اقتصادحول العالم

دراسة: نظرة تفاؤلية… هل تنذر أزمة كورونا بمستقبل أفضل للعالم؟

بدأت الولايات المتحدة في دخول مرحلة التعافي من جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، والتخلص تدريجيًا من آثاره الاقتصادية، نتيجة لحملات التطعيم الوطنية التي أسهمت في التقليل من نسب الإصابة والوفيات. أما الصين فقد نجحت في السيطرة إلى حد كبير على انتشار الفيروس، وإنعاش إنتاجها مرة أخرى.

عرض: هدير أبو زيد – معيدة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية

انطلاقًا من هذا، طرح “تشارلز كيني” في مقالته المعنونة: “سنة وبائية مظلمة يمكن أن تُنذر بمستقبل أكثر إشراقًا: العالم بعد كوفيد-19 يمكن أن يكون جيدًا أو أفضل مما كان عليه من قبل”، والتي نُشرت بموقع مجلة “الشؤون الخارجية”، مجموعة من المؤشرات والظواهر للتأكيد على أن العالم ككل قد يكون مستعدًا لانتعاش قوي بعد الجائحة التي باتت واحدة من أعمق فترات الركود في زمن السلم منذ الكساد الكبير.

انتعاش الاقتصاد

يشير الكاتب إلى أنه على الرغم من وجود العديد من المؤشرات التي تنذر باستمرار جائحة (كوفيد-19) كتزايد أعداد الإصابات خلال اليوم الواحد، وعدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء؛ فإنه من المحتمل أن يتعافى مجالا الصحة والاقتصاد في جميع أنحاء العالم، نتيجة لانتشار عدد من اللقاحات الفعالة، وقيام العديد من الدول بالبدء في توزيعها على المواطنين.

وبناءً عليه، سيساهم النمو السريع لإنتاج اللقاحات في تخفيف الفجوات الحالية في تغطية اللقاح عبر الدول، وأبرز دليل على هذا هو الوقت بين أول اللقاحات في المملكة المتحدة وأول التطعيمات في غانا وساحل العاج والذي استغرق 11 أسبوعًا فقط، وهو ما يشكل تقدمًا ملحوظًا في هذا الإطار مقارنةً بالفجوة التي حدثت في لقاح الالتهاب الرئوي التي وصلت إلى أكثر من 15 عامًا.

كما يؤكد الكاتب أنه من المتوقع أن تحصل الدول النامية خلال هذا العام على 1.8 مليار جرعة إضافية من لقاح كورونا بدعم من المانحين الغربيين، حيث أبرمت روسيا عدة صفقات لتصنيع لقاح “سبوتنيكV” في أوروبا والهند وهو ما سيؤدي لتوفير 300 مليون جرعة على الأقل خلال العام القادم، حيث ستقوم الهند بتصنيع مليار جرعة من لقاح “جونسون آند جونسون” بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة، كما سينتج معهد للمصل فيها حوالي 100 مليون جرعة شهريًا من لقاح أكسفورد-أسترازينيكا، ناهيك عن الصين التي ستتمكن من إنتاج حوالي خمسة مليارات جرعة من لقاحاتها الثلاثة هذا العام والتي ستكفي لتلقيح 2.5 مليار شخص، وهو ما يدعم تقديرات مركز الابتكار الصحي العالمي بجامعة ديوك حينما أشار إلى أنه سيتم إنتاج لقاحات كافية في عام 2021 لتغطية 70% من سكان العالم.

إضافة إلى ما سبق، يؤكد الكاتب أن منظمة التجارة العالمية من خلال تعقبها للمؤشرات الرئيسية لحجم التجارة العالمية، أشارت إلى التعافي الكامل بحلول نهاية عام 2021، نتيجة لانخفاض تدفقات التحويلات المالية في عام 2020 إلى ما يقرب من سبعة في المائة من نسبة الـ20 في المائة التي كان يتوقعها البنك الدولي سابقًا، ناهيك عن توقعات صندوق النقد الدولي بزيادة معدلات نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.5 في المائة في عام 2021، و4.2 في المائة في عام 2022.

وعليه، يرى الكاتب أن الدول الغنية لن تكون الدول الوحيدة المستفيدة من هذا الانتعاش الاقتصادي، فعلى مدار عقدين من الزمن حدث تقارب في مستويات الناتج والدخل القومي لأغلب دول العالم، وبدأت الدول الأفقر في سد الفجوة بين الدول الأكثر ثراءً، وهو ما أكده “أنجوس ديتون” الخبير الاقتصادي في جامعة برينستون حينما أشار إلى أن معظم البلدان الفقيرة شهدت تقلصات اقتصادية مرتبطة بالوباء أقل من تلك التي حدثت في البلدان الغنية، حيث عززت الأزمة -إلى حدٍّ كبير- الاتجاه العالمي للنمو الاقتصادي، وهو الأمر الذي سيستمر خلال العامين المقبلين بحسب تقارير صندوق النقد الدولي، كما أدت لانتعاش أسواق العمل بحسب تقارير منظمة العمل الدولية، التي أشارت إلى أن انخفاض ساعات العمل خلال الوباء إلى 18.2 في المائة بسبب الإغلاق والقيود المرتبطة بالوباء، والتي وصلت إلى 4.6 في المائة بحلول الربع الرابع من عام 2020، سيؤدي لانخفاض خسائر التوظيف إلى 1.3٪ في عام 2021.

أخيرًا، يتوقع الكاتب أن يحصل الاقتصاد العالمي قريبًا على دفعة إضافية من صندوق النقد الدولي، فمثلما يمكن للبنك المركزي طباعة عملته الخاصة يمكن لصندوق النقد الدولي طباعة “حقوق السحب الخاصة”، والتي يمكن للبلدان استبدالها بالدولار واليورو والين، ونتيجة لهذا ستحصل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على حوالي 165 مليار دولار وربما أكثر في شكل تمويل خارجي إضافي من هذا التخصيص، إذا أعادت البلدان الغنية تخصيص أو إقراض بعض حقوق السحب الجديدة الخاصة بها. فعلى سبيل المثال، يمكن لمجموعة الدول الصناعية السبع والصين تحرير 37 مليار دولار لدعم أفقر البلدان إذا أعادت تخصيص 15 في المائة من حصتها، ناهيك عن استعداد إدارة “بايدن” للمشاركة في هذا الأمر بحسب تصريحات وزيرة الخزانة “جانيت يلين”، على عكس إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب” التي عارضت اقتراحًا بتخصيص 500 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في عام 2020.

تشجيع الابتكارات

عززت الاستجابة لـفيروس كورونا التقنيات والابتكارات التي يمكن أن تدعم زيادة الرفاهية العالمية والإنتاجية خلال السنوات المقبلة، وهو ما تجلى في العديد من المؤشرات أبرزها استخدام تقنيات الحمض النووي في عدد من اللقاحات كلقاحي فايزر وموديرنا اللذين أظهرا نتائج فعالة، ناهيك عن نجاح تقنيات الحمض النووي في تطوير اللقاحات التي حاربت عددًا من الأمراض القاتلة مثل تلك التي تسبب الإيدز والسل والملاريا، وبالتالي يمكن لمثل هذه التحصينات جنبًا إلى جنب مع قدرات إنتاج اللقاح وتوزيعه التي تصاعدت استجابةً للوباء أن تغير بشكل دائم البيئة الصحية في العديد من دول العالم.

ليس هذا فحسب، فبحلول نهاية عام 2020 أدخلت 166 دولة أو وسعت من نطاق التحويلات النقدية استجابةً للوباء، حيث وصلت هذه البرامج إلى 1.1 مليار شخص، ليس فقط في الدول ذات الدخل المرتفع بل في الدول الفقيرة أيضًا كبرنامج التحسين الاجتماعي في الفلبين الذي وصل إلى 78 في المائة من السكان.

علاوة على ما سبق، يشير الكاتب إلى أن وباء كورونا ساعد على أن يصبح “العمل عن بُعد” ظاهرة عالمية، وهو ما سيؤدي لتشجيع نمو التجارة في الخدمات بما في ذلك خدمات الأعمال، لأن العمل من المنزل يمكن أن يتم في جميع أنحاء العالم، وأبرز مثال على هذا هو الولايات المتحدة حينما سمح العديد من أرباب العمل لموظفيهم بالعمل عن بُعد أثناء الوباء.

وبناءً عليه، سيخرج جيل جديد من رواد الأعمال العالميين الذين سيستفيدون من الفرص المتزايدة لتقديم الخدمات عن بُعد نتيجة لإجراءات الإغلاق جراء أزمة كورونا. فعلى الرغم من انهيار العديد من الشركات بالولايات المتحدة، زادت معدلات إنشاء الشركات الجديدة مقارنةً بما كانت عليه في العام الماضي.

في النهاية، ستساهم أزمة فيروس كورونا في ربط العالم معًا من خلال إظهار حتمية المصير المشترك، وأن رفاهية الجميع تعتمد على قدرات واستجابات الآخرين، وهو ما تجلّى في تعاون واتفاق جميع دول العالم على اتخاذ إجراءات عالمية بشأن الصحة العامة وتغير المناخ، واقتراح مجموعة من الإصلاحات أبرزها تمكين منظمة الصحة العالمية واللوائح الصحية الدولية الملزمة قانونيًا.

ارتدادات عكسية

يجادل الكاتب بأنه من المتوقع أن تنتشر أنواع جديدة من فيروس كورونا، ولا سيما مع إجراءات إعادة الفتح في عدد من الدول قبل السيطرة على الوباء بشكل كامل، ناهيك عن تقارير صندوق النقد الدولي التي تشير إلى أن حوالي 110 اقتصادات في جميع أنحاء العالم قد لا تزال تشهد انخفاضًا في دخل الفرد في عام 2022 مقارنة بعام 2019. كما تشير منظمة العمل الدولية إلى أن خسائر الدخل كانت أكبر نسبيًا بالنسبة للعمال الشباب والنساء والعاملين لحسابهم الخاص والعمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة.

في هذا السياق، خسرت النساء في جميع أنحاء العالم في المتوسط 5.0 في المائة من ساعات عملهن في عام 2020 مقارنة بخسارة 3.9 في المائة للرجال، كما تُشير الدلائل إلى أنه مع زيادة حدة تدابير الصحة العامة بما في ذلك إغلاق المدارس والمرافق العامة، سيكون من المرجح بشكل متزايد أن تفقد النساء وظائفهن مقارنة بالرجال.

فقد كان لإغلاق المدارس على وجه الخصوص أثر غير متكافئ على رائدات الأعمال، ففي يونيو 2020 أشارت دراسة عالمية إلى أن 23 بالمائة من صاحبات الأعمال التجارية كُنّ يقضين ست ساعات أو أكثر يوميًا في أعمال الرعاية مقارنة بنسبة 11 بالمائة من الرجال، ناهيك عن قضاء العديد من أطفال العالم معظم العام الماضي خارج المدرسة، وهو ما سيؤدي لفشل عشرات الملايين من الأطفال في العودة إلى التعليم الأساسي بعد إعادة فتح المدارس حسبما ذكرت تقارير للبنك الدولي، ولكن لحسن الحظ تشير بعض الأدلة المتاحة إلى أن الغالبية العظمى من الآباء سيعيدون أطفالهم إلى المدارس في الفصل الدراسي القادم. ففي جنوب إفريقيا -على سبيل المثال- زادت نسبة الحضور الأسبوعي في المدارس من 37 بالمائة في يوليو إلى 98 بالمائة بحلول نوفمبر الماضي، على الرغم من أن الحضور اليومي كان أقل من ذلك.

أخيرًا، رأى الكاتب أن وباء فيروس كورونا أدى إلى ظهور مفهوم “دبلوماسية اللقاح” المثير للاشمئزاز نتيجة لتفاقم بعض الاتجاهات الاقتصادية المدمرة والتي ستؤدى إلى نشوب النزاعات التجارية حول السلع الطبية والمطالبة بالاكتفاء الذاتي، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الأسعار والمخاطر، وعدم المساواة العالمية في الوصول للقاحات.

ختامًا، يجادل الكاتب بأنه من الممكن التغلب على كافة الآثار السلبية لأزمة فيروس كورونا خلال الأعوام المقبلة، بتعاون كافة الدول حول العالم، لا سيما وأن وباء كورونا أثبت أنه خارج عن سيطرة أي دولة، وهو ما تجلى في عدد من الظواهر أبرزها وفاة الزعيم السلطوي الشعبوي في تنزانيا بسبب عدوى ادعى أنها لم تكن موجودة حتى في بلاده، وتدهور شعبية واحد من أقوى حكام البرازيل نتيجة لعجزه عن مواجهة الفيروس.

المصدر

Charles Kenny, “A Dark Pandemic Year Could Still Portend a Brighter Future: The World after COVID-19 could be as Good as or Better than the One Before”, Foreign Affairs, April 12, 2021.

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى