شواهد على التاريخفكر .. تنوير

الثقافة العربية في حداد وحزن برحيل الفيلسوف والمفكر العربي الدكتور حسن حنفي+ فيديوهات

الثقافة العربية في حداد وحزن، برحيل الفيلسوف والمفكر العربي الكبير الدكتور حسن حنفي، أحد أبرز الفلاسفة العرب في الخمسين سنة الأخيرة.
فيلسوف جمع بين الاطلاع على التراث العربي-الإسلامي (بأبعاده الفلسفية والفقهية والأصولية) والفلسفة الحديثة والمعاصرة بمناهجها المتنوعة، مثلما جمع بين العمق الفكري والقدرة على تبسيط الأفكار وإيصالها للجمهور الواسع من الناس.

 

بقلم عبدالاله المنصوري وفي الصورة مع الراحل إدمون عمران المالح

قدم للثقافة العربية الكثير من أمهات الكتب الفلسفية التي ترجمها من لغاتها الأم مباشرة، ساعده في ذلك موسوعية اهتماماته ولغاته المتعددة التي أتقن عددا وافرا منها، وفي مقدمتها الألمانية التي تشرب من خلالها المتن الفلسفي الألماني مباشرة بعيدا عن وساطات لغات أخرى.

حنفي

درس الراحل الكبير في جامعات عربية (القاهرة، فاس..) وغربية (في أوروبا وأمريكا..) وآسيوية (طوكيو) متعددة. مما جعل رؤيته أكثر اتساعا واستيعابا وتنوعا وانفتاحا.

كان الدكتور حسن حنفي غزير الكتابة والتأليف حيث ترك رصيدا هائلا من الكتب التي تحمل مشروعه الفلسفي المتميز، ومئات المقالات التي تنافح عن رؤيته لاستئناف الوطن العربي لنهضته المجهضة بفعل انحطاطه الذاتي التاريخي من جهة، وبفعل اليد الاستعمارية الغربية التي عمقت هذا التأخر التاريخي وألحقت العرب بمراكز القرار الإمبريالي.

العقيدة
فكان مشروعه الفلسفي متكاملا: “التراث والتجديد”، و”من العقيدة إلى الثورة”، و”من النقل إلى العقل”، و”مقدمة في علم الاستغراب”، و”من النقل إلى الإبداع”، وعشرات الكتب الأخرى التي تناولت الهموم العربية والإنسانية المختلفة، انتصر فيها للفقراء والمستضعفين، مختارا معسكره بشكل واضح لا لبس فيه، منافحا عن النهضة والتجدد الحضاري والتقدم والديموقراطية ومناهضا للفساد والاستبداد والتبعية للخارج ومنتصرا للتحرر ومواجهة الاحتلال وتحرير فلسطين والدفاع عن وحدة الأمة.

مثلما كانت عناوينه جذابة ومدهشة ونحن حينها تلامذة في الثانوي نهاية الثمانينات من القرن الماضي تتجاذبنا الأفكار والنقاشات الفكرية والإيديولوجية في عالم متلاطم الأمواج وعاصف التحولات. وكم كان يراودني حلم شراء كتبه التي كانت مصفوفة وراء زجاج إحدى المكتبات في مدينة القصر الكبير حتى انني واظبت على طقس الوقوف أمامها وتأملها قبل أن يتاح لي شراء العديد منها حين زيارتي لمعرض الكتاب بالدار البيضاء أول مرة، وأذكر كم كنت فرحا باقتناء أول كتبه “مقدمة في علم الاستغراب” وأنا في السنة الأولى او الثانية من شعبة الفلسفة. وكانت الأخبار المتواترة عن دروسه الأكاديمية وشخصيته القوية وأفكاره النقدية وقدراته الحجاجية، التي تصلنا من الطلبة الذين درسوا على يديه في فاس واحدة من الحوافز التي دفعتني إلى اختيار شعبة الفلسفة، لكن ما أن حصلت على الباكالوريا حتى كان أستاذنا قد غادر المغرب.

مغرب

كان للراحل الكبير قصصا كثيرة مع المغرب وعنه تستحق أن تروى وتجمع، أولها أنه في الأصل ينحدر من عائلة مغربية استقرت في مصر، وأهمها اشتغاله لسنوات أستاذا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة فاس التي درس على يديه فيها الآلاف من الطلبة، وكانت دروسه الأكاديمية موضع جذب لمئات من الطلبة من كل الشعب والتخصصات. وكانت مغادرته للمغرب بسبب قصة خلاف له مع الحسن الثاني لا يفتأ يرويها. وثالثها عدم اعتكافه في برجه العاجي للتنظير والتأمل والتحليل، فكان لا يمانع في الاستجابة لدعوات الهيئات والمنظمات المدنية المغربية لإلقاء محاضرات عن الثقافة والشباب وغيرها من الموضوعات المختلفة، وكانت الجمعية المغربية لتربية الشبيبة (لاميج) سباقة إلى استضافته في دار الثقافة في فاس.

لقاء

رابعها لقاؤه الشهير مع الدكتور محمد عابد الجابري على منبر باريسي كان يشرف عليه الأستاذ بلال الحسن شافاه الله (مجلة “اليوم السابع”)، في حوار ملأ الدنيا وشغل الناس جمعه الصديق الأستاذ فيصل جلول في كتاب يحمل عنوان: “حوار المشرق والمغرب” الذي حمل بين دفتيه أهم الهموم العربية المعاصرة في قالب فكري ومعرفي من الرقي والسمو ما لا تجده اليوم في مشهدنا الثقافي العربي المليء بالضحالة والبؤس. وكانت خاتمة أقواله في المغرب الذي أحبه، منتصف الثمانينات: “جئت المغرب راغبا، وأغادره مكرها”.

هكذا يرحل الدكتور حسن حنفي ملتحقا بكوكبة من الفلاسفة والمفكرين العرب المعاصرين من أصحاب المشاريع الفكرية الكبرى، مثل محمد عابد الجابري، فاطمة المرنيسي، زكي نجيب محمود، مالك بن نبي، حسين مروة، علي الوردي، عبد الوهاب المسيري، محمد أركون، محمد عمارة، جواد علي، عصمت سيف الدولة، مهدي عامل، أنور عبد الملك، هشام شرابي، إدوارد سعيد، ياسين الحافظ، إلياس مرقص، هادي العلوي، هشام جعيط، سمير أمين وغيرهم… لروحهم الرحمات والسكينة.

رحم الله الأستاذ حسن حنفي وأسكنه فسيح جنانه، وخالص التعازي لابنته السيدة حنين حنفي ولذويه وطلبته ومحبيه في أركان الأرض المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى