاعتداء الجنسي وانحيازه للتشكيك في مصداقية الوقائع لمجرد أن المشتبه فيه يتمتع بصفة ما أو يمارس نشاطا بعينه، في وقت تتعالى فيه الأصوات عبر العالم للمطالبة بعدم الإفلات من العقاب في حق مقترفي هذا النوع من الأفعال المجرمة قانونا والمدانة أخلاقيا وحقوقيا.”

صنفت المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان “الضحية المزعومة” في قضية عمر الراضي باعتبارها ضحية اعتداء جنسي، وهو ما لم يقله القضاء بعد، كما أن المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية لا تطالب ببراءة الصحفي عمر الراضي وإنما تطالب فقط بمتابعته في حالة سراح، وذلك في إطار التوازن الحقوقي بين المدعية والمدعى عليه.

إدماج حقوق ضحايا الاعتداء الجنسي في تصريح المندوبية الوزارية فيه نوع المراوغة، لكون “الضحية المزعومة” تمت صيانة وحماية جميع حقوقها كمشتكية، إذ تم الاستماع إليها وفتح تحقيق قضائي بناء على روايتها، كما أنها لم تتعرض لأي تشهير أو مس بها أو بحياتها الخاصة، ولجأت إلى الإعلام للتعريف بملفها ولها فريق دفاعها، وإن لم يتم تبني قضيتها من قبل مئات الجمعيات النسائية والحقوقية ومراكز الاستماع لنساء ضحايا العنف والاعتداءات الجنسية التي تشغل منذ عشرات السنين في المغرب، فذلك شأن يهم تلك المنظمات التي ربما لم تقنع بروايتها، مما دفعها إلى الانخراط في تأسيس جمعية مدنية بمعية دفاعها، وكل هذا من حقوقها التي تمارسها بدون أن تتعرض لأي ضغوطات أو خروقات أو انتهاكات.

فالذي يمس بحقوق “الضحية المزعومة” هو تصريح المندوبية الوزارية، والإجراءات القضائية التعسفية، لكون الحصول على “رد الاعتبار” و”الإنصاف” وفق محاكمة غير عادلة، فإنه رد اعتبار زائف وإنصاف مغشوش.

ثالثا: الشاهد على حقيقة ما جرى

في قضية عمر الراضي، توجد حلقة مركزية، وهي الشاهد الصحفي عماد استيتو، هذا الأخير لم تذكره الضحية المزعومة في شكايتها الأصلية بكونه مشاركا في الاعتداء الجنسي، ولم يأتي على لسانها إلا انه كان حاضرا في تلك السهرة.
الشاهد الذي قدم روايته أمام السلطات القضائية المختصة، والتي جاءت لصالح عمر الراضي، يتحول بقدرة قادر من شاهد إلى متهم وشريك في الاغتصاب.
من حيث التكييف القانوني الذي قامت به السلطات القضائية، يعتبر الصحفي عماد استيتو حاليا متهم ومتابع في حالة سراح، ولكنه في رأي الحركة الحقوقية الوطنية والدولية هو شاهد على حقيقة ما جرى.

ختاما:

إن المعجم اللغوي والدلالي المستعمل من قبل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان في تصريحها ليس بريئا ولا محايدا ولا موضوعيا، بل ينتصر لجهة على حساب جهة أخرى.
فالبحث عن شرعية ومشروعية “التصريح الشارد” هو حلقة من ضمن مسلسل أن كل ما بني على باطل فهو باطل، في ظل احترام القانون والدستور والمؤسسات والمواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى